أقل ما يتصف به مؤتمر البحرين بأنه مؤتمر اقليمي شرق اوسطي وهو ما عبر عنه كوشنير في كلمته بأن هذا المؤتمر غايته فكفكة الأزمات و نهضة الشرق الأوسط و حل القضية الفلسطينية حل عادل و ما بين المبادرة العربية و بين التصور الاسرائيلي ، نحتاج هنا للتدقيق في الجمل و الكلمات فأي حل عادل يمكن ان يقوم على أسس ترضي طرف تجمد اطروحات الطرف الاخر برغم ان المبادرة العربية في التصور الوطني للشعب الفلسطيني لا تلبي حاجياته التاريخية وعامودها حق العودة للاجئين ، فمن المنطق الغريب الذي تجاوزته منظمة التحرير و تجاوزه العرب بأن برامجهم نصت على اقامة الدولة قبل حق العودة او الاتفاق على اسس قانونية و تاريخية لهذا الحق بل اقامة الدولة على جزء من فلسطين كحل نهائي وباعتراف متبادل مع اسرائيل كان في قمة التنازل و كان لصالح اسرائيل التي بنت عليه استراتيجيتها بالدخول في مفاوضات اوسلو و استخدام عامل الزمن لقضم هذا التصور على طريق ماهو اقل من اوسلو و ما هو اقل من الارض .
الحقيقة ان مؤتمر البحرين يدخل في نطاق التصور لحل اقليمي و ليس حل وطني للشعب الفلسطيني تقتضيه مصلحة الاقليم في نطاق المنازعات و التوترات و الصراع الاقتصادي على المنطقة في ظل نمو سيطرة اليوان الصيني و الين الياباني على التعامل الذي يهدد سيادة الدولار فالقضايا كلها متشابكة وصولا الى الدعم الامريكي لخروج بريطانيا من السوق الاوروبية و منطقة اليورو لاضعافه ايضا ، انها حرب لسيادة الدولار واستمراريته على العالم و ان كان الصراع الان يتجسد في خصم اقليمي او عدو اقليمي يسمى ايران هكذا التصور ولكن في الحقيقة هو صراع على السيادة وضخ اموال ان حسبت بالشكل الغير مباشر فهي لسيادة الدولار في المنطقة و الذي لن يستقر الا بأمن اسرائيل و تعمقها الاقتصادي و الامني في المنطقة ، ونريد ان نذكر هن بأخر تصريح لترامب قائلا " بعدما ان اصبحنا من اكبر الدول المنتجة للنفط فلسنا بحاجة للخليج و على الصين و اليابان حماية ناقلاتهما في الخليج " اذا الفكرة الان هي وجود امريكا في المنطقة لخلق واقع شرق اوسطي اسرائيل احد اعمدته في ظل الصراع الاقليمي بين اسرائيل و ايران باستثناء تركيا .
المشكلة هنا " فلسطينيا " ان جميع القوى الفلسطينية اجمعت على رفض صفقة القرن ورفض مؤتمر البحرين في حين ان حل الدولتين اصبح مقتولا دوليا و اقليميا و هكذا كما قال كوشنير الرفض الفلسطيني لا يرقى على انه رفض اعمى لا يستند الى بدائل حقيقية سواءا تكتيكية او استراتيجية تعالج ازمات القضية والازمات الخانقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، تناول الرفض الوتر العاطفي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع امام قوى عالمية و مراكز دراسات و مستشارين اعدوا لما يسمى نهضة المجتمع الفلسطيني ضمن مشاريع عملاقة و مشاريع استراتيجية في حين كان الموقف واضحا في كلمة كوشنير عندما قال ان هذا الطرح لا يرتقي للتنفيذ الا بالحل السياسي .
