لا اعتقد بأن ما يجري في مدينة القدس بمعزل عن ضرب الحالة المعنوية للمقدسيين،وتفكيك وحدة نسيجهم الوطني والمجتمعي،للوصول بالحالة المعنوية والعقل المقدسي الى حالة تقبل بها بشرعنة عمليات البيع والتسريب للعقارات والأراضي للجمعيات الإستيطانية والتلمودية ....ويترافق ذلك مع هجمة شاملة على كل مظاهر الوجود الوطني الفلسطيني في المدينة،بمنع أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية على المدينة،والقيام بعمليات تطهير عرقي كبيرة وواسعة كما يحدث في واد الحمص وواد ياصول وبطن الهوى وواد الربابة وكبانية ام هارون وكرم الجاعوني في الشيخ جراح وغيرها...كل هذه الحرب تحتاج الى برنامج مواجهة شامل قائم على استراتيجية واضحة تعتمد في تنفيذها على آليات وادوات تنفيذية فاعلة ...تستثمر كل الطاقات والإمكانيات الموجودة بعيداً عن النظرات الحلقية الضيقة حزبية وعشائرية وغيرها ....فنحن امام حرب شمولية على وجودنا في المدينة،وما نحتاجه من لملمة لكل الجهود المشتتة والمبعثرة من اجل القيام بخطوات المواجهة والتصدي للمشاريع المستهدفة إقتلاعنا وطردنا وتهجيرنا ...والتي وصلت حد قول رئيس وزراء الإحتلال نتنياهو في تغريدة له بان أصولنا كفلسطينيين ترجع الى جنوب اوروبا ....وأعتقد جازماً باننا نحتاج الى فعل وممارسة لحماية هذا الوجود ومنع الإقتلاع..
الكثير من الأخبار احياناً وما ينشر على مواقع التواصل الإجتماعي،او حتى من قبل وسائل الإعلام،يخدم الى حد كبير الرواية الإسرائيلية،بحيث لا يجري التدقيق في الخبر المنشور والهدف منه،ولماذا جرى نشره أو صياغته بهذه الطريقة أو تلك.
الإحتلال لديه طواقم كبيرة جداً،تشارك في الترويج للفكرة او الخبر الذي يجري نشره او بثه،وبما يشعرك بأنك في حالة عجز او هزيمة كاملة،وغالباً الخبر المنشور يحمل اهدافاً خبيثة،فعلى سبيل المثال لا الحصر قبل فترة تداولت وسائل الإعلام واجهزة المخابرات الصهيونية وحتى وزير الأمن الداخلي الصهيوني،خبر قيام مواطن فلسطيني من بلدة دير قديس برام الله بإغتصاب طفلة صهيونية لم يتجاوز عمرها سبع سنوات،وهذا عمل بحد ذاته مقزز ويعبر عن وحشية وشهوانية حيوانية بوهيمية،وقد تجند الكل الصهيوني وسائل اعلام،شرطه،مخابرات ،مواطنين،في بث ونشر رواية المخابرات الصهيونية،ووصف الفلسطينيين بأقذع الآلفاظ والأوصاف،ولكن من خلال سير التحقيقات،إتضح بان القصة مختلقة ومفبركة من ألفها الى يائها،وهذه ليست القصة الأولى ولا الأخيرة التي تفبركها المخابرات الصهيونية والجمعيات التلمودية والتوراتية،وفي إطار تسريب العقارات والممتلكات، في الفترة التي جرى فيها تسريب بيت أديب جودة في البلدة القديمة من القدس،انتشرت وسرت شائعات كثيرة،عن عشرات البيوت والعقارات المقدسية المسربة والمهددة بالإستيلاء عليها من قبل الجمعيات التلمودية والتوراتية،ومن ضمن ذلك كان الحديث والمنشورات والبوستات التي "اتخمت" بها صفحات التواصل الإجتماعي،عن تسريب عقار في رأس العامود للمواطن يوسف أبو صبيح،وبان المستوطنين،قد إقتحموه واستولوا عليه،ولكي نجد بان ذلك لا يمت للحقيقة بأي صلة،فالبيت جرى وقفه،ولم يجر بيعه أو تسريبه.
نحن لا ننكر كأي شعب يقع تحت الإحتلال،ولمدة طويلة،بأن هناك من يخون ويتساقط ،ويتجرد من قيمه الوطنية والأخلاقية والدينية،وهناك من يدخل في أزمات مالية ومجتمعية،نتيجة الإدمان على الرذيلة او الآفات الإجتماعية من مخدرات ومسكرات وغيرها،وكذلك أحياناً تكون الخلافات الأسرية والعائلية على ميراث أو عقار،سبباً لخلق أزمة كبيرة،يصل الحد بها عند البعض كنكاية بأفراد أسرته او عائلته،بالذهاب الى أسوء الخيارات والغوص في مستنقع الخيانة،بالعمل على بيع عقاره أو بيته لجمعيات إستيطانية وتلمودية.
ولكن انا اجزم بأنه لو تعرض شعب آخر لما تعرض ويتعرض له شعبنا الفلسطيني،ربما تفكك وانهار بشكل كلي او تبخر،كما هو حال الهنود الحمر،ولكن لا يفهم من كلامي هذا بأنه شكل من أشكال التبرير أو قبول ما يجري والتستر عليه،وتشجيع الآخرين على مثل هذا الفعل ،فلا مناص بعد عمليات التوعية والتثقيف والمتابعة والملاحقة والتحذير،من أن تكون هناك اجراءات وخطوات عملية،لكي تمنع وتردع الاخرين من السير على نفس هذا النهج والخيار،ولعل العقوبات الإجتماعية والدينية،بالمقاطعة في الأفراح والأتراح وأية مناسبة إجتماعية اخرى،وكذلك الحرمان من الدفن في المقابر والصلاة على المسرب والبائع في الجامع والمسجد،قد تكون شكلاً من أشكال الردع،ولكن لا بد من مساءلة ومحاسبة من نوع آخر تؤدي الى الردع.
ما دام هناك إحتلال موجود،فالصراع مستمر ومتواصل،في حالة من الإشتباك بأشكال وتجليات مختلفة،ولذلك في تركيز الإحتلال وجمعياته التلمودية والتوراتية للسيطرة على أكبر قدر من الأراضي والعقارات في مدينة القدس،فهناك هدف واضح يسعى له المحتل تهويد المدينة فوق الأرض بالإستيطان،وتحت الأرض بالأنفاق،وفي الفضاء عبر القطار الهوائي،ولذلك معركته للسيطرة على عقاراتنا وأراضينا بشتى الطرق والوسائل،جزء من الصراع على هوية المدينة،ولذلك يجب ان لا يغيب عن بالنا أبداً،بان الإحتلال يستهدف ضرب حالتنا المعنوية في القدس،وتطويع وعينا وذاكرتنا للقبول وتشريع عملية التسريب والبيع لعقاراتنا وأراضينا للجمعيات التلمودية والتوراتية،وبما يحدث شرخاً كبيراً في جدار بيتنا وطنياً ومجتمعيا ًوكأن المحتل يريد أن يظهر أبناء شعبنا في المدينة،بأنهم سماسرة وتجاراً وبائعي أراضي،لكي يعبد مشروعه التطبيعي العلني مع النظام الرسمي العربي المنهار.
فلسطين – القدس المحتلة
9/7/2019
بقلم/ راسم عبيدات