اوجع القلوب برحيله السريع والغير متوقع، فوجهه كله براءة وجمال، كجمال سيدنا يوسف، وابتسامة كانت لا تفارقه، وكله وحيوية ونشاط، وهدوء واتزان، ومن الفتية الذين أمنوا بربهم، ليكون جزاء كل ذلك، رصاصة بالقلب تخترق ايضا رئته، فيستشهد.
هذه حكاية الشهيد الفتى عبد الله لؤي غيث (16 عام) من بيت لحم، والتي قبلته امه وودعته قبل خروجه من منزله لتادية صلاة الجمعة في المسجد الاقصى في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان الكريم، وما علمت انه الوداع الاخير لفتاها الجميل الذي احبته حبا جما، وما اصعب فراق المحبين.
تزامن استشهاد الفتى عبد الله مع استشهاد الشاب يوسف وجيه من قرية عبوين الذي لم يقدر على رؤية مستوطنين في القدس فقام بطعن اثنين منهم، ومن ثم يستشهد.
كل جريمة الفتى الشهيد عبد الله انه قام وصلى الفجر ومن ثم نوى التوجه للمسجد الاقصى المبارك لتادية صلاة الجمعه الاخيرة من شهر رمضان الكريم، واحياء ليلة القدر، الا انه لم يدر بخلده ان تلاحقه رصاصات حاقدة لمجرد نيته ومحاولته الذهاب للمسجد الاقصى المبارك كبقية المصلين.
والشجرة الطيبة لا تنبت الا ثمرا طيبا، فالشهيد الفتى عبد الله هو نجل الأسير المحرر لؤي غيث الذي قضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال "الإسرائيلي"، وكانت رصاصة كلها حقد واجرام وجهت له ليقتل بدم بارد قرب مدينة بيت لحم عندما حاول الدخول إلى مدينة القدس لأداء صلاة الجمعة في الأقصى.
كل ما اراده الفتى الشهيد هي الصلاة، فالشهيد من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، وقطع مسافات طويلة، وحواجز "إسرائيلية" كثيرة للوصول إلى الأقصى، إلا أن جنود الاحتلال كانوا بالمرصاد قرب قرية دار صلاح ببيت لحم، وأردوه شهيدًا ليرتقي للعلا.
الفتى الشهيد كان يحضّر للذهاب إلى الأقصى لاداء صلاة الجمعة، ولإحياء ليلة القدر، فهل هذا يعتبر جريمة حتى تخترقه رصاصه حاقدة وتسلبه روحه الطاهرة!
واتركك ايها القارئ مع كلمات وعبارات اوجعت قلوبنا، وهي قول ابيه فوق جثته الطاهرة:"أريد أن أسأل لماذا أطلقوا الرصاص على ابني، المكان لم يشهد مواجهات ولا أي شيء، فتى لم يكمل عامه الـ16، ما ذنبه؟ لأنه فلسطيني فقط، أحتسبه عند الله شهيدا، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
واستدرك: "أنا في صدمة؛ لا أصدق أن عبد الله لن يكون بيننا بعد اليوم، الساعات المقبلة ستكون الأصعب عليّ في حياتي عندما أدخل المنزل ولا أراه، عندما أدخل غرفته وأرى ملابسه وكتبه ومكان نومه".
وفي ساحة مستشفى بيت جالا، وقبل أن يتم نقله إلى مسقط رأسه في الخليل، اقترب الوالد من زوجته، وقال لها: "اصبري، بعد اليوم لن يكون عبد الله بيننا. افرحي فابنك شهيد، الحمد لله، أمنّاه عند رب العالمين".
بقلم/ د. خالد معالي