كثرت في السنوات القليلة الماضية، بعد كل معركةٍ تخوضها المقاومة العربية والفلسطينية ببطولةٍ وبسالةٍ، كما في الأيام الأخيرة عشية شهر رمضان المبارك، إثر صمود أهل غزة الأحرار أمام العدوان الإسرائيلي، أصواتٌ عربيةٌ ناعقةٌ، وتصريحاتٌ إعلامية ساقطةٌ، وتغريداتٌ شخصيةٌ هابطةٌ، تستهزئ بالمقاومة، وتستخف برجالها، وتقلل من حجم الصمود ودرجة الثبات، وتتباكى على صواريخ المقاومة أنها أطلقت عبثاً، وسقطت في الفراغ فلم تصب هدفاً، وتمنت لو أن الفلسطينيين اشتروا بثمن هذه الصواريخ "عديمة الجدوى وقليلة الفائدة" إفطاراً للصائمين، ومؤونةً للمحتاجين، ومساعدةً للفقراء والمعدمين، فيما يبدو أنهم متألمون لقطاع غزة المحاصر، ويشعرون بالأسى لمعاناة أهله ومأساتهم الإنسانية.
استنكر سكان قطاع غزة ومعهم كل الفلسطينيين وأحرار العرب المقاومين، وغيرهم من الغيارى على المقاومة، هذه النصائح المسمومة، ورأوا أنها لا تليق بهم ولا تعبر عنهم، ولا ينبغي أن تصدر من عربيٍ مسلمٍ بحقهم، فهم كرسول الله عيسى عليه الصلاة والسلام، الذي باع قميصه ليشتري به سيفاً يقاتل به ويقاوم، على استعدادٍ لبيع ما يملكون، والتخلي عما بقي في أيديهم حليٍ ومتاعٍ، ليشتروا به سلاحاً يحققون به عزتهم، وينالون به حريتهم، ويوجعون به عدوهم، ويقهرون به من يتطاول ويتآمر عليهم.
لا ندري من الذي طلب من هؤلاء المتشدقين المارقين الساقطين الهالكين النصيحة، ومن قال لهم أننا في حاجةٍ إليهم، وأننا نتطلع إلى مساعدتهم، فهم بدلاً من أن يكونوا بعلومهم نصيراً لنا، وبثقافتهم درعاً لمقاومتنا، أصبحوا لسان حال العدو وترجمانه، وعينه وآذانه، وهو ما شهد به الناطق باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي الذي أشاد بهم وشكر، إذ يقولون ما يتمنى، وينشرون ما يريد، ويدسون ما لا يقوى على دسه، وينشرون الفتنة التي يسعى إليها، وينثرون الكراهية التي يعمل عليها، ثم يدعون أنهم مثقفون، وأنهم إعلاميون أصحاب رأيٍ وفكرٍ، وما علموا أن العدو ينفخهم كالطبل، ويستخدمهم كالتيس، ثم يأتي اليوم الذي يلقي بهم في مجمعات القمامة كالجيفة التي يعجل في الخلاص منها لئلا تضره.
الفلسطينيون ليسوا جوعى لكسرة خبزٍ معجونةٍ بالذل، وليسوا بحاجةٍ إلى مساعدةٍ مرهونةٍ بالتبعية، ولا يقبلون من أحدٍ أن يتسول بهم أو لهم، ولم يشكوا لأحدٍ عجزهم، ولم يطلبوا من غيرهم أن يتوسلوا لدى العدو لهم، ليرأف بهم ويحسن إليهم ويسكت عنهم، فهم أعزةٌ بعد الله عز وجل بمقاومتهم، وأقوياء برجالهم، وقادرين بسلاحهم، وصامدين بثباتهم، لا يخيفهم العدو، ولا يقعدهم تهديده، ولا يفت في عضدهم عداونه، ولا يزعزع إيمانهم بحقهم طغيانه، ولا ترعبهم قوته ولا يبالون بتفوقه، بل يشعرون أنهم بمقاومتهم الأقوى، وبشعبهم الأنضى، وبصمودهم الأسنى، وبتضحياتهم الأسمى.
عجيبٌ أمر هؤلاء وغريبٌ فكرهم، وشاذةٌ طباعهم ومنحرفةٌ فطرتهم، ولو أنهم كانوا عرباً ومسلمين، يفرحون للعدو إذا غلب، ويحزنون عليه إن فشل وخسر، ويدعون الله عز وجل وإليه يبتهلون ويتضرعون أن ينصره على أبناء أمتهم، من أهل ملتهم الإسلامية، ومن أقوامهم العربية، ممن يؤمنون بدينهم وينطقون بضادِّهم، وفي الوقت نفسه يتمنون الهزيمة للمقاومة العربية والإسلامية، ويسألون الله عز وجل أن يكسرها ويهزمها، وأن يشتت جمعها ويفرق صفها، ويحزنون إن هي صمدت وثبتت، ويصيبهم الأسى والألم إن نجحت في إفشال العدو، أو أرغمته وكسرته، وأجبرته على القبول بشروطها والاعتراف بمعادلتها، ويرفضون الاعتراف بما حققت وكسبت، وينكرون ما أنجزت وأبلت، ويصفون مقاومتها بالعبثية، وصمودها بالوهم، وانتصارها بالكذب.
إننا نحن الفلسطينيين نطالب شعوب أمتنا بما لنا عندها من حق النصرة والأخوة، أن تلفظ هؤلاء الفاسدين، الأبواق المأجورة، والحناجر الخبيثة، والألسن التي تنفث السم الزعاف، وأن تتبرأ منهم وتستنكر تصريحاتهم، وألا تقبل أن يكونوا محسوبين عليها، أو ينتمون إلى أحزابها وتياراتها، أو عاملين في مؤسساتها الإعلامية والسياسية، فلا تسمحوا لهم بالظهور على شاشات فضائياتكم، ولا تقبلوا أن يكونوا على صفحات جرائدكم، أو كتاباً في مواقعكم، أو رموزاً في تياراتكم، فالأمة لا ترتقي بأمثالهم، ولا تتشرف أن يكون فيها من يبيع نفسه للعدو، أو أن يكون عنده عبداً وأجيراً، مقابل رفعةٍ زائلةٍ، وسمعةٍ فاسدة، ووظيفةٍ لن تدوم.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 8/5/2019
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]