مقدمة :
تشكل صفقة القرن تھدید مباشر للقضیة الفلسطینیة وللفلسطینیین، فھي تحاول الاستیلاء على القدس وغور الأردن والأراضي التي أنشئت علیھا المستوطنات، مع رفض الاعتراف بحق العودة، ورفض الاعتراف بدولة فلسطینیة مستقلة. بينما في المقابل تسعى الادارة الامريكية إلى مكافأة إسرائيل، سياسياً ومالياً، ودمجها في المنطقة، متجاهلة السياق القانوني والسياسي للاحتلال الذي يحرم الفلسطينيين من حقوقهم السياسية.
وبعد ان رفع استخدام مصطلح “صفقة القرن” التوقعات بخطة تغير وجه الشرق الأوسط، حدثت تغيرات، أهمها اتضاح أن الفكرة الأميركية، لا تتعدى تحسين ظروف الحياة للفلسطينيين اقتصادياً، وصار سقف التوقعات لا يتعدى بعض التغيير الرمزي في مكانة الفلسطينيين السياسية، من زاوية الاعتراف بدولة وهمية لهم، أما زوال الاحتلال وقيام دولة كاملة السيادة على حدود العام 1967، فقد اتضح أنّهما عنصران غير مطروحين، وبالتالي كان الموقف العربي الرسمي، رغم كل الإشاعات الإسرائيلية، هو أنّه لا حل من دون دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وقامت الإدارة الأمريكية بالتمهيد المتدرج لتنفيذ هذه الصفقة تحت مبررات متعددة، أهمها ضرورة التفكير في حلول غير تقليدية تعترف بطبيعة الواقع على الأرض، وبدأت بعض الخطوط العامة للصفقة تتضح تدريجيًّا من خلال تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين التي أشارت إلى أن الأمن الإسرائيلي يُعتبر أهم مبدأ تتم على أساسه أية تسوية سياسية، بمعنى أن تسيطر إسرائيل تمامًا على غور الأردن، وقد تعلن فرض السيادة عليها في مرحلة قادمة. كما أن احتياجات إسرائيل الأمنية ومواجهة إيران تقتضي عدم تفريطها في الجولان، وأن تظل القدس عاصمة لإسرائيل.
وامعانا في الغموض حول تفاصيل خطة السلام الأمريكية، لازالت تقتصر المعلومات حتى الان على الأسس الاقتصادية التي تم الاعلان عنها من خلال ضخ عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات والاستثمارات للفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة وبعض الدول العربية، لإيجاد انتعاشة اقتصادية للفلسطينيين ومشروعات استثمارية ضخمة للشرق الأوسط تجمع العرب وإسرائيل معا.وجاءت هذه الخطوة في اطار محاولة من الادارة الامريكية لتجاوز الاعتراضات الفلسطينية والعربية والدولية للصفقة الامريكية. ما يؤكد ان الادارة الأمريكية تضرب بعرض الحائط كل القرارات والقوانين الدولية وتعادي رغبة العالم، وتعلن أنها ماضية بتنفيذ صفقة القرن رغم كل المحاذير التي يمكن أن تؤدي إلى اشتعال المنطقة برمتها، وتفجير الأوضاع.
صفقة القرن : فريق العمل:
• يُستخدم تعبير «صفقة القرن» للإشارة إلى خطة أعلنت الإدارة الأميركية أنها تسعى إلى بلورتها تمهيداً لطرحها على طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقامت بتكوين مجموعة عمل خاصة مكونة من مجموعة من الصقور والمقربين لاسرائيل، يعارضون "حل الدولتين" ويؤيدون حل الصراع بما يتناسب مع المصالح الاسرائيلية، ويتكون من :
1. مايك بومبيو (وزير الخارجية الامريكي ) ، الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية ، يعتبر من صقور الإدارة الأمريكية الحالية، والذين يتبنون مواقف متشددة من ايران ويؤيدون الدعم المطلق لاسرائيل باعتبارها الدولة النموذج في المنطقة .
2. جاريد كوشنير : زوج ابنة الرئيس ترامب ، ينتمي لأسرة يهودية قدمت مؤسساتها “الخيرية” 38 ألف دولار لمساعدة مستوطنة بيت إيلاليهودية في الضفة الغربية سنة 2013، وهي المستوطنة نفسها التي قدمت لها مؤسسة ترامب 10 آلاف دولار سنة 2003، ويحظى بشعبية كبيرة بين المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، بالرغم من انه الأقل خبرة بشؤون الشرق الأوسط، فقد تمّ اختياره لمهمة تسوية الوضع في الشرق الاوسط.
