خطة جديدة للجيش الإسرائيلي لمواجهة حزب الله وحماس

حينما عُيّن الجنرال أفيف كوخافي قبل شهور قائداً لجيش الاحتلال تم تسويقه كفنان يرسم ويعزف بيانو ومفكر ونباتي أيضاً لكن الخطة الإستراتيجية التي أعدّها وكشف عنها أمس تظهر أنه بعيد كل البعد عن هذه الصفات. ويستدل من هذه الخطة التي كشفت عنها صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن كوخافي يقود نحو "تدمير كامل للعدو" وأنه يقدر نجاح الوحدات العسكرية المختلفة بعدد القتلى والجرحى لدى العدو لجانب كمية العتاد والسلاح التي يتم تدميرها.
وتقتضي خطة كوخافي بوقف العمليات العسكرية الطويلة التي تستنزف العدو وكسب الوقت وردع العدو وانتظار تسويات سياسية إنما تقوم على "الضربة القاضية". ويعني ذلك الانتصار على العدو بالجولة الأولى من المجابهة بالتصفية الفظة وبوقت قصير والتسبب بمئات القتلى في صفوفه في كل يوم حتى تكون بذلك نتيجة الحرب واضحة لكل الأطراف. وحسب الخطة المنشورة في الصحيفة الإسرائيلية فإن يتعين على كل وحدة عسكرية تخترق خطوط التماس أن تقدم إنجازات ملموسة أقلها تدمير أكثر من 50 في المئة من قوات العدو سواء في لبنان أو غزة.
وتوضح "يديعوت أحرونوت" أن كوخافي يلغي أو يعدل خطط عملياتية كان قد بلورها بنفسه مقابل حزب الله حينما كان قائد لواء الشمال. وتتابع "أما نقطة ضعف الخطة فتكمن بالتماس بين الجيش وبين الحكومة التي ستضطر لمضاعفة الميزانية والتسليم برؤية قتالية جديدة ومغايرة لكن الخطة ستتأثر بهوية من سيشكل الحكومة القادمة".
وضمن قرائته لهذه الخطة يوضح محرر الشؤون العسكرية في الصحيفة أليكس فيشمان "إن كوخافي يقول عملياً في رؤيته الجديدة للمستوى السياسي: الاعتبارات السياسية كالسؤال هل نحافظ على حكم حركة حماس أو لا، وينبغي أن تمتحن حتى اللحظة التي يتم فيها إصدار التعليمات للجيش بالانطلاق. أما تدخل الحكومة خلال العملية العسكرية وإعاقة تسلسل عمليات تدمير العدو فسيلحق ضرراً بالخطة العسكرية وتفقدها جدواها لأن استكمال المهمة مشروطة بتشغيل قوة دائمة على مدار وقت محدد. بدون ذلك فإن المكسب المراد، تدمير جوهر قوة العدو لن يتحقق وفي هذه الحالة سيتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر ولن يحقق نصراً واضحاً".

