.....نكبات شعبنا مستمرة ومتواصلة في الكثير من الأشكال والتجليات والمسميات،وهذه النكبات متوقع لها مع تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة في دولة الإحتلال "الإسرائيلي"،ان تتصاعد وان تزداد بشكل غير مسبوق،حيث ان هذه الحكومة في صلب برنامجها،سن المزيد من القوانين والتشريعات الهادفة الى طرد وتهجير شعبنا من خلال الإستيلاء على أرضه،وممارسة كل أشكال التضييق والخناق عليه،لحمله على الهجرة والمغادرة القسرية،هي سياسة تطهير عرقي بإمتياز،نشهد تجلياتها ،كل يوم على أرض الواقع،فإسرائيل كل يوم تشرعن و"تقونن" و" تدستر" المزيد من القوانين والتشريعات وتتخذ المزيد من القرارات ذات الطابع العنصري، ليس أخطرها قانون ما يسمى بقانون القومية الصهيوني،بل نجد ان دولة الإحتلال كمجتمع ومؤسسة ودولة تحولت الى دولة "أبارتهايد" عنصرية، وما يجري في دولة الإحتلال من صراع على السلطة ينحصر بين قوى اليمين بشقيها الديني والعلماني،ولم يعد هناك وجود لما يسمى باليسار الصهيوني،حتى حزب العمل الذي بنى وأسس هذه الدولة في طريقه للتحلل والإندثار،ولذلك تُجمع كل القوى الصهيونية التي ستكون جزء من تركيبة الحكومة الإسرائيلية القادمة،بأن الحل والخيار الوحيد أمام الفلسطينيين،هو القبول بما يسمى بالسلام الإقتصادي،البقاء تحت "بساطير" الإحتلال،مع تحسين شروط وظروف حياتهم الإقتصادية بتمويل جوهره عربي وبعضه اوروبي غربي،أي مقايضة الحقوق الوطنية السياسية بالحقوق الإقتصادية والخدماتية،وبما يشطب ويصفي القضية الفلسطينية.
لعل النكبة الثانية التي تعرض لها شعبنا،وكانت تداعياتها والتي ندفع ثمنها حتى اليوم،اخطر وأشمل من نكبة عام 1948، هي نكبة اوسلو، التي وصفها ثعلب السياسة الإسرائيلية المغدور بيرس،بأنها النصر الثاني لدولة الاحتلال بعد نكبة عام 1948،نعم نكبة أوسلو قسمتنا وفككتنا وطنياً ومجتمعياً،وحولت أرضنا المحتلة في الضفة الغربية الى "جيتوهات" مغلقة ومعازل،لا تواصل جغرافي بينها،وخلقت وأشاعت في أوساط شعبنا،بأن هناك وهم إسمه الدولة والسلطة الوطنية،ولكي نكتشف بعد خمسة وعشرين عاماً من ماراثون المفاوضات العبثية،بأنه لا وجود لشيء اسمه دولة فلسطينية او سلطة وطنية،بل نحن وجدنا انفسنا أمام سلطة حكم إداري ذاتي للسكان، لا يوجد لها أي شكل من أشكال السيادة،وسلطة إدارية مقيدة الصلاحيات،وبلغة رئيس السلطة أبو مازن " سلطة بدون سلطة".وفي قطاع غزة وإن وجدت هناك سلطة فلسطينية،ولكن جوها وبرها وبحرها تحت السيطرة الإسرائيلية،وشعبها يخضع للحصار الظالم منذ إثني عشر عاماً.
ولعل النكبة الثالثة التي نعايشها حتى اليوم،والتي هي من صنع أيدينا نحن،هي نكبة الإنقسام،الذي هو بمثابة الجرح النازف في الجسد الفلسطيني،والمضعف لجبهتنا الداخلية،والمشتت والمبعثر لجهودنا وطاقاتنا وإمكانياتنا،والذي يستهلك الكثير من وقتنا في الخلافات والمناكفات الداخلية،وما يرافقها من مواقف وسلوكيات من طرفي الإنقسام ( فتح وحماس) تصب في خانة تعزيز الإنقسام وشرعنته وتكريسه،والذي كل المؤشرات تقول بانه سيتحول الى إنفصال دائم،حيث يتمسك كل طرف بمواقفه وبرنامجه،دون ان نتقدم خطوة واحدة على طريق إنهائه.
إستمرار هذا الإنقسام،وما يتركه من تداعيات خطيرة على قضيتنا ومشروعنا الوطني،وعلى الروح والحالة المعنوية لشعبنا وجماهيرنا،والتي باتت تفقد ثقتها بالقوى والأحزاب والفصائل،واكثر من ذلك يتنامي ويتكون لديها شعور،بأن تلك القوى والأحزاب،مصالحها ومكاسبها الفئوية والحزبية فوق المصالح الوطنية العليا، فلا نزيف وشلال الدم المتواصل لشعبنا ولا تهويد القدس ولا ضم الضفة الغربية ولا الحصار الظالم بحق قطاع غزة يوحدها.