3. ديفيد فريدمان: السفير الأمريكي في “إسرائيل”، يترأس مجموعة مساندة لمستوطنة بيت إيل وكان مستشاراً لترامب في حملته الانتخابية، لا يعتبر ان إقامة دولة فلسطينية مسألة حيوية للمصالح الأمريكية، وهي مسألة متروكة لتقديرات “إسرائيل”، ترامب لن يعارض ضم “إسرائيل” لأجزاء من الضفة الغربية، المصلحة الأمريكية هي ضمان أمن “إسرائيل”، نموذج غزة لا يشجع على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.
4. غيسون غرينبلاط : الممثل الخاص للرئيس ترامب في المفاوضات الدولية منذ 2017 ، مستشار ترامب للشأن الإسرائيلي، يعارض أي دور للأمم المتحدةفي فرض حلّ الدولتين ويدعو لترك ذلك للطرفين، وهو لا يرى أن المستوطنات تشكل عائقاً أمام “السلام”، وهو يعارض قرارات اليونسكو الخاصة بالقدس وايد مؤخرا ضم مستوطنات الضفة الى اسرائيل.
5. جون بولتون: مستشار الأمن القومي الأمريكي، من صقور الإدارة الأمريكية ، معارض لدور الأمم المتحدة في تسوية الصراع،ويعارض حلّ الدولتين، مؤيد لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويدعو الى إعادة قطاع غزة للسيادة المصرية والضفة الغربية للأردن ( ).
المبادىء العامة والاهداف:
• "صفقة القرن" عبارة عن رؤية أو خطة سلام أمريكية لحل الصراع العربي-الإسرائيلي، مع التركيز على حل القضية الفلسطينية، بما يهيئ المجال أمام تحقيق الاستقرار ودعم الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، ومواجهة عوامل التوتر فيه، ولا سيما إيران والإرهاب، بالإضافة إلى العمل على تثبيت الوضعية السياسية لإسرائيل حتى تندمج بشكل طبيعي في المنظومة العربية والإقليمية، وفق المبادىء التالية :
1. لم تنجح الحلول القديمة في إنهاء الصراع، وبالتالي كان لا بد من التفكير في حلول جديدة غير تقليدية يمكن أن تكون أكثر فعالية، وهو ما سيتطلب تنازلات متبادلة قد لا تَرضى عنها أطراف النزاع، ولكنها تبقى ضرورية للحل.
2. "الأمر الواقع" القائم على الارض سوف يكون أحد أهم أسس الصفقة، بحيث إن التغييرات التي حدثت على الأرض ، وخاصة الاستيطان والقدس، لن يتم تجاهلها، وستكون حاضرة بقوة في مضمون الصفقة وتفصيلاتها.
3. الأمن الإسرائيلي يعتبر العامل الرئيسي الذي تستند عليه الصفقة، باعتبار أن ضمان أمن إسرائيل يُعد التزامًا أمريكيًّا لن يقبل أي تنازل جوهري.
4. نزع الطابع الوطنى التحررى عن القضية الفلسطينية وإحالتها إلى قضية إنسانية تتكفل بعض المساعدات والمشروعات فى إنهائها. وستحظى التنمية الاقتصادية بالاهتمام الأكبر في الصفقة، وهو ما يعني أن فكرة السلام الاقتصادي ستكون بمثابة أحد المفاتيح الرئيسية للصفقة مقارنة بالجانب السياسي والتسوية السياسية التي يمكن أن تأتي في مرحلة تالية أو متأخرة نسبيًّا بعد وضوح النتائج الاقتصادية على الأرض.
5. حل الدولتين لا يُعد بمثابة المبدأ المقدس لحل القضية الفلسطينية، ولكن قد يكون هناك اقتراب من هذا المبدأ، بمعنى إقامة دولة فلسطينية ولكن ليس وفق تصورات الفلسطينيون.
