انقطعت أنفاس العالم في الايام الاخيرة مع تصاعد سلم التوترات الى اقصى درجة في الخليج العربي إثر الهجوم على ناقلتين نفطيتين في منطقة بحر العرب بالقرب من السواحل العمانية، سبقها في الشهر المنصرم هجوم على أربعة ناقلات أخرى قبالة سواحل الفجيرة الاماراتية. ولأن اسواق المال لا تحتمل انتظار تقييمات وحلول، فقد كان الأمر كفيلا برفع سعر برميل النفط في ساعات إلى 4% ، مع هبوط أسهم لشركات وارتفاع لأخرى وهو رد فعل اقتصادي طبيعي لتوترات البقعة الأكثر حساسية في الكون.
لكن هل ما يجري فعلاً هو نذور حرب قد تربك الاقتصاد العالمي وتقلبه رأساً على عقب ؟ أم هي تجسيد للعبة عض الاصابع لنرى منسيصرخ أوّلاً؟
إن شن حرب على ايران أو حتى القيام بعملية عسكرية محدودة قرار ليس سهلاًوله حسابات معقدة فالدخول في هكذا مغامرة أشبه باللعب بالنار، وأي سوء تقدير للموقف وتبعاته السياسية والاقتصادية فهو خسارة لا تقدر على جميع المستويات!
أولا: الرواية الأمريكية تواجه شكوكا وغموضا من قبل حلفاء عالميين لأن السوابق الأمريكية في الكذب والتلاعب في المعلومات ماتزال آثارها شاخصة حتى اليوم في العراق والاقليم. وحتى الفيديو المزعوم الذي نشرته الولايات المتحدة لقارب إدعت أنه دورية ايرانية تزيل شيئا من سفينة، يحتاج كثيرا من التدقيق والتقييم والاقناع في عالمبات التلاعب بالصورة فيه أمراً طبيعيا.
ثانيا: سنة الانتخابات : تستعد الادارة الامريكية لانتخابات الولاية الثانية، ومن الصعب جدا على رئيس أمريكي أن يبادر بشن حروب في فترة الانتخابات خاصة مع الذكريات السيئة التي تحملها الحرب الامريكية على العراق وتجربة الغوص في وحل الشرق الاوسط . فعلى الرغم من صقورية الرئيس ترامب وصوته العالي في التهديدات والصفقات الحالمة وتطرف من حوله ، إلا أنه واضحاً في استراتيجيته التي تعتمد على خنق الخصم حتى يصرخ من الالم ويستسلم ، ومن ثم يفرض ترامب شروطه على طاولة المفاوضات . وعليه فإن ترامب ينتظر، ليس الحرب مع طهران، وإنما المفاوضات. وقد أعلن الامريكان مراراً وتكراراً عدم رغبتهم في الذهاب الى حرب (ربما بعض الحلفاء يريدون ذلك) . إضافة إلى أن محاولات إقناع جمهور أمريكي لا يملك أية شهية لحروب الشرق أمرا قد يكلف ترامب الرئاسة الثانية .
ثالثا: الحروب اللاتقليدية: نحن نعيش الزمن الرقمي، فما الحاجة للضجة التي تحدثها الحروب التقليدية في حين أنه يمكن قتل البلاد بأدوات صامتة لها نفس المفعول مع ضوضاء أقل . سياسة الخنق الاقتصادي والعزلة والهجمات الالكترونية الامريكية والاسرائيلية على أنظمة الكمبيوتر التي تشغل المنشآت الايرانية أرهقت الداخل الايراني، وحطمت بنيتة التحتية وأسقطت اقتصاده الهش، وأحدثت اختلالات بنيوية في النظام نفسه رغم القبضة الحديدية التي يظهرها.
رابعا: السلوك الايراني: ايران دولة لا يستهان بها تملك العديد من أوراق اللعب والوكلاء في المنطقة ويمكنها ان تسبب صداعا مؤلما للغرب . ولكنها في الوقت ذاته دولة ذكية، لن تجازف باستعداء العالم وتقوم بخطوات غير عقلانية تثير استنكار وانتقاد الدول الاسيوية قبل الغربية، وتقدم ذريعة على طبق من ذهب لامريكا واسرائيل وجميع القوى المتنافسة للتخلص من نظام الملالي. وقياساً للخبرة المتراكمة في السلوك الايراني، ليس مستبعدا أبدا أن تكون قد بدأت بالفعل مفاوضات سرية بين واشنطن وطهرانبصورة مباشرة أو عبر وسطاء . فالمفاوضات السرية تبدأ في اللحظات التي ينتظر عندها العالم إشارة الحرب.
بقلم/ د. أماني القرم