لن تهدأ اسرائيل قبل أن تشعل المنطقة، فالحروب هي حرفتها الدائمة كدولة لا تفكر إلا بإخضاع الآخرين بالقوة العسكرية بدءا من الفلسطينيين والعرب، وها هي منذ سنوات لا تكف عن جعل ايران الدولة المستهدفة حتى عندما توصلت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما الى تسوية مع طهران لا تتوافق مع الرغبات الاسرائيلية بالحروب رغم أن أوباما قرر آنذاك زيادة المساعدة العسكرية لإسرائيل الى 38 مليار دولار، انتظرت حتى وصول رئيس جديد لتقلب الطاولة تحريضاً من جديد.
في الصراع المتجدد مع ايران الصوت الاسرائيلي العالي لا يترك مجالا للشك بأن تل أبيب هي المحرك الرئيس.
فالمسألة ليست في ملفها النووي فذلك تم ضمانه في اتفاق 2015 ولكن هناك ما هو أبعد يطال حزب الله ومنطقة تريد اسرائيل تسويتها وهندستها وفقاً لخارطة طريقها، لكن ايران وأذرعها في المنطقة يسيرون باتجاه معاكس.
نتنياهو يعتبر الملف الايراني ملف حياته السياسية والحزبية والانتخابية، حتى وان ذهب للأمم المتحدة لا ينسى أن يرسم قنبلة تعلوها عمامة سوداء ليشرح كالمدرس لتلاميذه درساً في السياسة ومنذ أن جاء للحكم في المرة الثانية جعل من هذا الملف الأول في السياسة الاسرائيلية وان فشل بإرغام العالم أن تتصدر ايران الأولوية، هو يشير إلى خطر استراتيجي على دولته وبأن طهران تستعد لهدم الهيكل الثالث ويقصد به دولة اسرائيل.
حاول نتنياهو بكل ما أوتي من قوة خلال العقد السابق، ولكن تعقيدات القرار في اسرائيل منعته من المغامرة لأن قادة الأذرع الأمنية أقدر على قياس قدرات اسرائيل وقدرات الخصم ويعرفون أن المسألة ليست بتلك السهولة، فقد تجند الخماسي الأمني كله لرفض مقترحاته بضرب ايران، ولا نعرف حينها هل كان يريد فعلاً أن يفعلها أم أنه أراد أن يقول للعالم اذا لم تتخذوا القرار بحصار أو ضرب ايران ستفعلها تل أبيب.
رفض قائد الطيران حينها أمير ايشل والذي عينه نتنياهو لتلك المهمة بعد أن نجح ايشل في الاشراف على ضرب منشأة دير الزور السورية العام 2006 لكن حين تعلق الأمر بإيران اختلف الأمر، وكذلك فعل يوفال ديسكن رئيس المخابرات وأيضاً مائير داغان مدير الموساد آنذاك وأيضاً فعل غابي أشكنازي رئيس الأركان حينها ومثله أيضا اليعازر مروم قائد القوة البحرية، وحين انتهت ولايات هؤلاء وتم استبدالهم كان الجدد يقفون على نفس تقارير أسلافهم بأن الحرب ليست نزهة.
ورغم كل ذلك ظل نتنياهو مرتبطاً بمشروعه الحربي الذي باتت تتكتك ساعته الرملية، فلم يبق له فرصة إلا خلال الأشهر الستة القادمة لأن لديه رئيسا أميركيا كأن القدر قد صممه على مقياس نتنياهو تماماً.
هذا الرئيس الذي يبدو لعبة صغيرة بيد رئيس وزراء اسرائيل ستتوقف كل اهتماماته الخارجية بعد شهر تشرين الثاني القادم وهو بداية العام الرابع الذي ينكفئ فيه البيت الأبيض للتحضير للانتخابات أي العام الأخير الذي يسمون فيه الرئيس البطة العرجاء والذي لا يمكن خلاله اتخاذ قرارات استراتيجية في عرف السياسة الأميركية.