6. قضايا الوضع النهائي، مثل القدس واللاجئين، لا يمكن حلها طبقًا للرؤية العربية؛ فالقدس أصبحت عاصمة لإسرائيل وغير قابلة للتقسيم. كما أن مشكلة اللاجئين يمكن حلها من خلال تنفيذ إجراءات أخرى، أي توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المتواجدين فيها، ويمكن أن توفر الولايات المتحدة الدعم المادي اللازم لهذا التوطين ( )
استراتيجية فريق العمل :
1. نجح الفريق الامريكي في خلق "وهم" أن "صفقة القرن" ستغير وجه الشرق الأوسط وستنهي القضية الفلسطينية وستمنح “إسرائيل” تفوقاً، وتم وضع الجميع على مسار الخوف والترقب ، ثم حشروهم في زاوية الدفاع وبدأوا "حربهم النفسية" في تسريبات والتلاعب بالتوقيت ، ثم انتقلوا إلى لغة التهديد بأن الصفقة ستفرض حتى لو رفضت السلطة الفلسطينية ، ثم لغة المخادعة أن بعض الدول العربية تتساوق مع الصفقة ( ).
2. تهميش التأثير السياسي الفلسطينى الرسمي والعودة به أربعة عقود من الزمن إلى الوراء حينما كان العرب هم المسؤولين سياسيا عن الفلسطينيين؛ وهذا يعنى إنهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي سياسي ورسمي عن الشعب الفلسطيني، وهو ما يعكس افتقاد التسوية لجوهر أساسي فى حل الصراع ألا وهو حق تقرير المصير للفلسطينيين.
3. ربط الصراع الفلسطينى الاسرائيلى بصراعات منطقة الشرق الأوسط واستخدام تناقضات تلك الصراعات بين الأطراف للضغط عليها ومقايضة دعمها لها بتأييد التسوية الأمريكية للصراع ضمن رؤية أمريكية متكاملة لتثبيت النفوذ الأمريكى عبر تحالف عربى اسرائيلي ضرورى وحيوى لمواجهة النفوذ المتزايد لقوى عظمى وأخرى إقليمية ترى كلا من الولايات المتحدة واسرائيل فيها خطر على مصالحها الاستراتيجية.
4. ممارسة الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين من خلال اغراءات مالية تهدف لإيجاد حالة من التناقض فى المصالح بين الشعب الفلسطينى وقيادته لاظهارها كعقبة فى طريق خروج الشعب من ازمته الاقتصادية.مما سيحفز على ظهور قوى اقتصادية براغماتية مستقلة ستدعمها الادارة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وصولا إلى أن تصبح تلك القوى لاعبا سياسيا رئيسيا فى الساحة الفلسطينية مستقبلا بحيث يستبدل المشهد السياسي الفصائلي الفلسطينى القائم اليوم بمشهد سياسي اقتصادى تتحكم فيه جماعات ضغط لوبيات) ترتبط مصالحها بقوى خارجية ( ).
5. قطع الطريق على أي طرف آخر أن يطرح مشاريع تسوية أو ينافس واشنطن في تفردها بإدارة الصراع .وانهاء دور الأمم المتحدة وقراراتها ومحكمة الجنايات الدولية،وبهذا تسعى واشنطن لإلغاء البُعد الدولي للقضية الفلسطينيةوانشاء شرعية جديدة هي الشرعية الامريكية التي ستكون المخولة بمفردها لتسوية الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي.
6. فك الارتباط ما بين فلسطين والعالم العربي من خلال التطبيع وتجاوز المبادرة العربية للسلام ،فالمشاركة في مؤتمر البحرين يعني التخلي عن هذه المبادرة .
7. قامت الولايات المتحدة باجراءات استباقية ، اعتبرت بمثابة تنفيذ فعلي للكثير من بنود الصفقة بفعل الامر الواقع وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الاكثير تعقيدا على النحو التالي :
A. القدس، تم الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، ونقلت اليها السفارة الأميركية، ودمج بها القنصلية الأميركية، هناك ادعاءات ان الإدارة الأميركية لم تعترف «بالقدس الموحدة»، حسب المفهوم الإسرائيلي، ومسألة السيادة على الأماكن المقدسة ليست نهائية، وكذلك المسألة لا تقتصر على بلدة «ابو ديس» وانما يتعلق الأمر بإحياء أخرى كبيرة من ما يسمى بالقدس الكبرى.
