ماذا لو ارتدينا قبّعة صانع القرار في تل أبيب، وفكّرنا في حصر كافة الخيارات للتعاطي مع ملف غزة..؟ وبناءً عليه تبدأ فصائل المقاومة المناورة على قاعدة القدرة على توظيف المكسب والخسارة في الصالح الوطني العام.
هنا لابد من الوقوف عند أهمية قطاع غزة بالنسبة لإسرائيل، فهذه المنطقة الجغرافية التي تبلغ مساحتها 360كم2، ويسكنها 2 مليون ونيف نسمة، وتطل على ساحل شرق المتوسط وهي منطقة تعوم على الغاز الطبيعي، وحدودها مع سيناء المصرية ما يقارب 14 كم، بينما حدودها مع دولة الاحتلال 40 كلم تقريباً.
هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وصت معدلات الفقر فيها إلى أكثر من 53% لعام 2017م حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهذه النسبة في ارتفاع لا سيما بعد الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، ومؤشرات البطالة هي الأعلى لا سيما بين الشباب، وهو ما يترتب عليه حالة من الإحباط تسود بين الأوساط الشبابية.
صانع القرار في إسرائيل يراقب حركة النملة في قطاع غزة، في ظل حكم حركة حماس التي بوجود حكمها تطورت البنى العسكرية لفصائل المقاومة، وهو ما يشكل تهديداً كبيراً على إسرائيل.
وفق ما سبق وغيرها يبقى السؤال ما هي خيارات إسرائيل للتعاطي مع قطاع غزة...؟
أولاً: خيار التحكم عن بعد.
أعادت إسرائيل انتشارها في قطاع غزة عام 2005م، ولم تنسحب منه كما تدعي، أو كما يحاول أن يوصفها البعض، وربما جوهر خطة فك الارتباط التي قام على تنفيذها أرئيل شارون هو التخلص من عبء الكتلة الديموغرافية في قطاع غزة، وتركها تلقى مصيرها، والتحكم عن بعد في مداخل ومخارج قطاع غزة، وهذا السيناريو هو الأقل كلفة بالنسبة لإسرائيل، وهو ما تعمل عليه الآن: تفتح المعابر متى شاءت وتغلقها متى تشاء، وهذا السلوك ينطبق على كل شيء بما يرسخ معادلة الهدوء مقابل الهدوء، مع استمرار الحصار والانقسام الذي يمس بجوهر الوعي الجمعي ويدفعه نحو الهجرة أو التدجين أو الهزيمة الداخلية عند البعض.
لا أحد يختلف أن الحصار هو الوجه الآخر للحرب، أي الحرب الناعمة غير المكلفة بالنسبة له، ومن وجهة نظري هو أخطر من الحرب المسلحة، لأنه يستهدف كل شيء حي في غزة، ويهتك في عضد المناعة لدى المواطن الفلسطيني.
بالمناسبة تطبّق إسرائيل هذا التوجه مع الضفة الغربية، وحالة الاحباط لم تعد غزاوية، بل بات الجميع يدرك أن مشروعي المقاومة والتسوية مستهدفان عند إسرائيل، كونهما يمثلان مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني الذي يقوم على العودة والتحرير ولتحقيقهما نحن بحاجة للتفاوض والمقاومة بكل أشكالها.
ثانياً: خيار الضربات العسكرية.
بالإضافة إلى خيار التحكم عن بعد تعمل إسرائيل ضمن مبدأ حرب الاستنزاف، وهي تهدف من الجولات القتالية تحقيق ثلاثة أهداف:
- المساس بفصائل المقاومة واستنزافها مالياً وعسكرياً.
- المساس بالحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال المساس بالمدنيين في بعض المواجهات العسكرية.
- توحيد المجتمع الإسرائيلي الذي يتوحد على الدم العربي، في ظل التباينات والتناقضات التي تهدد وحدة تركيبته المجتمعية.
ثالثاً: خيار الاحتواء والجزرة.
هناك أصوات داخل إسرائيل تتبنى هذا الخيار، وجوهره رفع كامل للحصار والسماح للغزيين بأن يكون لهم ميناء ومطار وتنمية، وبذلك تصبح المقاومة تمتلك مقدرات تدفعها لعدم الدخول في حرب خشية من المساس فيها.
