على الرغم من عدم الإعلان الرسمي بعد عن ماهية "صفقة القرن" التي أعدّتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أن أهدافها الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية باتت واضحة، خصوصاً بعد إعلانات ترامب المتتالية، من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والجولان أرض خاضعة للسيادة الإسرائيلية، وإعلانه الحرب على اللاجئين والأسرى والشهداء والجرحى، إضافة إلى إعلانه المرتقب بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية.
إذا ما أردنا البحث في المناحي الإيجابية لهذه الصفقة، فإنها بلا شك قد أعادت القضية الفلسطينية مجدّداً إلى المقدمة، بعدما تراجعت خلال الأعوام الماضية إلى المقاعد الخلفية في الاهتمامات العربية، بفعل الأحداث الكثيرة والثورات والثورات المضادة والحروب القائمة في المنطقة. كما أعادت هذه الصفقة التأكيد على أن فلسطين والقدس لا تزال أولوية بالنسبة إلى الجماهير العربية والإسلامية التي خرجت بمئات الألوف في عواصم العالم، تنديداً بالإعلان الأميركي المشؤوم فيما يخص القدس.
ضربت إعلانات ترامب المتتالية والممهدة لـ "صفقة القرن" عامل الزمن في مقتل ؛ هذا العامل الذي راهن عليه الاحتلال الإسرائيلي طويلاً. حيث تنصّلت "إسرائيل" من اتفاق أوسلو عام 1993 ومن كل الاتفاقيات الموقعة بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية خلال العقود اللاحقة، مستغلةً بقاء الوطن العربي على الحال التي هو فيها. وهكذا بقت "إسرائيل" تحاول التملص من عملية التسوية، بتحايلها على الجغرافيا والديمغرافيا، وعلى العالم، وعلى الزمن، حتى جاء وعد ترامب!. إذ وفرّت سياسة ترامب على القيادة الفلسطينية، الكثير من المد والجزر في محادثات ومفاوضات طويلة الأمد لا تُسمن ولا تغني من جوع، وأخرجت القيادة الفلسطينية من مربع المناورة، إلى مربع الحسم متمسكةً فيه باللاءات الخمس ( لا عاصمة لفلسطين إلا القدس.. لا مساس بالشهداء والأسرى والجرحى.. لا دولة دون غزة، ولا دولة في غزة.. لا لصفقة العار).
ما زال الضبع الأمريكي ومن معه من خفافيش الظلام يفترضون فرضيات هلامية لها علاقة بما يُسمى بـ "صفقة القرن" يمكن تنفيذها. ولأن صفقة القرن تُطبخ بعيداً عن أصحاب الشأن، ترى أصحاب الاسترضاء من العرب على وجه التحديد يتكاثرون ويتنافسون لغرض المحافظة على مصالحهم الاقتصادية.
يُنتظر مع ورشة "صفقة القرن" المزمع عقدها في 25 و26 يونيو/ حزيران المقبل في البحرين، أن تنقشع الغيوم أكثر حول ماهية الصفقة وتفاصيلها ومآلاتها، وأكاد أجزم أن الفلسطينيين أكثر المتلهفين لإعلان "صفقة القرن" لإيجابيتها الأخرى المتمثلة في كشف المستور وإماطة اللثام عن مدّعي العروبة والوطنية. ولن يكون بعدها أي هامش لأولئك المتخاذلين المستترين من المناورة، وسيكون يوم إعلان "صفقة القرن" بمثابة الإعلان عن بدء العد التنازلي لسقوطهم وإبادتهم.
في الختام، يمكن القول أن هذه الايجابيات توفر المناخ المناسب لإنجاز المصالحة الفلسطينية، وتحقيق الوحدة الوطنية. وعليه يبقى السؤال الحاضر: إن لم توحدنا "صفقة القرن" فماذا يوحدنا؟ .. أم لا يرى فيها البعض أنها تهديد وجودي؟!.
بقلم/ فادي أبوبكر
كاتب وباحث فلسطيني