ورشة البحرين والتي تعقد تحت عنوان " الازدهار من أجل السلام " خلال اليومين القادمين في المنامة ، هي الاجتماع الأول الذي يُعقد رسمياً للأطراف المنخرطة في " صفقة القرن " ، أو التي في طريقها للانخراط . وهي الخطوة العملية والرسمية التي تقدم فيها إدارة الرئيس ترامب وفريقه السياسي بالإعلان عن الصفقة والبدء بتنفيذها . على رغم أن الإعلان عن الصفقة مؤجل إلى ما بعد انتخابات " الكنيست " في أيلول القادم ، ولربما بعد أن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومته في حال نجح حزبه " الليكود " بأعلى الأصوات .
الورشة عنوانها يفضح أهدافها ، وهذا جوهر " صفقة القرن " الصهيوأمريكية ، القائمة أولاً وأخيراً على ما يسمى ب" السلام الاقتصادي " ، وهو تصفية ما تبقى من عناوين وطنية للقضية الفلسطينية ، بعد أن شكلت اتفاقات " أوسلو " المنعطف الأخطر في تمرير تلك المشاريع ، التي تتلاقى وتتقاطع عند هذا الهدف ، حيث مثلت اتفاقات " سايكس بيكو عام 1916 ، ووعد بلفور المشؤوم عام 1917 القاعدة المادية لتلك المشاريع ، وصفقة القرن قمة هرمها .
رؤية " السلام الاقتصادي " تعود أصلاً إلى وزير الخارجية " الإسرائيلي " آنذاك " شمعون بيرس " ونائبه " يوسي بيلين " ، تحت شعار " عملية السلام والتعاون الاقتصادي في إطار مشروع بناء إقليمي جديد " . فقد عبر بيرس حينها عن ذلك في كتابه الذي صدر العام 1993 بعنوان " الشرق الأوسط الجديد " . و" بيلين " من خلال كراسه المعنون باسم " رؤية للشرق الأوسط " .
الولايات المتحدة بدورها سعت بعد التوقيع على اتفاقات " أوسلو " عام 1993 ، إلى عملية تسويق ما يسمى " السلام " بالحل الاقتصادي تحت مسوغ ضرورة تقديم المساعدات من أجل تأمين تنمية اقتصادية لأراضي الحكم الإداري الذاتي المحدود . من خلال المؤتمر " الاقتصادي العالمي للتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا " ، والذي عقد في المغرب تشرين أول 1994 ، أي بعد عام على اتفاقات " أوسلو " .
" نتنياهو " عمل خلال ترأسه لحكومة الكيان على تبني رؤيتين ، الأولى " السلام الاقتصادي " ، بالتعاون مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق " طوني بلير " ، ممثل الرباعية الدولية إلى الشرق الأوسط . محملاً اياه رؤيته لتسويقها فلسطينياً وعربياً ودولياً . والرؤية الثانية ، ضرورة العمل على فتح كوة في العلاقة مع الدول العربية ، التي ستكون جواز مروره لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين في القبول بالشروط " الإسرائيلية " لإنهاء الصراع وحسم قضايا ما سميت بعناوين الحل النهائي ، وتحديداً القدس واللاجئين . وهذا ما صرح به نتنياهو لشبكة CNN الأمريكية بالقول : " كنا نعتقد في السابق أننا إذا أنهينا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ، فإننا سنتمكن من حل الصراع الإسرائيلي – العربي ، لكن اتضح لنا لاحقاً أن العاكس هو الصحيح ، ونعمل حالياً من أجل تحقيق هذه الغاية " .
" إسرائيل " ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية ، تجد في صفقة القرن وورشتها في البحرين ضالتها المنشودة لفرض الأمر الواقع في عدم الانسحاب من الأراضي التي احتلها في حزيران 1967 ، وإزالة المستوطنات ، وإبقاء القدس عاصمة لها ، وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها بقوة الحديد والنار عام 1948 . وبالتالي لتجد في الحل الاقتصادي تلطياً متعمداً وراء الهواجس الأمنية بهدف تسريع عمليات الاستيطان والتمسك والسيطرة على ما تبقى من أراضٍ في الضفة الغربية ، وهذا ما ذهب إليه فريدمان في إيجازه للكيان الاستيلاء على أراضي الضفة .
ورشة البحرين لن تحقق مبتغاها ، ليس لرفض الفلسطينيين لها ول" صفقة القرن " وحسب على أهمية هذا الموقف ، بل لأن تمرير رؤية " السلام الاقتصادي " لم تثبت جدواها وما هو مأمول منها . وخير ما عبر عنه في هذا السياق ، المحلل والكاتب والمختص بالشرق الأوسط الأمريكي " آرون ديفيد ميللر " ، في مقالة كتبها في مجلّة " أتلانتيك " الأمريكية : " لو كانت لدينا القدرة على شراء حل للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، لقمنا بذلك منذ فترة طويلة ، إن الأمر لا يتعلق بالمال " . نعم إن الحل لا يُشترى بالمال ، بل بزوال الاحتلال .
بقلم/ رامز مصطفى