وجهاتُ نظرٍ إسرائيلية حولَ ورشةِ البحرين

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

تماماً كما كل الفلسطينيين في عموم الوطن ومخيمات اللجوء والشتات، وقطاعاتٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ واسعةٍ، فقد تابع الإسرائيليون عامةً جلسات ورشة البحرين الاقتصادية، وراقبوا عن كثبٍ الكلمات التي ألقيت فيها، ورصدوا تصريحات المشاركين، وانتبهوا إلى اللقاءات الجانبية والجلسات الثنائية، والمصادفات الهامشية، والحوارات المنظمة والعرضية العابرة بين المشاركين الإسرائيليين وممثلي الدول العربية، وأخضعوا كل تلك التفصيلات الصغيرة للتدقيق والدراسة، والوزن والتقدير، إذ أن لكلٍ منها حسب رأيهم وزنها في السياسة، وأثرها في المزاج العربي العام، وانعكاساتها على الصراع العربي مع الكيان الصهيوني.

وزاد من قيمة الآراء الإسرائيلية ورفع من قدرها في القاموس السياسي، أن جل المراقبين الإسرائيليين كانوا من كبار الكتاب والصحفيين ورجال الإعلام، ومن ضباط الأمن والجيش المتقاعدين، وكلهم من أصحاب الخبرة والكفاءة، ممن يحسنون قراءة الأشياء كما ينبغي، وممن يقدرون التفاصيل خير تقدير، فلا يهملون صغيرةً ولا يعرضون صفحاً عن مصافحةٍ أو سلام، أو تحيةٍ ولقاءٍ، ولهذا فإننا نرى أهمية كبيرة لوجهات نظرهم وإن كانوا أعداءً، وقيمة كبيرة لآرائهم وإن خالفتنا أو وافقتنا، إذ أنهم يتميزون بالجرأة والصراحة، والوضوح والمباشرة، وعندهم ما ليس عندنا من حرية الرأي والتعبير، فهم لا يخافون من سلطةٍ تتغول عليهم، ولا من سلطانٍ يزج بهم إن خالفوا رأيه في سجونه ومعتقلاته.

كثيرٌ من الإسرائيليين وصف المؤتمر بأنه فاشل، ونعت القائمين عليه والمنظمين له بالفشل، كون الفلسطينيين قد قاطعوه ولم يشاركوا فيه، واعتبروا أن الغياب الفلسطيني عنه أفقده أحد أهم مقومات نجاحه، وجعل من جلساته ترفاً لا قيمة لها، وثرثرةً لا من يسمع لها أو يصغي إليها، إذ نجح الفلسطينيون في مقاطعته وتشويهه، وجعلوا منه إفكاً نجساً وعملاً قذراً، وتمكنوا من إحراج الأنظمة العربية التي كانت ترغب في المشاركة، فامتنعت عن الحضور واعتذرت، وألجموا المشاركين منهم ووضعوا حداً لاندفاعهم.

ووصف الإسرائيليون الحملة الإعلامية التي سبقت الورشة بأنها كانت كاذبة ومخادعة، وأنها جاءت للتمويه على حالة اليأس التي شعر بها المنظمون، والعجز الذي وجده مهندسو الصفقة في التواصل مع السلطة الفلسطينية والفلسطينيين عموماً، وانتبهت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الإعلام العربي كان غائباً عن الورشة فعلياً، وأن حضور الوسائل الإعلامية التابعة لبعض الدول المشاركة، لم يؤهلها لتوزيع الخبر ونشره، ولم يمكنها من تعميم الأفكار والترويج لها، بل بقيت لدى الفلسطينيين وغالبية العرب بذوراً لمشروعٍ مشوهٍ، وأفكاراً لحلٍ ممسوخٍ.

ورأى آخرون أن ورشة البحرين لم تكن من أجل الفلسطينيين، ولا هي محاولة لخلق مشاريع اقتصادية لهم، وبنى تحتية لتسهيل حياتهم، كما لم تكن لمساعدة "دولة إسرائيل" فيما يتعلق بأزمتها مع الفلسطينيين، بل كان الهدف منها خلق تحالفٍ قوي ضد إيران، وتحسين أوراق نتنياهو الانتخابية ليفوز في الانتخابات المقبلة، ويساعد بعض الأنظمة العربية "السنية" في بناء تحالفٍ دوليٍ قوي وفاعل لمواجهة إيران، وليكون هو المفاوض باسمهم لدى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ورأى إسرائيليون أن محاولة بعض المسؤولين العرب تحسين صورة "إسرائيل"، وتقديمها إلى المواطنين العرب بصورةٍ أفضل، قد باءت بالفشل، ولم تنجح في تسويق السياسة الإسرائيلية، بل إن المواطنين الإسرائيليين لم تعجبهم شخصية من دافع عنهم، ورأوا أن صورته كانت تبعث على النفور قبل الإصغاء لكلماته، وقد كان جديراً بمنظمي الورشة أن يختاروا غيره ليحسن رسم صورة "إسرائيل" الجميلة.

ورون أن الركض وراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته لن يجدي "دولة إسرائيل" نفعاً، سوى أنه قد يسكن الألم قليلاً، أو يؤجله لفترةٍ قصيرة، وسيجعل الحكومة وقادة الجيش ينتشون بنصرٍ زائفٍ، وسلامٍ وباردٍ، وهدوءٍ مقلق، لأن الفلسطينيين عموماً يرون في هذا الفريق الذي يرأسه كوشنير أنه يعمل لصالح "إسرائيل" فقط، ويخدم دولاً في المنطقة مقابل عمولةٍ وأجر، وهو لا يفكر في الفلسطينيين ولا يعمل لصالحهم، وقد علمتنا تجاربنا السابقة مع الفلسطينيين أن مدخل السلام معهم سياسي وليس اقتصادي، إذ فشلت كل مشاريع سلام فياض الواعدة، كما غارت رفاهية نتنياهو الاقتصادية للمناطق الفلسطينية.

إذا كان هذا هو رأي الإسرائيليين في ورشة البحرين ومنظميها، وموقفهم من صيغة الحل المقترح ومدخله، وتقديرهم السلبي لنتائجه ومخرجاته، وحكمهم عليه بالفشل والعجز، فما بال بعض الأنظمة العربية تتمسك به وتدعو له، وتصر عليه وتقاتل من أجله، وهو في أصله تفريطٌ وخيانةٌ، وتنازلٌ واستسلام، وهم يعلمون أن الفلسطينيين قد توحدوا على رفضه، واتفقوا على مواجهته، وأصروا على إسقاطه، أليس في موقف العدو منه ما يدعونا إلى التفكير والتأمل، وإلى التريث والتأني، فهم رغم عداوتهم عقلاء، وفي قراءتهم للصفقة حكماء.

 

د. مصطفى يوسف اللداوي

بيروت في 3/7/2019