ثلاثة أسئلة فلسطينية أعادها وزراء الخارجية إلى أصحابها!

بقلم: معتصم حمادة

■ ثلاثة أسئلة حملتها الكلمة الفلسطينية إلى مجلس وزراء الأنظمة العربية في القاهرة (21/4/2019)، كلها تتمحور حول السؤال الاستراتيجي: «ما العمل؟». أخفق بيان السادة الوزراء في الإجابة عليها.

• السؤال الأول: ما العمل بعد أن نقضت سلطة الاحتلال الاسرائيلي اتفاق أوسلو، وبروتوكولاته، ولم تعد تلتزم به، وحولته إلى جثة هامدة، بما في ذلك السطو على أموال السلطة، ومصادرتها، واجتياح المناطق (أ) و(ب)،  ورفض الجلوس إلى طاولة المشاورات لبحث آليات تطبيق الاتفاق. ولسان حال الجانب الإسرائيلي يقول: نحن نقرر وأنتم تنفذون. ترى هل يحتاج وزراء خارجية الأنظمة العربية أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن جواب، خاصة وأن من ذهبوا إلى أوسلو، تجاهلوا الجميع، فلسطينيين شركاء في م.ت.ف، وعرباً شركاء في القضية القومية. وخاصة (أيضاً) أن بعض العواصم العربية تعيش شهر عسل مع الجانب الإسرائيلي، وانتقلت (على حد قول أحدهم) من موقع المؤيد للجانب الفلسطيني، إلى موقع «الوسيط» بينه وبين الطرف الإسرائيلي، بذريعة أن الوساطة أفضل للقضية الفلسطينية (!).

وما عجزت جلسة وزراء خارجية الأنظمة العربية عن الإجابة عليه، كان المجلس المركزي في م.ت.ف، قد أجاب عليه منذ أكثر من 4 سنوات، أي في 5/3/2015، وأعاد التأكيد عليه في 15/1/2018، في قرارات توافقية وطور المجلس الوطني الفلسطيني الموقف في 30/4/2018.

أما القرارات فواضحة. لكن لا ضرر في التذكير:

• سحب الاعتراف بدولة إسرائيل إلى أن تعترف هي بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67.

• وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال.

• فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، بما في ذلك سحب اليد العاملة الفلسطينية من المستوطنات الإسرائيلية، ووقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي (القرار الأخير بناء على اقتراح د.محمد اشتية قبل أن يكلف بتشكيل الحكومة).

• استرداد سجل السكان والأراضي من الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال.

• طي صفحة أوسلو، والتحلل من كل استحقاقات والتزامات الاتفاق.

• وأخيراً ، وليس آخراً، استنهاض المقاومة الشعبية نحو إنتفاضة شاملة وعلى طريق التحول إلى عصيان وطني. فإسرائيل، كما وصفتها القرارات، دولة احتلال، تمارس العدوان اليومي على الشعب الفلسطيني، وليست شريكاً في عملية السلام التي نفقت منذ أن وصلت إلى الطريق المسدود في مفاوضات كامب ديفيد 2 (في تموز/ يوليو/ 2000) في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات.

فهل بعد هذه القرارات نحتاج لأن نلقي السؤال على وزراء خارجية الأنظمة العربية؟

*    *    *

• السؤال الثاني: ما العمل بعدما كذّب علينا بوش الإبن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، ولم يفوا بوعودهم، بل ذهب ترامب إلى الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته إليها، وشرّع الإستيطان، وشطب حق العودة، وأغلق مكتب م.ت.ف في واشنطن، وفرض الحصار المالي على السلطة الفلسطينية، واعترف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل، ولم يعد يتبنى مشروع «حل الدولتين» وأسقط حق الفلسطينيين في دولة مستقلة.

وأخيراً وليس آخراً، يمهد الطريق لضم الضفة إلى الدولة الإسرائيلية. ويتحدث عن قرب إعلان «صفقة ترامب» بعد أن نفذ منها كل عناصر الإرتكاز، أي ما لا يقل عن 70% بل أكثر من ذلك من عناصرها.

وزراء الخارجية قالوا نرفض أية صفقة لا تستجيب للحقوق الفلسطينية. لكنهم في الوقت نفسه لم يأتوا على ذكر «صفقة ترامب» بالتعريف الواضح، بل بالإشارة العامة إلى «رفض أي صفقة». وهذا دليل على أن بعض الأنظمة العربية لا تملك الجرأة على الرفض العلني، لصفقة ترامب، وبالتالي جاءت العبارة «التسوية» هذه.