عمليات ما بين الحروب

ويقول فيشمان "إن ذلك يعني بكلمات أخرى إنه منذ أن تصدر الحكومة أوامر فتح النار عليها أن لا تزعج وتعطي الجيش فرصة للعمل. مع نهاية الحرب وعندما تدرك حماس أنها بحاجة لاستجماع قواها العسكرية من جديد سيكون أسهل اتخاذ قرار هل لإسرائيل مصلحة أن تبقى الحركة في الحكم".
من ناحية كوخافي هناك حاجة أقل لرافعات وضغوط اقتصادية ودبلوماسية من أجل بلوغ الحسم وهو يطرح معادلة مختلفة بين الهجمات عن بعد وبين الاجتياح البري الذي تحاشته إسرائيل حتى الآن خوفاً من قتل عدد كبير من جنودها. ويوضح فيشمان أن المستوى السياسي سيواجه مشكلة في منح الجيش مثل هذا الالتزام.
وتوضح "يديعوت أحرونوت" أن قائد جيش الاحتلال عقد اجتماعا لهيئة الأركان يوم الإثنين الماضي وطرح أمامهم خطته الجديدة التي يعد لها أن تدخل حيز التنفيذ في 01.01.2020 وتنتهي في 2024 وتستبدل خطة قائد الجيش السابق غادي ايزنكوت. وتضمنت في جوهرها تعزيز قوة سلاح البرية وزيادة قوة الردع وزيادة "عمليات ما بين الحروب" الهادفة إلى استنزاف قدرات العدو. وتشير إلى أن كوخافي كرّس الكثير من أوقاته لقراءة السير الذاتية لقادة سابقين للجيش علاوة على دروس الحروب المركزية منذ 1948 محاولاً فهم متى وكيف ولماذا حصلت تغيرات وتشوشت مصطلحات أساسية كـ "الانتصار والحسم ".
وتكشف الصحيفة أن كوخافي كشف في الاجتماع الأول لهيئة الأركان تحت قيادته في 16 كانون الثاني/ يناير الماضي معطيات  تدلل على مسيرة خطيرة تشهدها منظمتا حزب الله وحماس اللتان ينعتهما بـ "جيوش الإرهاب"، لافتاً في الاجتماع المذكور للهوة الآخذة بالتقلص بين الطرفين من ناحية جودة القدرات لأن العدو يواصل  تطوير واستغلال امتيازاته النسبية في مجال الاختفاء داخل المناطق السكنية وتحت الأرض وبناء القوة المهاجمة وتحسين كمية العتاد والسلاح وزيادة دقة الصواريخ واستخدام وسائل قتالية جديدة كالطائرات المسيرة الصغيرة وغيرها. وتنقل عنه الصحيفة قوله إن على إسرائيل تغيير هذه الصورة وبسرعة وإلا ستجد نفسها متورطة بجولات قتالية نهايتها غير واضحة وبطعم مرّ نتيجة شعور بـ "تفويت فرصة".
وللتدليل على ذلك يشير فيشمان إلى ما قامت به حماس في مطلع الشهر الماضي حينما أطلقت 800 صاروخ في يومين منها 500 في يوم واحد بينما بلغت قدرتها خلال حرب صيف 2014 بإطلاق 180 صاروخاً في يوم واحد.
وأشار إلى قدرة حماس على إنتاج نار بشكل أكبر بكثير واستخدام صواريخ دقيقة أكثر تنجح بعضها باختراق القبة الحديدية مما يعني امتلاك قدرة أخطر على التدمير والإصابة في الجبهة الداخلية في إسرائيل. ويعتقد كوخافي أن جولات متتالية من هذا القبيل تعني  تفريغ  مصطلحات "حسم" و "ردع" من مضمونها.
وفي المقابل تقتضي خطة كوخافي تدمير آلاف الأهداف لدى العدو كل يوم وسط استخدام لحجم ثابت من النيران وذلك بهدف تحقيق حسم سريع لأن العدو سيعمل على استهداف إسرائيل بالصواريخ حتى الساعة الأخيرة ويتسبب بخسائر جدية. وبموجب الخطة تشارك في العملية العسكرية كل الأذرع العسكرية بما في ذلك سلاح البرية والقيام باجتياح فعلي على الأرض من دون الاكتفاء بالنار عن بعد. وبذلك يتطابق كوخافي مع سابقه في المنصب غادي ايزنكوت لكنه يريد تحويل القوات البرية لهيئة تنفيذية وقاتلة ومدمرة أكثر مما كان حتى الآن.
ويوضح فيشمان أن كوخافي يتطلع لمضاعفة قوة سلاح البرية وتزويده بتقنيات ووسائل جديدة كالسلاح الآلي وتطوير القدرات الاستخباراتية. ويقول إن إسرائيل وبخلاف دول غربية لا تواجه معضلة أخلاقية حيال تطوير واستخدام وسائل قتالية آلية كالمدرعات والطائرات المسيرة ومعدات تطلق صواريخ مضادة للدروع التي تتحرك بواسطة أجهزة وبدون جنود، موضحاً أنها تنكب على تطوير مثل هذه الأسلحة لتكون مهمتها اختراق خطوط العدو والتمهيد لاختراق الجنود الإسرائيليين للجبهة في المرحلة الثانية.