B. اللاجئون، توحي الإدارة الأميركية بأن موضوع اللاجئين يمكن ان يظل قائماً طالما يتعلق الأمر بالتعويض وليس بالحق في العودة. لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، لأن القائمين على صفقة القرن لا يستبعد ان يتم طرح التعويض عن أملاك اليهود العرب مقابل التعويض عن أملاك الفلسطينيين، بهدف قطع الطريق على كل ما يتعلق بالحق في التعويض، إضافة الى قطع الطريق بالكامل على الحق في العودة.
C. ضم أراضي فلسطينية، في هذا الإطار ايضاً بدأ بعض الأوساط المتنفذة في الإدارة الأميركية الحديث عن «الضم» باعتباره مسألة أمن حيوي لإسرائيل، وأن «الاستيطان» الرئيسي اصبح «موضوعياً» جزءاً من الواقع الذي لا يمكن القفز عنه. هنا يتحدث هؤلاء بكل وضوح عن ان اكثر من ١٠٪ من مساحة الضفة باتت بحكم المصادرة (وهي المساحة المفترضة للكتل الاستيطانية) اضافة الى ما يلزم من المساحة التي لا بد وان تكون (المجال الأمني) لهذه المستوطنات. باختصار، أصبحت مسألة الضم محسومة، واذا كان لا بد من تفاوض هنا، فهو حول المساحة التي سيتم السيطرة عليها بالكامل بعد ان يتم الضم بصورة نهائية.
D. الامن : تؤكد الإدارة الأميركية على انها ملتزمة بأمن إسرائيل، وحسب المفهوم الأميركي للأمن، فإن الحدود جزء لا يتجزأ من الأمن، والمياه هي جزء لا يتجزأ من الأمن، والسيطرة على المجال الجوي هي جزء من الأمن، والسيطرة على المنافذ التجارية والبحرية هي جزء من الامن. بل ان الادارة الاميركية «تبرر عدم» ميلها لحل الدولتين لأن الواقع تجاوز هذا الحل، والمقصود بذلك هو ان متطلبات الأمن بالنسبة لإسرائيل باتت تقتضي «تجاوز» حل الدولتين.
صعوبات وتحديات :
• التناقض الرئيسي الذي تعيشه اسرائيل بين الرغبة في أن تكون دولة ديمقراطية، ذات اكثرية يهودية ومجتمع في أسرة الشعوب، الامر الذي يقتضي انفصال سياسي عن الفلسطينيين على اساس خطوط 1967، وبين المصالح الثلاثة: الامن والقدس والمستوطنات. وفي المقابل، الفلسطينيون يعيشون بتوتر بين الرغبة في دولة مستقلة على اراضي 1967 وبدون مستوطنات وعاصمتها شرقي القدس، وحل مشكلة اللاجئين، وبين الضغط الاسرائيلي والواقع الديمغرافي والجغرافي الذي أوجدته اسرائيل في الضفة. اذا كان الامر كذلك فيجب على دونالد ترامب أن يوفر عليه مخططاته الاقتصادية والاجتماعية وعدم عرض خطط لاتفاقات انتقالية، سئم منها الفلسطينيون حيث قامت خلالها إسرائيل وبدعم وتمويل مالي وسياسي من الولايات المتحدة الأمريكية بانهاء اية امكانية لاقامة الدولة الفلسطينية ( ).
• إسرائيل غير معنية كثيراً بصفقة القرن، ولا تعطيها الأولوية الكبرى في خطابها السياسي أو الإعلامي، إذ تعتقد أنها سبقت صفقة القرنسياسياً عندما أعلنت إنهاء حل الدولتين، وإلغاء حق العودة، وتثبيت أن القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وأن السلطة ليس أمامها إلا أن تقبل بحكم ذاتي محدود. وعملياً: طبقت الصفقة من خلال إجراءات مضى عليها سنوات، منها: توسيع الاستيطان والاستيلاء على الأراضي، وتحويل الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة، وسلخ القدس عن الضفة، وفصل غزة جغرافياً وسياسياً، وإبقاء الحصار قائماً ( ).
• لا يمكن اعتبار ادارة ترامب “وسيطا نزيها”، خاصة وان “صفقة القرن” بلورها كل من جاريد كوشنير، جيسون غرينبلات، وديفيد فريدمان، وجميعهم أميركيون من أصول يهودية، مؤيدون لإسرائيل واليمين الاستيطاني، ولذلك جاءت “صفقة القرن” وفق ثوابت وافكار اليمين الإسرائيلي المتطرف، مما يجعل "الصفقة" عبارة عن صياغة أمريكية للمشروع الصهيوني في طبعته اليمينية الأكثر تطرفاً، والتي لن يرضيها سوى تدمير «حل الدولتين» ومنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلةمتجاوزين الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وذلك لحساب "أمن إسرائيل" ( ).