والشيء الذي لم يجرؤ وزراء خارجية الأنظمة العربية قوله، قاله المجلس الوطني الفلسطيني في 30/4/2018 حين قرر بوضوح شديد:

• قطع العلاقات مع الإدارة الأميركية إلى حين تتراجع عن قرارها بشأن القدس. [لاحظ هنا أنها لم تتراجع بل سارت قدماً نحو قرارات لا تقل خطورة]

• وقف العمل بالمفاوضات الثنائية تحت الرعاية الأميركية المنفردة، بعدما أن باتت واشنطن وسيطاً غير نزيه ومنحازاً للجانب الإسرائيلي (تأكد ذلك منذ مفاوضات كامب ديفيد 2 في تموز 2000).

• الذهاب إلى الأمم المتحدة بثلاث مشاريع قرارات:

1) مشروع نيل العضوية العاملة لدولة فلسطين، تحت الإحتلال.

2) مشروع طلب الحماية الدولية للشعب والأرض الفلسطينية ضد الإحتلال والإستيطان.

3) الدعوة لمؤتمر دولي، (بديل للمفاوضات المنفردة برعاية الأمم المتحدة)، وبموجب قراراتها ذات الصلة، التي تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، بإشراف مباشر من قبل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبسقف زمني محدد، وبقرارات ملزمة، تكفل للشعب الفلسطيني الفوز بالدولة المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها العام 1948.

فهل بعد هذه القرارات نحتاج أن نلقي السؤال على وزراء خارجية الأنظمة العربية.

*   *   *

السؤال الثالث: ما العمل بعدما تعمق الإنقسام، وباتت حكومة نتنياهو تراهن على إدامة الإنقسام، وتعمل على تعميقه، وبعد أن إعترف رئيس حكومة دولة الإحتلال أنه سيعمل كل ما بوسعه ليعطل أية محاولة لإنهاء الإنقسام، لأنه يشكل فائدة لإسرائيل ويخدم مصالحها.

هذا السؤال كان يفترض ألا يوجه لوزراء خارجية الأنظمة العربية، بل تحديداً إلى حركتي فتح وحماس. فهما طرفا الإنقسام، وهما المشكلة، بيدهما الحل. أما القوى الأخرى فواجبها أن تقترح آليات حلول، وأن تضغط، بواسطة الحركة الشعبية، على الطرفين لعدم توسيع رقعة الخلاف، ولإحضارهما معاً، إلى طاولة التباحث للإتفاق على خطوات إنهاء الإنقسام.

هذا ما حصل في بيروت في كانون الثاني (يناير) 2017، عندما انعقدت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني، برئاسة رئيس المجلس سليم الزعنون (أبو الأديب)، وقررت السير في إنهاء الإنقسام على خطين.

1) الخط الأول تشكيل حكومة وحدة وطنية، لمرحلة إنتقالية، تضم الجميع، من أجل أن تشرف على إنتخابات شاملة، للرئاسة، وللمجلسين التشريعي والوطني، بنظام التمثيل النسبي، بحيث تصبح المؤسسة الوطنية مؤسسة جامعة، بما يعزز مكانتها التمثيلية وموقعها السياسي.

2) مواصلة الحوار بين طرفي الإنقسام، لتستعيد حكومة الوفاق الوطني (رامي الحمدالله) مسؤولياتها كاملة في قطاع غزة.

ثم أعيد التأكيد على هذا الأمر، في إجتماع 22/11/2017، بين الفصائل كافة.

توقفت التحركات في آذار (مارس) 2018 مع حادثة التفجير المعروفة، وكأن الحادثة هي نهاية الكون ولم يعد بالإمكان تجاوزها؛ في ظل تصعيد غير مبرر بدت علاماته النافرة في الجولة الثالثة من حوار موسكو (شباط 2019) حين ابتدع الطرفان، واستحضرا قضايا خلافية بعيدة المدى سياسياً، وتجاهلا القضايا الأبرز: الإنقسام، وصفقة ترامب، ومشروع دولة إسرائيل الكبرى، وكل طرف بما يخدم مصالحه الآنية، متجاهلاً المصلحة الوطنية العليا.

وبالتالي استطاعت الحالة الوطنية أن تضع حلاً لإنهاء الإنقسام، وأن تضع خطة لقطع الطريق على مناورات نتنياهو. الكرة ليست في ملعب وزراء الخارجية. الكرة في ملعب فتح وحماس معاً.■

ملحق: الأمر غير المفهوم أن تواصل السلطة الفلسطينية تعاونها الأمني مع المخابرات الأميركية بدعوى محاربة الإرهاب، بينما تدرج الولايات المتحدة م.ت.ف على لائحة المنظمات الإرهابية. الأمر يحتاج إلى شرح!■

بقلم/ معتصم حمادة