الغرابة هي ادعائنا اننا متفاجؤون و الأغرب من ذلك اننا محتجون و نطلق الادانات و نشجب و نرفض و نستنكر ، اعتقد تلك المصطلحات التي بنت عليها اسرائيل كل برنامجها الاستيطاني في ظل اطروحات سياسية عقيمة عفى الدهر عليها شرب و لم تعد تناسب تلك المرحلة او المراحل السابقة بل نحن نتمادى في جمودنا و نتمادى في ان برنامجنا هو الصحيح الذي لا يقبل التغيير و هو ما يساوي ما انزل من كلم حاشى لله !
صانعي السياسة الفلسطينية تمادوا في غيهم السياسي و تشبثهم بوجهة نظرهم دون الرجوع لنخب ذات فكر وطني مجرد او الرجوع الي مرجعيات وطنية ذات علم بالأزمات و الصراعات و التي لها قدرة استنباطية و استقرائية لمعرفة الماضي بتجاربة وبرامجه و مقارنته بالحاضر و استقراء ما يمكن ان يحدث من متغير جديد في حلبة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي و حلبة الصراع الاقليمي و الدولي ذات الصلة و ذات العلاقة .
كنت احد الذين كتبوا في صفقة القرن عدة مقالات تلك المقالات ليس رافضة كمن رفض غيري وادان بتلك الممصطلحات بل كنت مرتبطة بمعلومات عن الماضي التي اعطت مؤشرات للحاضر و للمستقبل و ماذا سيكون و الى اين سيؤول هذا الصراع على الاقل في هذه الحقبة من الزمن و النتائج الجغرافية و الديموغرافية التي يمكن ان تنتجها عقم السياسة الفلسطينية و المتغير الاقليمي الخطر الذي انتجه الصراع و المتغير الدولي الذي فرضته القوى الصهيونية لى النظام الدولي و امريكا بالتحديد .
لم استغرب ما شاع عن خطة امريكية سميت صفقة القرن في حين ان الادارة الامريكية لم تسميها بهذا الاسم بل من فرضت تسميتها وسائط عربية بل مازالت الادارة الامريكية تتحدث عن خطة للسلام فحواها الامن والتنمية طريقا للسلام .
يبدو ان المتفاجؤون يقفزون عن الحقائق و يقفزون عن الماضي ويقفزون عن السلوك الاسرائيلي و التجربة الصهيونية ويقفزون ايضا عن مفهوم الامن القومي للدول العظمى التي هي اسرائيل احد ركائزه لامريكا و غير امريكا يقفزون عن منطقة فراغ و هي المنطقة العربية التي تتصارع عليها عدة حضارات و امبراطوريات سابقة فهم مساكين متفاجؤون و مرعوبون من خطة اسمها صفقة القرن ، عم اعمياء البصر و البصيرة و الا لو كان لديهم اي بينة من ذكاء او احساس بعظم المسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني و القضية الفلسطينية والارض المسلوبة و الحبيسة ايضا لما سلكوا دروب اوصلتنا الى هذه المقادير من التعاسة و الغثيان و اوصلت غيرنا الى محطات هامة في برامجهم الاستيطانية و التهويدية .
يبدو ان هؤلاء لا يفهموا في رسم الخرائط سياسة الامر الواقع و تطبيقاته فكثير من الدول بنيت على هذه النظرية اي الاعتراف بالامر الواقع و البناء عليها و من احدى تلك الدول ما يسمى اسرائيل التي لم تحدد خارطتها الجغرافية الى الان ، السياسة الامريكية و من يصرخون الان من الرئيس ترامب لا تختلف كثيرا عن سابقتها فهي سياسة كرست الامر الواقع على الارض الفلسطينية و منذ انشاء ما يسمى دولة اسرائيل و اعتراف الامم لامتحدة بها ووضع باقي القرارات الدولية الخاصة بكيانية فلسطينية في مكتبة و ارشيف التاريخ بدون ربطها بوقائع الحاضر و خرائطة ، لم يفهموا هؤلاء ان الواقع يحتاج القوة و بين القوة و الضعف تحدد المواقف و طبيعة الاشياء في عالم متحرك تقوده المصالح و عاملها الاساسي الاقتصاد و اهمية تلك المنطقة في عالم الخامات و الاستهلاك ، هكذا هي الامور و هكذا تقاس و هكذا يمكن ان تبني القيادات الناضجة الفاهمة و المتفهمة للظروف برامجها لتصنع عامل قوة لينتج عامل واقع جديد تحدد مقاييسه و امتاره و مقاديره الزمنية و التقديرية بناءا ما بين القوة و الضعف ، و للأسف هو ما يحدث اليوم بعيد عن كل تلك المقاييس التي اوصلتنا بين التهريج و التسحيج و لنفاق و التملق الى ان دب الفساد كل الاركان فلا قوة ولا مقدار ولا حسابات لعامل الزمن فكل شيء على ما يرام بالنسبة لاسرائيل و امريكا .