• العنجهية الأميركية في تمرير سياساتها، بغض النظر عن مدى مصداقية وواقعية ما تطرحه، جعلت مصير الكثير من تجاربهم مصيرها "الفشل". فالإدارة الأميركية الحالية تفتقد القدرة على صناعة التحولات الاستراتيجية بمثل هذه الأدوات السطحية، ووصف دوغلاس بلومفيلد، الناشط البارز في لجنة (إيباك) فكرة الصفقة بأنها ”نهج سطحي للغاية في التعامل مع الخلاف التاريخي”.السفير الأميركي السابق في مصر و”إسرائيل” دانيال كيتزر- في مقال تحت عنوان “وهم خطة ترامب للسلام”- قال: “لقد جعلونا نضع كل تركيزنا على خطة سلام قد لا تظهر أبداً”. فالإدارة الأميركية تفتقد إلى عنصرين مهمين لتمرير صفقتها المزعومة. أولاً: قدرتها على الإقناع، والجهل بتعقيدات السياسة في الشرق الأوسط. والعنصر الثاني: عدم امتلاك الأدوات التي تمكنها من فرض الصفقة، فلا العقوبات مجدية، ولا قوة السلاح ناجعة، ولا الابتزاز المالي قادر على شراء ذمم الشعوب!! ( ).
• ما يهم الإدارة الأميركية "مصلحة اسرائيل"، فالصفقة فرضت فعلياً من خلال مجموعة من الاجراءات التي اتخذتها الادارة الامريكية والتي لم تكن تهدف إلى تحقيق السلام، وإنما إلى إضعاف الفلسطينيين ودفعهم إلى الخضوع والاستسلام. ولقد جاء تصاعد الاعتداءات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والتضييق على موارد السلطة الفلسطينية، في اطار «إجراءات التكيف»، والتي تستهدف جعل تلك «الصفقة» الأمريكية مقبولة باعتبارها أمراً واقعاً.ولقد جاء تسريب بعض المعلومات ، هو بمثابة بالون اختبار لقياس مدى الاحباط الذي أصاب معنويات الشعب الفلسطيني، وإلى أي درجة بات مستعداً للقبول بأسوأ الحلول، مقابل بعض المغريات مثل ضخ المليارات في اقتصاد "دولة فلسطينية"، مقابل التنازل عن جوهر تلك الدولة التي ستكون منزوعة السلاح ومنقوصة السيادة والمساحة ( ).
• استخدام الادارة الامريكية سياسة الامر الواقع لفرض تصوراتها بدون تشاور مع الجانب الفلسطيني يخرج تلك الصفقة من كونها "مبادرة لحل النزاع" الى "وثيقة استسلام" وتنازل عن حقوقهم. وبالرغم من ذلك فقد أجلت الادارة الامريكية الاعلان عن "صفقة القرن" بسبب الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي وعدم تجاوب غالبية دول العالم مع الصفقة ( ).
ورشة البحرين :
• تم الاعلان عن انعقاد المنتدى الاقتصادي في البحرين تحت عنوان “تحفيز الاستثمارات في الأراضي الفلسطينية"، بمشاركة عربية محدودة ، ومعارضة فلسطينية قوية باعتبار ان التعاون الاقتصادي يجب أن يكون نتيجة التسوية السياسية. وسيقدم كوشنر، خلال مؤتمر البحرين خطة إدارة الرئيس ترامب الاقتصادية للسلام في الشرق الأوسط ، والتي من أبرز بنودها:
1. توفير حوالي 50 مليار دولار لدعم الخطة الاقتصادية ولإقامة 179 مشروعا للبنية الأساسية.
2. إنفاق أكثر من نصف الخمسين مليار دولار في الأراضي الفلسطينية المتعثرة اقتصاديا على مدار عشر سنوات في حين سيتم تقسيم المبلغ المتبقي بين مصر ولبنان والأردن.
3. إقامة مشروعات في شبه جزيرة سيناء المصرية التي يمكن أن تفيد الاستثمارات فيها الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة.
4. رصد نحو مليار دولار لبناء قطاع السياحة في الضفة وغزة.
