اعتقال الأطفال الفلسطينيين.. هدف للاحتلال الإسرائيلي

بقلم: عبد الناصر فروانة

لقد لجأ الاحتلال الإسرائيلي للاعتقالات بأشكالها المتعددة، وأنواعها ومسمياتها المختلفة، كأداة للقمع والقهر والعقاب الجماعي والانتقام من الشعب الفلسطيني، وبث الرعب والخوف في نفوس المواطنين وترهيبهم والسيطرة عليهم. واستخدم الاعتقالات وسيلة لإلحاق الأذى (الجسدي والنفسي والمعنوي) المتعمد بالمعتقلين، بغض النظر عن جنسهم وفئاتهم العمرية والاجتماعية. وجمع في سجونه ومعتقلاته، جميع المستويات والطبقات الاجتماعية الفلسطينية، وعانى من اعتقالاته كل شرائح المجتمع الفلسطيني، دون استثناء؛ بل إن الأطفال القُصّر أنفسهم، ظلوا عرضة للاعتقال.

إن كلمة (طفل) وفقاً للاتفاقيات الدولية تشمل كل من لم يتجاوز سن الثامنة عشرة من عمره؛ لكن لسلطات الاحتلال الإسرائيلي - في هذا الشأن - قاموسها الخاص: فالأطفال الفلسطينيون في نظرها - وبغض النظر عن أعمارهم- هم فئة مستهدفة بالاعتقال، شأنهم شأن الكبار، حتى وان كانوا أقل من الثانية عشر من عمرهم. فهي ترى فيهم مشاريع مقاومة وقنابل موقوتة مؤجلة الانفجار لحين البلوغ. لذا صعدت من اعتقالاتها للأطفال (ذكورا واناثا)، وعاملتهم بقسوة واستخدمت ابشع الاجراءات ضدهم، دون مراعاة لصغر سنهم وبراءة طفولتهم. وخلال السنوات الأربع الأخيرة ناقش وأقر الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) عدة قوانين تستهدف الأطفال، وتهدف إلى تسهيل اجراءات اعتقالهم وتشديد العقوبات بحقهم مثل: قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عاماً، قانون تشديد عقوبة الحد الأدنى على راشقي الحجارة في القدس، قانون رفع الأحكام بحق الأطفال راشقي الحجارة.

والسجون الإسرائيلية لم تخل يوما من تمثيلهم، وتفيد كافة المعطيات الإحصائية بأن سلطات الاحتلال اعتقلت منذ العام 1967 أكثر من خمسين ألف طفل قاصر تقل أعمارهم عن الثامنة عشر، بل أن هناك من اعتقلوا ولم يتجاوزوا العاشرة من أعمارهم. ومن بين هؤلاء سُجل نحو (16655) حالة اعتقال لأطفال فلسطينيين منذ بدء "انتفاضة الأقصى" في 28أيلول/سبتمبر2000، وحتى نهاية العام 2018. وقد وصل المعدل السنوي خلال العقد الماضي (2000-2010) إلى (700) حالة اعتقال سنويا، فيما ارتفع منذ العام 2011-2018 ليصل الى معدل (1250) حالة اعتقال سنوياً.. ولعل الأخطر استمرار الاعتقالات، حيث تم اعتقال نحو (400) طفل فلسطيني منذ مطلع العام الجاري2019، وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز قرابة (250) طفل في سجونها ومعتقلاتها.

ان طريقة اعتقال الأطفال، تبدو لافتة ومن الضروري ذكرها هنا، ألا وهي أن غالبية من تعرضوا للاعتقال من الأطفال إنما درجت سلطات الاحتلال على اعتقالهم من بيوتهم في منتصف الليل - كما هو الشأن في اعتقالات البالغين - حيث يدخل عدد كبير من الجنود إلى البيت، وبعد أن يكسروا الأبواب ويخربوا محتويات البيت وأثاثه، يقومون بالاعتداء على المعتقل وأسرته، بالضرب والشتم باستخدام أسوأ التعبيرات وأفحشها، ثم بعد كل هذه الانتهاكات المدروسة المتعمدة، يقوم الجنود بتكبيل يدي الطفل وعصب عينيه، قبل أن يجروه بقسوة إلى مكان مجهول، كل ذلك دون أن يكلفوا أنفسهم بإبراز أي أمر قضائي بالاعتقال، ودون أن يُعلموا ذوي الطفل بالمكان الذي سيقتاد إليه. وغني عن الذكر أن كل هذه الممارسات تخالف - بشكل فظ - اتفاقية حقوق الطفل، التي تقول: لا يجوز أن يُجرى أي تعرض تعسفي، أو غير قانوني، للطفل، في حياته الخاصة، أو أسرته، أو منزله، أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.