الفلسطينيون تائهون في بحر عملية التيه لقيادته التي لا تعرف ماذا تريد في ظل اوضاع في غاية الصعوبة والازمات يعيشها الشعب الفلسطيني من فقر وبطالة و حصار واجراءات يقوم بها الاحتلال تخنق الشجر والحجر والبشر سواءا في الضفة او في غزة او في اراضي 48 ، بصيرة القيادة الفلسطينية تائهة التي عبرت عن رفضها فقط و كنا نتمنى ان يكون الرفض واقعا على الارض من خلال عدة خطوات و مواقف كان يجب ان تكون وتحدث عنها الكثيرون مثل اعادة وحدة ما تبقى من الوطن و تنازل الطرفين عن منهجياتهما الحزبية لصالح الوطن و دراسة ما تطرحه امريكا من موقع القادر على الرفض وخلق وصناعة الحدث والتغيير و المبادرة كنا نأمل ان يتنازل هؤلاء جميعا عن احلامهم ونرجسياتهم التي قادت المجتمع الوطني و المدني الى الهاوية التي تسللت اليها كل الاطروحات الاخرى ولكن ماذا بعد الرفض ؟!
و ما هو الجديد ، لازال الخطاب في رام الله يتحدث عن حل الدولتين في ظل واقع ينفي ذلك سواءا من الطرف الفلسطيني او الطرف الاسرائيلي وفي غزة شعب يقاوم و اصبحت مقاومته الان تحت ازمات الظروف المعيشية لسكانه في واقع ضاغط قزم متطلباتها و اهدافها الى صفقات مالية و بترولية فلا يمكن لشعب ان لا توفر له اساسيات العيش الذي نتحدث عنه بكرامة والذي لم يوجد بعد .
اذا الفلسطينيون الى اين سائرون يرفضون كل شيء رفضا اعمى وبصيرة تائهة وعاجزة عن خلق الجديد وخائبة في اطروحاتها والسؤال الموضوعي الان نحن نعيش كجزء صغير في هذا العالم في ظل صراعات ، اذا ماذا نمتلك من ادوات القوة في حين ان القيادة الفلسطينية عجزت ان تخرجت مظاهرات مليونية بل مئات من الافراد يتظاهرون واعلام خائب في طرحه مازالت ثقافة اوسلو و منهجيتها تؤثر عليه في التعاطي مع الحدث .
فعاليات خجولة غير مجدية و غير مؤثرة لتضع حجرا كبيرا في وسط قاعة المؤمر في البحرين هكذا هو الواقع اذا على ماذا ترفضون وماهي البدائل و على ماذا تعولون اذا لم تستطيعوا تعبئة الشعب الفلسطيني و القضاء على الفساد السياسي والسلوكي والمالي اذا على ماذا تعولون لرسم مستقبل الشعب الفلسطيني في ظل هذه الامواج المتلاطمة من رفض بعيدا عن اي خاصية تكتيكية او استراتيجية قد يعمل بها .
قد تكون اسرائيل ليست بحاجة لما تبقى من تلك الصفقة والسياسة الامريكية في عهد ترامب و ما قبل ترامب و كذلك اوروبا و المجتمع الدولي يعترفون بالوقائع على الارض ، اذا مجمل الضفة قد هودت واستطاعت اسرلاائيل وثقافة اوسلو صناعة و خلق فئة تؤمن بالتعايش في الضفة الغربية و اصبحت هذه الفئة تمسك سلاحا قويا من ملفات فساد وتعامل مع اسرائيل هذا هو سلاحها الذي تواجه فيه السلطة اما ما تبقى من صقة القرن فسيأتي ضمن قرارات اقليمية تغير واقع الشعب الفلسطيني من خلال مؤسسات مدنية و مجتمع مدني وقوى اقليمية ودولية ستتعامل مباشرة سواءا في الضفة او غزة مع الشعب الفلسطيني وبنيته التحتية .
اذا هل مازال هناك وقتا لتلك القيادة لتماطل ، وهل الرفض سينجي الشعب الفلسطيني من مأزق اعد له ويعيشه انها عقدة تلك القيادة التي تلعب في ايامها الاخيرة .
سميح خلف