5. إقامة ممر لتنقل الفلسطينيين بين الضفة الغربية وقطاع غزة يمر عبر إسرائيل. ويشمل ذلك طريقا سريعا وربما يشمل أيضا مد خط للسكك الحديدية.
6. ستغطي بعض الدول، وبشكل أساسي دول الخليج، والقطاع الخاص تكاليف "صفقة القرن".
7. سيتم تأسيس صندوق استثمار جديد يديره "مصرف للتنمية متعدد الأطراف"، حيث ستتولى جهات إقراض عالمية من بينها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ستساهم في تأسيسه.
8. عرض حوافز اقتصادية لتظهر للفلسطينيين إمكانية وجود مستقبل مزدهر لهم إذا عادوا إلى طاولة التفاوض من أجل التوصل لاتفاق سلام.
9. ستوفر الخطة، إذا نفذت، مليون وظيفة في الضفة الغربية وقطاع غزة.وستقلل من الفقر بين الفلسطينيين إلى النصف وستزيد الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني للمثلين.
10. تماثل "صفقة القرن" خطة مارشال التي طرحتها واشنطن في عام 1948 لإعادة إعمار أوروبا الغربية من دمار الحرب العالمية الثانية. لكن على خلاف تمويل الولايات المتحدة لخطة مارشال تعتمد المبادرة المطروحة على إلقاء أغلب العبء المالي على دول بعينها.
11. ستضخ الولايات المتحدة استثمارا كبيرا في صفقة القرن إذا توفرت آليات الحوكمة الجيدة. لكنه لم يحدد المبلغ الذي قد يساهم به ترامب المعروف بعزوفه عن المساعدات الأجنبية( ).
ملاحظات لا بد منها:
• مؤتمر البحرين الاقتصادي هو عمل يقدم العربة أمام الحصان. فالسياسة في حل النزاعات، لا تتأسس على الوعود بتسهيلات واستثمارات، وإنما العكس هو الصحيح، أي أن يتم التوصل إلى التسوية المتوازنة، التي يقوم عليها الفعل الاقتصادي الضامن للاستقرار. تماما مثلما هو الحال بالنسبة للأمن فقد كان من بين أهم أسباب فشل اتفاق أوسلو، أن الطرفين أرادا أن تقوم السياسة على الأمن، وليس أن ينبثق الأمن عن السياسة، بمعنى أن يعرف الطرفان ماذا يريدان ويتفقان استراتيجيا، ثم يتأسس الأمن الذي يحمي ما اتفقا عليه ( ).
• ويبدو ان الامريكيين اختاروا البدء من حيث يجب أن ينتهوا، ولعل هذا الخطأ في ترتيب أولوياتهم، يؤشر الى أن الولايات المتحدة لم تستطع تحقيق إجماع عربي على خطوات متفق عليها، لتنفيذ "صفقة القرن"، فلجأت إلى هذه المقاربة الأولى كبالون اختبار. إذ يصعب على أيٍ من العواصم العربية، التعاطي مع خطة للتسوية، تكون قد أسقطت فرضية قيام الدولة الفلسطينية، وأخرجت القدس الشرقية من التسوية، لصالح بقائها تحت السيادة الإسرائيلية.
• الخوض بالبعد الاقتصادي لمقترحات السلام الأميركية من دون التطرق للأبعاد السياسية سيكون خطأ استراتيجيا له ابعاده ولن يتمكن الأميركان من فصل النقاش الاقتصادي عن السياسي والأمني، لأن الالتزام الاقتصادي مرتبط بباقي مكونات عملية السلام في الشرق الاوسط. لذلك يمكن القول ان المقاربة الأميركية في البحرين، ليست أكثر من مشاغلة تكتيكية( ).
• مؤتمر البحرين يعيد التذكير بخطط “السلام الاقتصادي” التي روجها القادة الإسرائيليون من شمعون بيرس إلى نتنياهو. منذ زمن اتفاقات أوسلو في منتصف التسعينيات، طرح بيريز، الذي كان ملتزمًا بحرمان الفلسطينيين من الدولة والسيادة، أفكارًا مختلفة من أجل “السلام الاقتصادي”. وقد طرح بنيامين نتنياهو الموضوع نفسه، بدءًا من انتخابات 2009، وبتركيز متزايد ، لأنه خرج بشكل متزايد ضد الدولة الفلسطينية.