صفقة القرن لسنا بحاجة لانتظارها فعامل ضعفنا عبر عقود و خروجنا عن ما كان يجب ان يكون هو بحد ذاته بنود صفقة القرن ، صفقة القرن اسما لكي يغوص سيكولوجيا في عمق التعاسة الفلسطينية و الاقليمية ايضا لكي يقول ان هذا هو الواقع فاقبلوا به ، فهل لديكم متغير يستطيع ان يغير هذا الواقع ؟!
بالتأكيد لا .
اذا لماذا تصرخون الان و تشجبون و تدينون و تعقدون ندوى هنا و هناك هل يغير هذا شيئا ؟ هل هناك شيئا ملموسا لاحداث متغير يصنع قوة ؟ لكي نستطيع ان نقول ان السياسة الدولية و الاقليمية ستضع على طاولتها اكثر من عامل قوة و اكثر من متغير و اكثر من طرف يصنع هذه القوة و هذا المتغير لكي نقول حققنا نصف القرن او ربع القرن او خمس القرن و لكن للاسف يبدو ان القرن بالكامل قد خرج عن خريطتنا وعن قوانا ، لا اتحدث هنا عن انقسام فالعملية تراكمية و تراكبية فالانقسام لم يغادر بيتنا من قبل النكبة وان اختلف الوجه و الادوات وللاسف مازلنا ندرس ابناءنا و اجيالنا التي ممكن ان تصنع مربعات القوة ثقافة الانقسام و ثقافة التملك و يقافة الحاجة و اخلاقياتها و انضباطياتها .
لماذا تحتجون على تصريح السفير الامريكي الصهيوني في تل ابيب فريد مان عندما قال ان لاسرائيل الحق في ضم جزء كبير من الضفة علما بأن السفير فريدمان ليس هو المقرر بل هناك مراكز دراسات استيراتيجية و دوائر القرار الامريكي بحزبيها الديمقراطي و الجمهوري ومؤسساتها الامنية الاقتصادية و لكن نحن نتعلق بشعره و نرمي اعباؤنا و مشاكلنا و ازماتنا و تعليلاتنا و تبريراتنا و نرجع المسبب لفرد باسمه او بتسميته ، كم نحن سذج او اغبياء او ندعي اننا معارضون و كأننا لا نفهم ما يدور في الواقع .
هؤلاء المستنكرون الم يرو الاستيطان قد تمدد ووصل حجمه الى مليون مستوطن الم ينظرون فعليا الى المعطيات التي ادت الى اعادة الانتشار في غزة و ان كانت المقاومة قد غيرت كثيرا من جدولة البرنامج الاسرائيلي و لكن هؤلاء الذين يستنكرون الان ويقولون لا و يصفون الرئيس الامريكي ترامب بأنه كلب ابن كلب فعلا شيئا مضحك و عجيب و تختلط فيه الحاجة الشعورية بين الضحك و البكاء في تراجيديا مؤلمة لو صيغت في فيلم انساني لحازلت على جائزة الاوسكار لفيلم بين الاذكياء و الاغبياء يجمعهما معا ، يا سادة ماذا يعني المنطقة سي في اتفاق اوسلو و ماذا تعني منطقة بي و ماذا تعني منطقة ايه فالدبلوماسية و السياسة لا ثوابت بل هناك ذكاء و ميكافيلية التفكير و قد حققت اسرائيل ما تريد ، اليست تلك التقسيمات هي تدل على التدرج الزمني و النضوج الوقتي لعملية الضم المرتبط بالاستيطان ، اليست المشاريع الاستراتيجية على البحر الميت هي تعني الاستيطان اليس الاستيلاء على الاثار و على المياه تعني الضم وضم كل ما سبق و تحييد المدن ذت الكثافة السكانية لقذفها اينما كان بحسابات امنية دقيقة سواء حكم ذاتي اداري محدود مطوق امنيا بقواه الذاتية لروابط مدن تحدثت عنها منذ ثلاثة سنوات ، اليس اشرف الجعبري من بسق في وجوهكم و اعلن صراحة عن خروجه عن تعاسة تفكيركم و ليرمي حقيقتكم في عمق تصفاته المطالبة بضم غالبية الضفة و الشراكة الاقتصادية و السياسية نحو كيانية واحدة مع اسرائيل ، هناك كلام كثير يمكن ان يقال و سيقال
ولكن ماذا فعلتم الان ، فالولولة على الماضي لا تفيد و كل مصطلحاتكم العقيمة لا تفيد ولا يوجد شيء اسمه صفقة قرن في وقائع على الارض فرضت منذ زمن و فقط هو المطلوب الاعلان عنها دوليا اما على الارض فكل شيء على ما يرام بالنسبة لاسرائيل و امام اعينكم ، فكم من مسطحات لات عني شيئا سوى خداعا للبصر اما الحقيقة فشي اخر .
سميح خلف