ورشة الانتصار

وبالنسبة لكوخافي فإن التدمير السريع يعني ضرب الهدف بعد اكتشافه ببضع ثوان في حال كان ثابتاً وعدة دقائق في حال كان متحركاً، وهذا كله بغية تحقيق الخطة بتدمير آلاف الأهداف في يوم واحد. ومن ضمن القرارات العملياتية التي كشف عنها كوخافي في الاجتماع المذكور إقامة "مديرية أهداف" تكون مهمتها تحويل سريع للمعلومات الاستخباراتية لخطة عملياتية تستعين بتقنيات جديدة تتيح للقائد الميداني الاتصال الحي والمباشر مع قائد الطائرة القتالية من فوقه. وتكشف الخطة أن كوخافي خصص ميزانية ضخمة لتحسين قدرات الجيش مقابل قطاع غزة بهدف اقتناء تقنيات اختراق وأجهزة إطلاق صواريخ مضادة للدروع ونواظير متقدمة للنهار والليل وغيرها من احتياجات المشاة.
كما يشير فيشمان إلى أن كوخافي بادر في مارس/ آذار الماضي لقيام ورشة للضباط الكبار في الجيش من أجل  تعلم دروس التجارب العسكرية في العقود الأخيرة وإن كانت بعض الأوساط الإعلامية الإسرائيلية قد تعاملت معها بسخرية واصفة إياها بـ " ورشة انتصار ".

بيت حانون

ومن ضمن الاستخلاصات في الورشة المذكورة ما يتعلق بحرب لبنان الثانية وهي تقتضي بأن الهدف ينبغي ألا يكون احتلال موقع معين كبلدة بنت جبيل بل تدمير العدو داخل هذا الموقع لأن "الاحتلال هو فعل وعيوي لكنه ليس انتصاراً وليس حسماً".
وفي الورشة تحدث كوخافي على بيت حانون البلدة الحدودية في قطاع غزة التي أطلقت منها صواريخ نحو إسرائيل في 2014، موضحاً أنه طالما لم يدخلها الجيش ويحتل محيطها لن تتوقف النيران ومن ناحيته لا بديل للاجتياح البري شريطة أن يكون مجدياً.
ويكشف فيشمان أن الورشة شهدت إقامة 40 طاقما عسكريا اختص كل منه في مجال معيّن مثل الدفاع أو الهجوم والمناورة البرية أو في ضمان استمرارية النار وتشرف على كل الطواقم لجنة توجيهية مركزية بقيادة نائب القائد العام للجيش. وحسب الخطة سيتم عقد ورشة ثانية بعد شهرين من الآن لتقييم ما تم إعداده وبالتزامن استجاب 500 من قادة الجيش لطلب كوخافي بإعداد تصور حول الموجود والمفقود في الجيش الإسرائيلي على مبدأ إشراكهم في التخطيط المستقبلي بالمنظورين القريب والبعيد. وكشفت الخطة عن تدريبات للجيش يقوم فيها بمحاكاة قتال داخل المدن ومقابل عدو ينشط في الأنفاق.
يُشار إلى أن رؤية كوخافي تشبه إلى حد كبير خطة أخرى طرحاها نائبان في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية قبل شهور وهما عوفر شيلح وعومر بارليف وفيها دعوة للتركيز أكثر على الاجتياح البري لحسم المواجهة مع العدو. يذكر أن الخطة ترتبط بشكل أو بآخر برؤية وزير الجيش الأسبق موشيه يعلون القائمة على "كي وعي العدو" بالقوة المفرطة كما جاء في كتابه "طريق طويل طريق قصير" لكن كوخافي يضيف الحاجة لقتل أكبر عدد ممكن من العدو حتى لو طال مدنيين من دون الاكتفاء بتدمير واسع.

المصدر: الناصرة- وديع عواودة -