لا دين لمن يصنف المقاومة إرهاباً، ولا خلق لدى من ينعت رجالها بالإرهابيين أو يصفهم بالمخربين، فهذه من شيم غير المؤمنين ومن سلوكيات غير المسلمين، وهي من قاموسهم الأعوج ومفرداتهم العرجاء، وإننا نبرأ بأنفسنا منهم، ونستعيذ بالله السميع العليم أن نكون من أهلهم، ولا نقبل بهم أن يكونوا ممثلين عنا أو خداماً لمقدساتنا، فهؤلاء الضالون ليسوا منا، وإن صلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا ونطقوا بلغتنا.
نحن لا نعيب على الأعداء إن صنفوا مقاومتنا إرهاباً، إذ لا نتوقع منهم غير ذلك، ولا ننتظر منهم إنصافاً لنا أو عدلاً معنا، فهم ليسوا عرباً ولا مسلمين، وليسوا حضاريين ولا إنسانيين، بل هم الذين يحاربوننا ويقتلوننا، وهم الذين طردونا من أرضنا وهجرونا، وهم الذين يتآمرون علينا ويتحالفون ضدنا، لهذا فإننا لا نرى في تضييقهم علينا مخالفة لقيمهم، أو في إساءتهم إلينا عيباً يقدح في أخلاقهم، فهذه هي طبيعتهم العدوانية وجبلتهم الشيطانية.
أما أن تقوم دولٌ إسلاميةٌ وأنظمةٌ دينيةٌ، بتحقير شعائر الله بدلاً من تعظيمها، وتهين المقاومة التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها وحضنا عليها بدلاً من تقدسها وتحصينها، وتنشر صور قادةٍ عظامٍ وشهداءٍ كرامٍ بقصد التشويه والإهانة، والتلويث والإساءة، فهذا لعمري ما لا يرضى عنه الله عز وجل أو يقبل به، فتعظيم المقاومة من تقوى القلوب، وما تقوم به بعض الأنظمة العربية يخالف أمر الله ويتناقض معه، ولا يجوز لها ولا يليق بها التطاول على ما قدسه الله عز وجل والحط مما رفع من شأنه.
لقد جحد هؤلاء بتصنيفهم الباطل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، فكيف يتطاول المدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وصف الطائفة المقاتلة في بيت المقدس وأكنافه بالمرابطين، وأنهم على الحق ظاهرين، إنهم بفعلتهم هذه يخالفون قوله الشريف، ويقلدون أعداءه ويقتفون أثر من قاتلوه وتآمروا على حياته، يرضونهم ويغضبونه، ويطيعونهم ويعصونه، ويتبعونهم ويخالفونه، بقولهم بهتاناً وزوراً عن المقاومة الفلسطينية بأنها إرهابٌ، وأن أبطالها إرهابيون قتلة، وأنهم لا يدافعون عن حقٍ، ولا يسعون لتحرير أرضهم واستعادة وطنهم.
تعظيم المقاومة وتكريم رجالها، وتقدير أهلها، واحترام أبنائها هو من تقوى القلوب وصفاء النفوس، وهو من سلامة الفهم وحسن الوعي، فالمقاومة أحد شعائر الله المقدسة، التي ينبغي تعظيمها والحفاظ عليها، ومنع المساس بها أو التعرض إليها، ويحرم تشويهها والتضييق عليها، وهي من شروط الإسلام العظيم وأركان الإيمان القويم، فبتعظيمها يستوي إسلام المرء وتترسخ عقيدته، ويقوى دينه ويزداد إيمانه، وبالإساءة إليها وامتهانها، وتحقير أهلها والتضييق على رجالها ردةٌ عن الإسلام، وهدمٌ لأركانِ الإيمان، وإنكارٌ لواجبٍ من الدين بالضرورة، وإبطالٌ لثابتٍ من الإسلام معروفٍ، ومساسٌ باطلٌ بقيم الإسلام السامية ومعانيه الرفيعة، التي يؤجر من يتمسك بها، ويأثم من يفرط فيها ويعتدي عليها أو يقلل من شأنها.
مقاومة العدو عبادةٌ، وقتاله واجبٌ، وجهاده فرض، والإعداد لمواجهته تكليفٌ رباني، وإلحاق الهزيمة به شرفٌ، وإيذاؤه مفخرة، وإحراجه مكسبٌ، وإفشاله مطلبٌ، وحرمانه من الأمن لازمٌ، وشطبه من الوجود أمنية، وإزالته من الخارطة السياسية والواقع الجغرافي أملٌ وغايةٌ، وتحرير الأرض منه وتطهير المقدسات من دنسه منتهى آمالنا وغاية أحلامنا.
طوبى لمن قاتله وقاومه، وحمل السلاح وخاض الحرب ضده، ونال منه وقتل، وأصاب منه وجرح، وثبت في مواجهته وصمد، فمن سلك هذا الطريق وخاض هذا الدرب فقد سجل اسمه في الخالدين، وحفظ ذكره إلى يوم الدين، وحاز على السبق جهاداً وشهادةً عند رب العالمين، أو رصع اسمه وسما نجمه وأكرم أهله إذا كان من الأسرى والمعتقلين، الصابرين الثابتين، الصادقين الصامدين، الرابضين في قلاعهم، والواثقين بالنصر رغم القيود التي في أيديهم، والأغلال التي في أرجلهم، وجدران الزنازين التي تحيط بهم، فإنا وإياهم بإذن الله على موعدٍ مع نصرٍ قريبٍ وصبحٍ أبلج.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 12/5/2019
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]