ويعاني الأطفال الفلسطينيون، المعتقلون في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال، فهم يعانون من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، ونقص الملابس، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، والانقطاع عن العالم الخارجي، والإساءة اللفظية والضرب والعزل، وعدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين، وحرمانهم من حقهم في التعلم. بالإضافة الى تعرض كافة الأطفال الفلسطينيين الذين مرّوا بتجربة الاعتقال وبنسبة 100%  لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، أو الإيذاء المعنوي والإهانة والتنكيل، وأن البعض منهم تعرض للضغط والابتزاز والمساومة، وبعض آخر منهم تعرض للتفتيش العاري والتحرش الجنسي والتهديد بالاعتداء الجنسي، وفي أحيان أخرى تحولت المستوطنات لمراكز للاعتقال والتحقيق والتعذيب.

ولا تتوقف السلطات العسكرية الإسرائيلية عند هذا الحد، في تعاملها مع الأطفال الفلسطينيين، فكثيرا ما استخدمتهم دروعا بشرية.

وبالإضافة لما ذكر أعلاه فان المحاكم العسكرية الإسرائيلية لا تراعي الأطفال وحقوقهم، أو طبيعة الإجراءات التي مروا بها منذ لحظة الاعتقال، أو الظروف التي واكبت انتزاع الاعترافات منهم تحت وطأة التعذيب، حيث يعتبرونها أدلة قانونية ويصدرون الأحكام بشأنها، والتي وصلت بحق بعض الأطفال الى السجن المؤبد (مدى الحياة). هذا بالإضافة الى فرض الغرامات المالية الباهظة، حيث أن غالبية الأحكام بحق الأطفال، ان لم نقل جميعها تكون مقرونة بفرض غرامة مالية.

هذا واستمرت سلطات الاحتلال بإصدار أوامر "الحبس المنزلي" بحق الأطفال المقدسيين، والتي تصاعدت وتحولت الى ظاهرة، وأن هذه القرارات تعتبر بديلاً عن السجن وتعني الإقامة المنزلية وتقييد حرية الأشخاص. ويُعتبر "الحبس المنزلي" إجراءً تعسفياً ولا أخلاقياً ومخالفةً لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. كما ويشكل عقوبة جماعية للأسرة بمجموع أفرادها التي تضطر لأن تَبقى في حالة استنفار دائم، حريصة على حماية ابنهم من خطر تبعات تجاوزه للشروط المفروضة. مما حوّل البيوت إلى سجون والأهالي إلى سجانين على أبنائهم الأطفال.

وأحيانا يكون القرار بإبعاد الطفل عن منزل ذويه، وفرض الإقامة في منزل أحد الأقارب في منطقة سكنية مختلة لزيادة المعاناة النفسية والأعباء الاقتصادية على عائلة الطفل.

لقد دفع الأطفال الأسرى ثمناً باهظاً، أثناء اعتقالهم وما بعده.  ومن يقرأ شهادات الأطفال يُصاب بالذهول والصدمة، ويكتشف أن غرف التحقيق والتعذيب، ليست سوى مسلخ للطفولة الفلسطينية وافتراس لكل ما هو جميل ورائع فيها، وأن كافة سجون الاحتلال ومعتقلاته، هي أماكن لتدمير واقعهم وتشويه مستقبلهم، وأن حقوق الطفل الدولية ليس لها مكان حينما يتم التعامل مع الأطفال الفلسطينيين.

ان اعتقال الأطفال يترك آثارا سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، إلا أن تلك الاعتقالات وما يصاحبها لم تنجح في التأثير على توجهات الأطفال ومواقفهم، فزادتهم كرها للاحتلال وغضبا عليه ورغبة في الانتقام منه. ودفعتهم للتمسك بحقوق أجدادهم وآبائهم، والمضي قدما نحو تحقيق أهداف شعبهم بالحرية والاستقلال.

وتخطئ دولة الاحتلال الإسرائيلي إن استمرت في اعتقادها أن تحقيق أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها سوف يتأتى عبر اعتقالها للمواطنين العُزل. أو أن استهدافها للأطفال واجراءاتها القمعية بحقهم سوف يستأصل روح المقاومة لديهم ويحميها من خطر ما بعد بلوغهم. فالأمن والاستقرار لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال.

 

 

بقلم/عبد الناصر فروانة

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

اسير محرر وباحث مختص بشؤون الأسرى

رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة الأسرى الفلسطينية

 

المصدر: بقلم/عبد الناصر فروانة -