تأثيرات واحتمالات :
• طالما ان "صفقة القرن" لا تتضمن بصورة واضحة وحازمة انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين فانها بذلك ليست "مشروع تسوية" وانما خطة لـ "ادامة الصراع " و "تطبيع" العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، بما يتسق مع أهداف الإدارة الامريكية تجاه إيران ( ).
• فشل هذه الخطة سيتسبب في تشجيع المزيد من التشدد داخل “اسرائيل” مما سيقود الى ضم اجزاء واسعة من الضفة الى اسرائيل (المناطق c) ، وسيفتح الطريق لتنفيذ تطهير عرقي ضد سكان القدس الفلسطينيين وسيبقى الشعب الفلسطيني خاضع للاحتلال، ولنظام الأبارتهايد الإسرائيلي، ما سيؤدي إلى حشد الدبلوماسية الدولية ضد إسرائيل، ولذلك من المرجح أن “نتنياهو” يفضل إيجاد طريقة للحفاظ على الوضع الراهن، والذي تحتفظ فيه (إسرائيل) بالسيطرة الأمنية على الضفة الغربية بأكملها مع الاستمرار في عملية تفاوض طويلة الأمد مع السلطة الفلسطينية ( ).
• هذه الخطة ستعزز التطرف في المعسكر الفلسطيني والعربي وسيفسح المجال امام ايران والتنظيمات الراديكالية لتوسيع نفوذها في المنطقة اعتمادا على حالة الاحباط التي ستنشأ في اوساط الرأي العام العربي والاسلامي بسبب الممارسات العنجهية الامريكية وتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني ، وفرض "التطبيع" مع اسرائيل على دول المنطقة ، سيكون له تداعياته الخطيرة جدا على مستوى الامن والاستقرار الاقليمي. خاصة وان المقاربة الأميركية ركزت على إنهاك المنطقة، للقبول بالصفقة، ما ادى الى جعل الوضع الإقليمي يعاني من هشاشة وتوازن حرج قابل للانهيار، خصوصاً أنها متشابكة ومتصلة، سواء عبر فاعلين نافذين في الإقليم مثل إيران، أو بحكم تداخلات جيواستراتيجية كما بين ملفات سورية ولبنان والعراق، وكذلك الوضع في اليمن مع الخليج والقرن الأفريقي والبحر الأحمر( ).
• بعد أن نقل ترامب سفارة بلاده للقدس، واعترف بها عاصمة لإسرائيل، فإن الدول العربية تجد صعوبة بإعلان دعمها للأفكار الأمريكية؛ لأنها لا تستطيع تجاهل الرأي العام العربي والإسلامي، ولذلك لا توجد أي معطيات تشير إلى قرب إبرام صفقة القرن، فضلاً عن نجاحها، ومن المرجح الانتظار لحين إجراء الانتخابات الإسرائيلية والاعلان عن الائتلاف الحكومي، أي حتى نهاية العام الحالي، عندها ستدخل امريكا في أجواء الانتخابات، ما يدفع للاعتقاد بأن الإدارة المنشغلة في الحملة الانتخابية لن تغامر بطرح خطة للسلام في الشرق الأوسط، لن تجني من ورائها سوى الفشل ( ). ولذلك لجأت الادارة الامريكية الى المقاربة الاقتصادية من خلال الاعلان عن ورشة البحرين التي يبدو انها ستزيد من الانعزالية الأمريكية وتعقيد أي إمكانية للاعلان عن صفقة القرن أو بناء حلف اقتصادي سياسي قوي، وستخرج القرارات فارغة من المضمون وغير قادرة على تحديد مواعيد للتنفيذ، ما يعني أنها ورشة علاقات عامة.
• إنّ عدم إدراك ترامب وفريقه برئاسة صهره جاريد كوشنر لحقائق وتاريخ الصراع تجعلهم يتصورون أن الفلسطينيين يمكنهم أن يبيعوا حقوقهم وتطلعاتهم الوطنية مقابل وعد كاذب بتحقيق “الازدهار” تحت الاحتلال. فلا يمكن تصديق أن الهدف هو تحقيق استدامة أو ازدهار في ظل الإفقار المتزايد، وشن الحرب الاقتصادية على الفلسطينيين.