نحن أمام نكبة رابعة لعلها الأخطر من النكبات السابقة،والتي اذا ما استمرت عليها حالتنا ووضعنا الفلسطيني من شرذمة وإنقسام وتحميل مسؤوليات وإتهام وإتهام متبادل ،فإن الحديث عن عدم مرورها إلا على جثثنا، يصبح مجرد إنشاء ولغو فارغ،والحديث هنا عن صفقة القرن الأمريكية،والتي تؤشر خطوطها العام التي يجري تسريبها، بأنها تحمل تصفية شاملة للقضية الفلسطينية،فهي تكرس الموقف الصهيوني على الأرض من مختلف ابعاد القضية ( القدس واللاجئين والمستوطنات والأمن والحدود والرواية التاريخية،وما يجري العمل عليه حالياً،هو بلورة طبيعة وشكل الإطار السياسي للكيان الفلسطيني المتولد عنها .
صحيح أن صفقة القرن تحتاج الى موافقة الطرف الفلسطيني،وبدون موافقته سيكون من الصعب تمريرها،ولكن هذا الرفض اللفظي والنظري لوحده لن يكون كافياً من أجل ضمان عدم تمريرها، وسيبقى مجرد موقف للتاريخ،فالمجابهة الحقيقة من أجل إفشال صفقة القرن،تحتاج الى أبعد من ذلك بكثير،بديل متكامل وطني سياسي اقتصادي كفاحي تنظيمي،يؤسس لمرحلة نضالية قادمة أقوى وأشرس من المراحل السابقة،وما نشهده من عدوان مستمر على قطاع غزة،ورد المقاومة الفلسطينية عليه،بإيجاد حالة من توازن الردع،والتعديل في ميزان القوى،يجعلنا نطمئن بأن الحالة الشعبية الفلسطينية والعربية والمستندة اولاً الى الإرادة الشعبية وحلقات محور المقاومة المترابطة في الإقليم والمنطقة،لن تسمح بتمرير تلك الصفقة، فالعدوان الأمرو صهيوني من أجل فرض تطبيقها بالقوة،سيكلف حلف العدوان خسائر كبيرة بشرية ومادية اقتصادية،ناهيك عن ان الجبهة الداخلية للإحتلال الصهيوني،ليست على قدر عالي من التماسك،حيث لمسنا ذلك في العدوان الأخير على قطاع غزة، فالرد الصاروخي لفصائل المقاومة على ذلك العدوان،جعل اكثر من ثلث سكان مستوطنات غزة يهربون نحو الشمال،فما بالك لو تصاعد العدوان واستمر وتكثف رد المقاومة عليه..؟؟،فانا اعتقد بأنه سيكون هناك شلل في دولة الإحتلال شبه كلي وشامل،يشمل الاقتصاد والتجارة وتوقف حركة المطارات والموانىء والسكك الحديدية،وتزايد الهجرة العكسية .
هذه النكبة المعروفة بصفقة القرن الأخطر بحق قضيتنا ومشروعنا الوطني،فهي يقف خلفها "بلدوزر" من أجل تطبيقها على الأرض، أمريكا بشكل مباشر،ولكن المواقف الأوروبية الرغبية،والتي تعودنا عليها أن تكون تابعة للموقف الأمريكي،والمثال على ذلك موقفها من الاتفاق الدولي مع طهران حول برنامجها النووي،الذي انسحبت منه واشنطن وعززت من عقوباتها على طهران،حيث لم تقم الدول الأوروربية الموقعة على الاتفاق،ببلورة أي بديل يضمن إيجاد أليات عملية بعيداً عن النظام المالي الأمريكي والعقوبات التي فرضتها أمريكا على ايران،بما يمكناها من استمرار بيع نفطها والتعاملات المالية مع المصرف المركزي الإيراني،ولذلك أوروبا ستكون جزء من هذه الصفقة،وسيكون نصيبها المشاركة المالية والإقتصادية،وكذلك العديد من دول النظام الرسمي العربي،المعرفة بما يسمى بدول الناتو العربي،هي الأخرى جزء من هذه الصفقة،ولذلك لكي نتصدى لهذه الصفقة نحتاج الى موقف فلسطيني جمعي موحد،يستد الى إرادة شعبية فلسطينية – عربية،ومحور مقاومة مترابط الحلقات في الإقليم والمنطقة،الى جانب ذلك دعم ومساندة دول كبرى رافضة للصفقة الأمريكية في مقدمتها روسيا والصين، وإلا فإننا سنجد أنفسنا امام تصفية جدية لقضيتنا ومرتكزات برنامجنا الوطني من قدس ولاجئين وحق عودة .
فلسطين – القدس المحتلة
12/5/2019
بقلم/ راسم عبيدات