ثمة ما هو موجود في التاريخ وما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية ما يشير فعليا على ان قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى ، بل كان هناك من الأنظمة من يحاول أو حاول ان يطبع واقع فلسطين بتوافد المستوطنين وهنا لا اكتفي بمن أتى من أوروبا واسيا وغيره بل أركز هنا على استقطاب اليهود إلى فلسطين ليصبحوا كمستوطنين واتين من الدول العربية ، بعض الأنظمة لعبت دورا مهما في إرسال أكثر من 40 % من تعداد ما يسمى دولة إسرائيل وهم يهود عرب ، المهم هنا كتب التاريخ قالت الكثير حول ذلك ووعود أيضا بإعطاء الاستقلال لبعض الدول العربية مقابل قبول إنشاء ما يسمى دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية .
التطبيع كان أمرا واقعا بقبول فكرة وجود هذا الكيان على الأرض الفلسطينية ، ولكن ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ومن أهم نتائجها تعدد القطبية في العالم كانت هناك الثورات العربية والدولة الوطنية التي كانت لها علاقة بالفكر القومي العربي التي رفعت شعار فلسطين كقضية العرب الأولى ولكن كانت إسرائيل في ذاك الوقت تسير قدما في تكريس وجودها وتقدمها وتسليحها وخاضت عدة حروب مع الأنظمة العربية التي هزمت أمام القوة الإسرائيلية لأسباب موضوعية وذاتية أيضا باستثناء حرب أكتوبر التي انتصر فيها الجيش المصري وكانت الهزيمة سياسية انتجت كامب ديفيد وزيارة القدس وإخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي التي بعد خروجها أصبح الصراع يعرف سياسيا وإعلاميا « الصراع الفلسطيني الإسرائيلي « هذا الشعار المقرون بتفشي الإقليمية والقطرية في واقع الأنظمة العربية .
كانت الاتصالات مع الإسرائيليين في وقت كان يوصف فيه أي اتصال بالجريمة والخيانة تجري من تحت الطاولة ، ربما لان الشعوب العربية تمتلك كثيرا من الحاسة بخطورة هذا الكيان الغازي للأرض العربية ولأرض فلسطين ، كانت الأنظمة بحاجة ان تلمع وطنيتها بالاستناد إلى مشاعر الجماهير والشعوب نحو القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، ولكن يبدو أنه مع الانحراف السياسي وتفشي القطرية والإقليمية المواكبة لحملة إعلامية وتزوير تاريخي وثقافي موجه يدين الفلسطينيين في مأساة النكبة ما قبلها وما بعدها قد كان وجبة غنية جدا لان تنطلق كثير من الأنظمة إلى علنية الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل .
كان في القرن الماضي كما قلت تعدد القطبية وكانت في ذاك الوقت أوروبا الشرقية هي المساندة للحقوق الفلسطينية والثورة الفلسطينية تدريبا ودعما دبلوماسيا وسياسيا وتسليحا وكانت الهند وإفريقيا أي ما يعادل أكثر من 140 دولة لا تعترف بإسرائيل وتعترف بالحق الفلسطيني ، ولكن ماذا تغير ؟ !
في عام 2002 كانت المبادرة العربية التي تقول الأرض مقابل السلام والتطبيع مع إسرائيل وإقامة العلاقات واليوم نتنياهو وآخر تصريحات له يقول: « التطبيع مع الدول العربية غير مرتبط بالحل السياسي مع الفلسطينيين « واقع المنطقة قد تغير وإسرائيل التي كانت عدواً للأمة العربية ربما أصبحت الآن هي قوة أساسية في مواجهة عدو مصطنع جديد اسمه إيران ، هنا لا ننكر ان إيران لها طموحاتها الإقليمية وربما وبالعقل وبالموضوعية كل دولة تبحث عن أمنها الإقليمي والقومي ومن حقها ذلك ، وهنا هل إيران مسؤولة عن الضعف العربي؟ وهل إيران هي المسؤولة عما يسمى الربيع العربي ؟ وهل إيران هي المسؤولة عن رداءة وسوء الثقافة التي تلقن بها الشعوب العربية ؟ ، طموح إيران معاكس لطموحات الأمة العربية والقومية العربية هذا صحيح ، ولكن من المسؤول عن ذلك ؟ هل إيران هي المسؤولة عن تهويد القدس أم هناك أطراف فاعلة ساعدت على الأقل في عملية التهويد واحتلال للأرض الفلسطينية منذ أكثر من 70 عاماً؟
