الجنرالات عائدون... إيهود باراك إلى صدارة المشهد السياسي الاسرائيلي

بقلم: اماني القرم

تشهد اسرائيل حالياً أزمة سياسية داخلية بعد فشل نتنياهو في تجاوز عقبات بناء تكتل يستطيع به تشكيل حكومة، وحل الكنيست تمهيداً لاجراء انتخابات مرة أخرى في سبتمبر المقبل.. عقدة الأزمة تفاقمت قبل عدة ايام مع إعلان رئيس الوزراء السابق "إيهود باراك" في مؤتمر صحفي العودة للساحة السياسية على رأس حزب جديد ليخوض به الانتخابات القادمة، وذلك بعد سبع سنوات من اعتزاله المعلن عام 2012 ، حاملا ًشعاراً  واضحاً هو " نتنياهو الفاسد يجب ان يذهب". الأمر الذي ينبئ بمزيد من الزخم والاثارة على صورة التجاذبات والتنافرات السياسية في الداخل الاسرائيلي، ويضفي شراسة متوقعة للمعركة الانتخابية ويوجه ضربة موجعة لكل من نتنياهو المتهم بالفساد و بيني جانتس زعيم حزب "أزرق/ أبيض" الذي حاول ولم يفلح. العجيب أن الاحتفال الاعلامي بعودة باراك سلباً كان أم إيجاباً أظهر أن الخصوم السياسيين في اسرائيل متفقين على شيء واحد هو أن عصر نتنياهو قد امتد أكثر من اللازم وأن الوقت قد حان لتغيير الوجوه .. 

ايهود باراك شخصية لا يستهان بها في تاريخ الكيان، فهو يوصف "إسرائيليا" بأنه الجندي صاحب الاوسمة الأكثر على مدار تاريخ دولتهم، والشخصية السياسية المخضرمة، ذو ذكاء شديد (بكالوريوس في الرياضيات وماجستير في النظم الاقتصادية الهندسية)،  وقدرات متميزة على المناورة والجذب وتشكيل التكتلات الانتخابية كما أظهرت نتائج انتخابات 1999 التي جاءت به رئيسا للوزراء وأطاحت بنتنياهو.

فيما يحفظه الفلسطينيون عن ظهر قلب كمشارك ومسئول عن الاغتيالات الاشهر للقادة كمال ناصر، يوسف النجار، كمال عدوان، خليل الوزير، ودلال المغربي . وفي عهده بدأ لأول مرة قصف الفلسطينيين في رام الله وغزة بالطائرات !!

عين باراك تتجه صوب كرسي رئاسة الوزراء وليس أقل من ذلك، فهل من الممكن أن يتكرر مشهد عام 1999 مرة اخرى فيطيح بنتنياهو للمرة الثانية ؟؟

هناك ثلاثة مؤشرات يمكن أن تؤدي الى نجاح ايهود باراك :

الأول: الفوضى التي يعيشها الوسط السياسي في اسرائيل، حيث تصاعد حدة الصراعات والاستقطابات وحالة الابتزاز التي تسيطر على الاحزاب المتنافسة والتي عكستها بوضوح نتيجة الانتخابات السابقة حيث لم ينجح أحد ! وفشل تكوين ائتلاف لتشكيل الحكومة . الأمر الذي يستدعي استحضار شخصية مخلصة تستطيع انقاذ النظام السياسي الاسرائيلي من الضبابية والأزمة التي يمر بها.

الثاني: فشل بيني جانتس في ملء الفراغ القيادي لاحزاب الوسط واليسار من جهة، وفي تقديم نفسه بديلاً لبنيامين نتنياهو من جهة أخرى. بمعنى أنه يفتقد للقدرة على صياغة خطاب وخطة سياسية واضحة المعالم والأهداف تبرز مساره وتوجهاته الخاصة دون مواربة أو إلحاقها بتوضيحات. مما شكك من قدراته وأرجع مسيرة نجاحاته الى الحظ فقط!  

الثالث: الملف القضائي الأطول في اسرائيل وهو ملف اتهامات نتنياهو بالفساد. وهو بلا شك القضية الأشد سواداً التي أدت الى ما آل اليه الوضع الداخلي هناك لما صاحبها من محاولات اخفاء وهجوم وتلاعب، وأثرت سلباً على حزب الليكود في الانتخابات السابقة ، وباتت مدخلاً لابتزاز نتنياهو من قبل خصومه وحتى شركائه المحتملين. 

في المقابل هناك تحديات واقعية بها أمام مسار باراك الانتخابي في الوقت الحالي : فالظروف جدّ مغايرة لما كانت في العام 1999 وضمنت له الفوز .  حينها كان مشروع السلام يراود الحالمين في الشرق الاوسط والقادة العالميين . ولم يكن نتنياهو بالشخصية الملائمة عالميا في تلك الايام، فقد اتهم باشعال جبهة الجنوب اللبناني وتأخير العملية السلمية وتوتير العلاقات الامريكية الاسرائيلية بقيادة بيل كلينتون الذي ألقى بكامل ثقله لتحقيق حلم السلام!  

بينما اليوم... إسرائيل في أوج قوتها الشرق أوسطية بحماية إدارة امريكية صهيونية، و قنوات اتصال وتعاون مباشرة ومتزايدة استخباراتياً وعسكرياً مع العرب ، وأجواء مهيئة لسلام تطبيعي معلن دون الفلسطينيين الذين يعانون من تهالك الوضع الداخلي والخارجي!  فيا ترى هل  يصح تكرار المشهد؟

ثلاثة مواضيع ستكون محور حملة باراك الانتخابية المقبلة : الدولة الفلسطينية / حماس / والفساد.  وجميعهم  كفيل بالاطاحة ببنيامين نتنياهو.  

بقلم/ د. أماني القرم