قبل أن يبدأ هذا العام كنا نكتب أن العام 2019 هو الأخطر بالنسبة للفلسطينيين للأسباب آنفة الذكر باعتباره العام الثالث في ولاية ترامب، وها هي الادارة الأميركية تجهز للصفقة الرديئة على أمل أن يتمكن نتنياهو من تشطيب الملف الفلسطيني خلال الأسابيع القادمة ليذهب خلال نصف العام المتبقي أيضاً لاستخدام الادارة الأميركية لتشطيب الملف الايراني كما يحلم، وبات من الواضح أن ادارة ترامب تساير في هذا الملف فما رأيناه وشاهدناه خلال الأيام القليلة الماضية كأنه يشير إلى أن طبول الحرب قد بدأت تقرع.
فقد عبرت حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لينكولن الخميس الماضي قناة السويس متجهة إلى الخليج وأعلنت القيادة المركزية الأميركية أن طائرات بي 52 وصلت إلى القاعدة الأميركية في قطر وهي الدولة التي انطلقت أيضاً منها طائرات ضرب العراق وهي الدولة التي تلقفتها إيران بالمساعدة عندما تعرضت الدوحة لحصار من دول خليجية.
هل ستفعلها الولايات المتحدة وتشعل حرباً على إيران؟ هكذا على الأقل تشير تقديرات نقل الأسلحة الأميركية للمنطقة، لكن الولايات المتحدة تقول إن القطع الحربية يتم نقلها فيما لو ضربت إيران أولاً، ومن المستبعد أن تدخل إدارة ترامب حرباً بهذه الشراسة مع دولة ليست بتلك السهولة في صراعاتها وخاصة أن التهديد بضربها منذ سنوات من الطبيعي أن نتصور أن إيران قد قامت بكل الحسابات اللازمة للتصدي وهناك معلومات تشير إلى نقل قواعد وصواريخ إيرانية بالستية إلى العراق ناهيك عن إمكانياتها لدى حزب الله. والأهم ما تأثير تلك الحرب على انتخابات الرئاسة الأميركية والتجديد للرئيس ترامب؟
المحلل العسكري بوب هامرايت القريب من البنتاغون والقيادة العسكرية يقول إن إسرائيل ستدخل الحرب وحدها تحت الغطاء الأميركي لأن الولايات المتحدة زودت إسرائيل بكل الوسائل العسكرية اللازمة للانتصار في هذه الحرب، فقد أصبح لديها 100 ألف قنبلة من العيار الثقيل و15 طائرة شبح و600 طائرة أف 16 واف 35 وغواصات دولفين الألمانية وبالتالي فإنها قادرة على دخول الحرب وحدها وتدمير المنشآت النووية الإيرانية والجسور ومراكز الجيش والقيادة.
أغلب الظن أن اسرائيل أكثر دراية بالقدرات الايرانية، فإيران دولة كبيرة المساحة ناهيك عن قدرات حزب الله التي تم تجريبها العام 2006 وتطورت بشكل كبير هذا ما جعل المحلل الأميركي يقول إن القوات البرية الإسرائيلية لن تدخل لبنان بل ستتركز الحرب على لبنان من قبل القوات الجوية.
كل تلك حسابات نظرية، وأغلب الظن أن الحسابات ليست بتلك الدقة التي يعرفها جيداً قادة الأمن الإسرائيلي ناهيك عن ما سيحدث إن قامت إيران بإغلاق مضيق هرمز ووقف تصدير النفط المحرك الرئيس لاقتصاديات العالم.
وربما يؤدي الأمر لإسقاط حكومات في أوروبا فالمسألة إذا كانت تعتقد إسرائيل أنها بتلك البساطة ستكون مغامرة تجر العالم إلى حرب كبيرة ومن المشكوك أن تتمكن إسرائيل من حسم معركتها هذا إذا تجاهلنا ما سيتساقط عليها من صواريخ من لبنان وإذا كانت الولايات المتحدة ستدخل الحرب سيكون الأمر أكثر اضطراباً.
ولكن بكل الظروف نحن أمام صيف ربما الأكثر سخونة منذ أعوام ويحمل الكثير للملفين الفلسطيني والإيراني ...!
بقلم/ أكرم عطا الله