للأسف نحن نضع الذرائع والمبررات والتعاليل لسقوط عربي ولسقوط نظام سياسي فلسطيني وفشل ثورة وفشل قيادة ثورة . إذا كان السادات قد أعلن عن زيارة القدس في 1977 فان قيادة منظمة التحرير قد باشرت بالاتصال بالإسرائيليين عبر وسطاء دوليين واستمر تطور الاتصالات مع الإسرائيليين إلى مدريد إلى وثيقة جنيف التي باركها مثقفون ونخب فلسطينية وأكاديميون وكانت وادي عربة ، نعم ان التطبيع الأمني والسياسي ما كان لينجح إلا بتطبيع ثقافي أكاديمي ، السلطة الفلسطينية تعين عضو لجنة مركزية للاتصال بالمجتمع الإسرائيلي ، هناك تبادل وتطبيع بين أكاديميين فلسطينيين وعرب مع إسرائيل وتبادل منافع مع مقاولين فلسطينيين ورجال اعمال ، ومنذ ايام اعلن الرئيس الفلسطيني ان مباحثات اسلو لم يعلم بها الامريكان لمدة سبعة شهور من بدايتها ، وكما هو معروف ان الاتصال بالاسرائيليين توقف على نهج فقط في فتح في حين غالبية قيادها لم تعلم بها وان عرفت ظواهر حادثة قد تؤدي للخسارة والاستسلام والتنازل ، هناك حضور فلسطيني لمؤتمر بيريس للسلام وهذا المركز الذي يبني ويضع السياسة الإستراتيجية لإسرائيل يحضره وزراء ونخب فلسطينية .
البعبع الإيراني والتدخل الإيراني ربما هو إستراتيجية لعبت على تغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط لدفع العرب لقبول إسرائيل ككيان أساسي في حلف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران ومن هنا كان التبويب لهذا الحلف ومن أهم نتائجه إعلان ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل.
هناك تطبيق فلسطيني تمارسه السلطة ورجال الأعمال والمقاولون في المستوطنات الإسرائيلية ، هناك تطبيع ثقافي تمارسه السلطة لقبول إسرائيل سيكولوجيا من قبل الشعب الفلسطيني ، لقد كان موازيا لهذا النشاط تطبيق ثقافي للنخب العربية فإننا نسمع من هذه الدولة أو تلك بعض الكتاب أو الإعلاميين يدحضون فكرة بان فلسطين للفلسطينيين ويطعنون في التاريخ وهناك من هم أكثر تشنجا ويدعون لقتل الفلسطينيين وهناك بعثات رياضية وغير رياضية مع الإسرائيليين . إذا التطبيع ليس سياسيا فقط ان قام نتنياهو بزيارة عمان أو البحرين أو رئيس تشاد قد زار تل أبيب فهذه الزيارات شكلية وتحصيل حاصل لتطبيع اكبر وأضخم وأعمق ، الشعوب أمام لوحة أمنية عسكرية تقود الشعوب بالعصا لقبول مفاهيم التطبيع والسلطة الفلسطينية احد أركان هذا المشروع ألاعترافي التطبيعي ، فكيف بالله سلطة أتت من نتاج ثورة كان هدفها تحرير فلسطين إلى تبني برنامج الاعتراف بإسرائيل كدولة جارة وصديقة !
إذا العرب لديهم الذرائع جاهزة وأقوال مسجلة عبر أوراق التاريخ صنعها سياسيو وبعض نخب فلسطين ، إذا ماذا نقول للعرب أو غير العرب ؟ هل نستطيع ان نجردهم من ذرائعهم .. كان من الممكن ولكن بإنهاء الانقسام وإعداد البنية التحتية للشعب الفلسطيني ثقافيا واقتصاديا وامنيا وقبول كل ما ترتب على ذلك من مواجهة بوحدة وطنية وبرنامج واحد ينهي حقبة التنازلات والاعتراف ويضع الشعب الفلسطيني في مواجهة مباشرة مع ما يسمى وجود دولة إسرائيل فالصراع الديموغرافي حتما سيكون واقعا والصراع الحضاري أيضا والتاريخي، هكذا تقول التجربة التاريخية للشعوب إذا ما كانت قد تنبهت النخب والمثقفون والأكاديميون بان التطبيع مع إسرائيل ليس نهاية المطاف بل سيبقى الصراع فالدموغرافيا هي القوة التي يتسلح بها الفلسطينيون بعيدا عن معادلات الأمن والاقتصاد والتابع والمتبع والمصالح التي قد تكون معاكسة لحركة الجماهير والشعوب.
سميح خلف