• صفقة القرن هي صفقة مستقبلية ، لن تطرح حلولا عادلة لقضايا الحل النهائى، ولكنها تعنى باحداث تغيرات جيوسياسية خطيرة يتم من خلالها إعادة تشكيل المنطقة وإعادة صياغة مفاهيمها وتشكيلاتها الديمغرافية والتاريخية. فالصراع العالمي بين الولايات المتحدة والقوى العظمى الاخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا، فاحتدام الحرب التجارية والاقتصادية وصولا الى مؤتمر شبيه بمؤتمر يالطا لتتم عملية رسم جديدة للحدود الاقتصادية والتجارية والسياسية ، ما يضع القيادة الفلسطينية أمام مسؤولية تحديد موقفها ، لأن النجاح في تثبيت وضع فلسطين ضمن خريطة الصراع الدولي هو أول شرط لافشال مخطط تصفية قضية فلسطين( ).
• إن “صفقة القرن” تعني أن الاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة الاميركية ومعها اسرائيل يتقدم في اتجاه السيطرة على منطقة “الشرق الاوسط”، وإيجاد ميزان قوى يجعل من رفض الصفقة أمراً متعذراً من ناحية، واعتبار الأمن الاسرائيلي هو الدالة المركزية للصفقة من ناحية ثانية.واصبح الواقع العربي مهيأ لمزيدٍ من التدهور والتفكك، ليس ذلك فقط بل سمح بتعاظم القوة الإسرائيلية والتمهيد لتطبيع مجاني مع الدول العربية، ثم تكوين حلف إسرائيلي أمريكي غير مسبوق يؤثر بالقطع في أحد جوانبه على الأمن القومي العربي.
توصيات
• رفض الصفقة يتطلب من العرب والفلسطينيين تبني طرحًا سياسيًّا بديلًا حتى لا يصل الوضع إلى طريق مسدود، خاصة مع الولايات المتحدة ، وخاصة من جهة توضيح مخاطر استمرار الوضع الراهن دون حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية يحقق أمنًا واستقرارًا حقيقيًّا في المنطقة. ومن ثم، فإن الجانب العربي مطالب بإعادة طرح رؤيته لتسوية الصراع من خلال تحديد مسارين رئيسيين؛ أولهما: إطار الحل، وثانيهما: آلية التنفيذ. الإطار هو المبادئ التي تضمنتها مبادرة السلام العربية، أما آلية التنفيذ فهي إعلان الاستعداد الفوري لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية دون شروط مسبقة، على أن تناقش هذه المفاوضات كافة القضايا دون استثناء، وعلى الجميع أن يمنح عملية التفاوض فرصة جديدة للتوصل إلى حلول قد تكون مقبولة من الأطراف ( ).
• التحديات الخطيرة تفرض ضرورة اعادة صياغة تحالفاتنا طبقا لتلك التغيرات؛ و ادارك أن المصلحة الوطنية الفلسطينية هى التى يجب أن تكون الأولوية وهذا يتطلب إعادة الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام واعادة ترتيب البيت الفلسطينى والنظام السياسي الفلسطيني استنادا إلى الإرادة الشعبية وعبر نهج ديمقراطي واضح التفاصيل يكون بمقدوره تحويل الفلسطينيين من نهج الدفاع إلى الهجوم ومن نهج المفعول به إلى طرف فاعل فى الصراع؛ لأن الرفض وحده للصفقة لم يعد يكفي، وعلينا اعتماد سياسة جديدة عملية على الأرض ( ) .
• التأجيل المتعمد للاعلان عن صفقة القرن نظرا لاعتبارات اسرائيلية داخلية ، والعقبات سابقة الذكر ، لا تعفي الجانب الفلسطيني من المسؤولية عن تدهور وتجرأ الفريق الامريكي على الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية ، فالانقسام الفلسطيني ، كان دافعا ومحركا قويا وراء تلك التجاوزات من الادارة الامريكية، وهو ما يتطلب الاسراع في اعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بصورة قادرة على مجابهة تلك التحديات الخطيرة القائمة ، ولا يجب اغفال عامل الوقت الذي لا يعمل لصالحنا ايضا ، والذي يبدو ان فريق صفقة القرن ونتنياهو ، قد اخذوا ذلك الامر في عين الاعتبار ، ولذلك فاننا نجد لزاما علينا ان ننبه لخطورة وضرورة ترتيب اوضاعنا الداخلية .
* د. يوسف يونس باحث مختص في الشؤون الإقليمية، نائب رئيس مركز الناطور للدراسات.
[email protected]