صحيح أن الإدارة الأمريكية تمتلك من عوامل الضغط ما لم تمتلكه دولة أخرى ، بحكم سطوتها وهيمنتها وقدراتها وإمكانياتها المتعددة . ولكن الصحيح أيضاً أن " صفقة القرن " تواجه من التحديات ما يجعلها تتعثر ولن تجد طريقها للتطبيق . وإلاّ ما معنى أن يتم تأجيل الإعلان عنها مرات عديدة ، وحتى هناك تشكك في أن يتم الإعلان عنها خلال شهر حزيران القادم . وهذه التحديات تتلخص بالآتي :-
1. قضايا ما سمي بالحل النهائي حول الحدود واللاجئين والقدس والمياه والسلاح ، ستكون معضلة جدية في وجه تطبيق الصفقة ، ولن تتمكن الإدارة من إيجاد حلول لها على الرغم من قيام الكيان بمحاولات عملية وحثيثة لفرض الحلول لها بالأمر الواقع
2. ملفات تتعلق بالغاز والنفط وتعارض مصالح الدول الإقليمية والدولية حولها ، والتي كانت ولا زالت الحرائق والحروب تنتقل من مكان إلى أخر بسببها . لذلك نشاهد أن الكثير من هذه الدول يعلن علناً عدم موافقته على " صفقة القرن " ، ومن السياسات الأمريكية في المنطقة بل والعالم ، وبعضها الأخر غير راضي عن الصفقة وإن لم يجاهروا بذلك
3. من يقفون خلف الصفقة ويعملون عليها يعانون من أزمات ومآزق حادة داخل بلدانهم وخارجها . فالرئيس الأمريكي ترامب صاحب الصفقة ، وما يواجه من حملة تشكك في أهليته قيادة وإدارة البيت الأبيض ، وما يُحضر له من إجراءات لعزله أو لمنعه من الفوز مرة جديدة في الانتخابات القادمة العام 2020 ، وبالتالي اتهامه وإدارته أن يقودون الولايات المتحدة إلى حافة الهاوية في علاقاتهم مع دول العالم ، وتحديداً الصين وروسيا وإيران وفنزويلا . ونتنياهو ، وعلى الرغم من فوزه بانتخابات الكنيست الأخيرة ، إلاّ أنه فشل في تشكيل ائتلاف حكومي ، الأمر الذي قاد إلى اعادة الانتخابات في أيلول القادم . ناهينا عن ملف الفساد الذي يتراكم بوجه ككرة الثلج ، وقد يقوده إلى المحاكمة ومن ثم السجن . أما من يصطف من عربان النظم الرجعية فليست حالها بأفضل وتحديداً السعودية التي غرقت في الوحول اليمنية . وهي التي كانت تعول عليها الإدارة الأمريكية ، وعلى ولي عهدها محمد بن سلمان الغارق في فضيحة مقتل جمال الخاشقجي ، الأمر الذي أدى إلى هز صورته لدى الكثير من الدول في العالم وخاصة الحليفة والصديقة للسعودية
4. الموقف الأردني الذي لا يزال رافض لتلك الصفقة ، رغم ما يُمارس عليه من ضغوط وإغراءات . لأنه المتضرر المباشر إلى جانب الشعب الفلسطيني من تلك الصفقة ، التي قد تقود إلى اندثار المملكة والعائلة الحاكمة هناك
5. بعد ثماني سنوات من حرب ظالمة وممنهجة ضد سوريا ومحور المقاومة ، هذا المحور آخذ بإثبات نفسه كقوة تقلق " إسرائيل " بشكل جدي ، وليس بعيد عن الكيان ، أيضاً محور المقاومة يقلق المطبعين معه من نظم رجعية ، وما تشهده الخلافات الخليجية الخليجية ، ومن ثم الغرق السعودي الإماراتي في اليمن . وتنامي قدرات هذا المحور في فلسطين ولبنان وسوريا وإيران واليمن ، سيشكل العقدة التي تبحث عن حلها الإدارة الأمريكية ، وما التصعيد الذي نشهده ضد إيران في هذه المرحلة أساسه العمل على تخويفها والتهويل عليها من أجل ضمان شراء صمتها وحياديتها إزاء صفقة القرن ، وهذا من المؤكد لن يجدي نفعاً مع إيران وقيادتها
6. ما تشهده المنطقة من تحولات ، ساهمت في تصدع المنظومات الأمنية لدى العديد من الدول ، نتيجة ضعف دولها ، مما مكنّ في انتشار التنظيمات الإرهابية وخصوصاً التكفيرية منها ، بمساعدة مباشرة من الإدارة الأمريكية وحلفائها وأدواتها . وهذا البعبع اليوم تحول إلى عبء ثقيل على تلك الدول الراعية لها . مضافاً لذلك ما تشهده المنطقة أيضاً من استقطابات وتحالفات تزيد من حدة التوترات خصوصاً مع إيران من جهة ، وتركيا من جهة أخرى وإن اختلفت الأسباب التي تقف خلف العداء لهما . الأمر الذي لن يساعد على تمرير صفقة القرن على عكس ما يعتقده أصحاب الصفقة والعاملين عليها
7. الموقف الفلسطيني الرافض لتلك الصفقة جملة وتفصيلاً ، والتي شكلت نقطة إجماع فلسطيني بين كل مكوناته ، على الرغم مما تعانيه الساحة الفلسطينية من انقسام نتمنى الشفاء منه . هذا الموقف يمثل تحدياً جدياً في مواجهة الصفقة ، والمواكب بموقف شعبي يعبر عن نفسه في مسيرات العودة ونضالات شعبنا ونشطاءه في الضفة الغربية والقدس ، والعمليات البطولية التي تشهدها العديد من مناطق الضفة
بقلم/ رامز مصطفى