بدايات العام 1974، أثارت حركة فريق دبلوماسي سياسي فلسطيني يتبع مباشرة الرئيس الراحل ياسر عرفات، جدلاً كبيراً في الساحة الفلسطينية التي انقسمت على ذاتها بشأن مشروع البرنامج المرحلي (برنامج النقاط العشرة)، بالرغم من توافق الجميع على اقرار البرنامج بعد تعديلات جرت في دورة المجلس الوطني الــ 12 في أيار/مايو 1974.
احدى نقاط البرنامج المرحلي، تحدثت عن امكانية الحوار مع "قوى الديمقراطية والسلام في اسرائيل" وخاصة منها حزب راكاح "الحزب الشيوعي الإسرائيلي" وهو حزب "إسرائيلي" غالبية أعضاءه من أبناء الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، الذين وجدوا فيه ملاذاً لهم لإطلاق مواقفهم، الى حين ظهور الأحزاب القومية العربية. وراكاح يُشكّل في الحقيقية الصيغة المعدلة اسمياً، ففي جذوره هو الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي تأسس عام 1919، لكنه حمل الإسم الأخير بعد نكبة العام 1948 (يمكن مراجعة كتابنا عن تاريخ هذا الحزب والمعنون بــ دفاتر فلسطينية، القومي واليساري، مسار ومصائر).
الدكتور عصام السرطاوي، كان من الفريق الفلسطيني المكلف بقيادة عملية الحوار مع تلك القوى التي أشارت اليها قرارات المجلس الوطني وبرنامج النقاط العشرة عام 1974، وذلك بحكم ثقافته العالية، وخبرته السياسية، وطلاقته في استخدام اللغتين الإنكليزية والفرنسية، فواصل نشاطه على هذا الصعيد بتوجيه من القيادة الفلسطينية، وقد تم ترتيب أول لقاء علني في العاصمة التشيكية براغ نهاية العام 1974 بين وفد من منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشهيد ماجد ابو شرار، وعضوية عربي عواد، وعصام عبد اللطيف، وعبد الله الحوراني ... ووفد من "الحزب الشيوعي الإسرائيلي" (راكاح) برائاسة الأمين العام الأسبق ماير فلنر، وعضوية توفيق زيّاد، وتوفيق طوبي، وعلي عاشور، وعوزي برونشتاين...
واللقاء العلني الأخر، تم في تونس بدايات العام 1983 بعد الخروج الفلسطيني المسلح من بيروت، بحضور الرئيس الشهيد ياسر عرفات وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح في حينها محمود عباس، والشهيد الدكتور عصام السرطاوي، وشارك من الطرف الأخر : ماتياهو بيليد، اوري الياف، جاكوب ارنون، يوري أفنيري ..
لكنه دفع في نهاية الأمر حياته برصاصات غادرة أطلق عليها عضو في تنظيم فلسطيني متطرف، تبنى سياسة الإغتيالات، ولم يمارس دوراً ملحوظاً في مقارعة العدو الأساسي.
وفي هذا السياق، نُشير بأن الشهيد جراح القلب وخريج الجامعات الأمريكية عام 1964 الدكتور عصام السرطاوي، اسس تنظيماً فلسطينياً بداية العام 1968 أسماه "الهيئة العاملة لتحرير فلسطين"، وبدأ مسيرته السياسية متبنياً العمليات خارجية من نمط خطف الطائرات كخطف طائرة "إسرائيلية" أثناء إقلاعها من مطار زيوريخ، وثانية من مطار أثينا عام 1968. لكنه "تطور" في رؤيته نحو القبول بمبدأ التعايش على أرض فلسطين التاريخية. وشاركه في تأسيس الهيئة العاملة كل من محمد الحديدي، محمد الحنفي، صالح عبد الرحمن، وليم جورج، هادي حسني، عبد الغني عبد الحي … واندمجت إطاراته بحركة فتح في الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت عام 1969، وأصبح الشهيد السرطاوي في حينها عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح، ومعنياً بالإتصالات الخارجية التي كانت تجريها حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية مع قوى السلام اليهودية التي تؤيد إقامة دولة فلسطينية إلى حين إغتياله في لشبونه/البرتغال في 10/4/1983. الشهيد الدكتور عصام السرطاوي عاش واستشهد مدافعاً قوياً عن قضيته وعدالتها، وصاحب رؤية خاصة نابعة من تحليله للواقع القائم وموازين القوى. وكان شقيقه المهندس عمر السرطاوي قد استشهد عام 1968 أثناء قصف الطيران "الإسرائيلي" لمواقع حركة فتح قرب مدينة السلط الأردنية.
ومن الطريف أن الشهيد الدكتور عصام السرطاوي إعتاد لبس الكوفية الفلسطينية طوال الحقبة الأردنية من مسيرة العمل الفدائي. وعند توحد الهيئة العاملة مع حركة فتح، خرج السرطاوي من إجتماعات المجلس الوطني ليبلغ الصحفيين أنه : "دخل المجلس الوطني هيئة عاملة وخرج حركة فتح".
تعرفت اليه، عن قرب في الدورة الــ 13 للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت بدمشق عام 1979، مبنى اتحاد نقابات العمال. وجلست معه عدة جلسات تم فيها تناول الموضوع المتعلق بالإتصال مع تلك القوى وخاصة حزب راكاح، وكان يشاركه الشهيد نعيم خضر ممثل فلسطين في بلجيكا، والشهيد عز الدين القلق ممثل فلسطين في باريس .. واخرين.
بقلم/ علي بدوان