محاذير هذا الخيار بالنسبة لصانع القرار في إسرائيل هو أنه سيعزز لدى الوعي الجمعي الفلسطيني بأن المقاومة انتصرت وأنه بالقوة ممكن تحقيق النتائج، وانعكاس ذلك سلباً على مستقبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ودورها الأمني الوظيفي.
رابعاً: خيار اعادة احتلال غزة.
بعض أقطاب اليمين يكررون الحديث عن ضرورة احتلال قطاع غزة، وهو ما يرفضه الكثيرون، انطلاقاً من أن هذا الخيار ممكن أن نسميه الخيار الأسود بالنسبة لإسرائيل، فالاحتلال يعني تحمل مسئولية قطاع غزة، وربما ترى إسرائيل نفسها مضطرة للتعاطي مع سيناريو ضم قطاع غزة لإسرائيل، ويضعف هذا الخيار الإجابة على التساؤلات التالية:
- هل تحتمل إسرائيل فاتورة الخسائر البشرية في الطرفين؟
- من سيحكم قطاع غزة بعد حماس؟
- ماذا بعد احتلال قطاع غزة التي انسحبت إسرائيل منه عام 2005م، وأقر الكنيست قانون القومية الذي يهدف للتخلص من غير اليهود في الداخل الفلسطيني المحتل.
خامساً: خيار دفع غزة باتجاه الحكم المصري.
هناك تسريبات تتحدث أن صفقة القرن تؤسس لدولة غزة على حساب سيناء، ولكن إسرائيل الخيار الأمثل بالنسبة لها يتمثل في رمي غزة تحت الإشراف المصري، وأجزم أن هذا التوجه ترفضه مصر وفلسطين على حد سواء.
الخلاصة: في ضوء الخيارات السابقة، وغيرها من الخيارات بات من الضروري البحث في التعاطي مع الخيارات السابقة على النحو التالي:
- وحدة الموقف الفلسطيني في هذا التوقيت بالذات ضرورة تقتضيها المصلحة الوطنية العليا، بعيداً عن كل التحديات التي تعترض تحقيقها.
- توحيد جهود الشعب الفلسطيني وعدم السماح لإسرائيل في التعاطي مع غزة والضفة والقدس وفلسطينيو 1948م كملفات منفصلة ومستقلة، ينبغي أن تتوحد الجبهات والأدوات في كافة أماكن التواجد الفلسطيني ومن يناصر العدالة الدولية.
- زيادة فاتورة الاحتلال عبر تكثيف مسيرات العودة السلمية في مناطق التماس مع الاحتلال، مع ضرورة استثمار التفاهمات أمام العالم للتأكيد على أن إسرائيل هي من تدفع المنطقة نحو الانفجار.
- ضرورة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية مع الدعوة لعقد الإطار القيادي المؤقت بما يعزز من صدارة جهة واحدة تمثل الكل الوطني في مواجهة التحديات.
- التفكير الجاد في دراسة خيار الدولة الواحدة الديمقراطية بعد تآكل حل الدولتين.
- عين إسرائيل على سواحل شرق المتوسط حيث الغاز وعليه ينبغي أن تكون عين المقاومة والقيادة الفلسطينية في الدفاع عن موارد الشعب الفلسطيني بكل الوسائل والسبل.
- يجب أن لا نبحث عن خيار المواجهة العسكرية ولكن في نفس الوقت لا نخشاها، وعليه لابد من تدمير نظرية الهدوء مقابل الهدوء.
- التقاضي الدولي مسألة بالغة الأهمية ينبغي دراستها لمواجهة الحصار والجرائم الصهيونية ضد شعبنا الفلسطيني.
- لابد من استثمار الدور الصيني الجديد بعد مبادرة الحزام والطريق وتوجهات الصين الجديدة في المنطقة، وكذلك الدور الروسي وغيره من الدول الصديقة للشعب الفلسطيني.
- تستطيع وحدات التفكير دراسة كافة الخيارات الإسرائيلية في التعاطي مع غزة، ووضع الرؤى في كيفية تمرير وتعزيز الخيار الذي يخدم المصالح الوطنية العليا وهو يستوجب صياغة استراتيجية وطنية تنسجم وطبيعة المتغيرات والتحديات.
بقلم/ د. حسام الدجني