تتجه الأوضاع في ليبيا نحو مزيد من التفاقم والتعقيد في ظل إصرار أطراف إقليمية ودولية على تحويل هذا البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات فيما بينها، وذلك من خلال دعم كلّ منها لهذا الطرف أو ذاك، وهو ما كرّس وجود سلطتين وحكومتين متنافستين ومتعاديتين بين غرب البلاد وشرقها، وأطاح حتى الآن بكلّ الاتفاقات والمحاولات التي بذلت لإيجاد مخرج سياسي وصيغة تسووية لحلّ الأزمة.
وإذا كان التدخل الخارجي والصراع على السيطرة والنفوذ في ليبيا يتمّ عادة عبر استخدام أسلوب «الحرب بالوكالة»، ودعم أدواته المحلية، فإنه بات يُخشى في الآونة الأخيرة أن يتحول إلى تدخل وحرب مباشرة بين الجهات الإقليمية والدولية المعنية.
وقد برز في الأيام الأخيرة التدخل التركي السافر في الأزمة الليبية، على خلفية التهديدات المتبادلة بين أنقرة والمشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني الليبي»، حيث حذر وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، من أنه سيتم الرد بقوة على أي «عدوان تشنه القوات التابعة لحفتر في ليبيا على أهداف تركية». ونقل عن آكار قوله: «سيكون هناك ثمن باهظ جداً لأي موقف عدائي أو هجوم، سنرد بالطريقة الأكثر فاعلية والأقوى».
تهديدات متبادلة
وكان حفتر هدّد باستهداف «أي تواجد عسكري تركي»، وأمر قواته باستهداف سفن وشركات تركية، وحظر الرحلات من وإلى تركيا وتوقيف الرعايا الأتراك في ليبيا. وذلك بعد أن اتهم تركيا بتقديم الدعم لـ«حكومة الوفاق الوطني»، التي يترأسها فائز السراج. بينما بدأت السلطات في شرق ليبيا حملة لـ«مقاطعة تركيا اقتصادياً»، وشملت الحملة إغلاق محلات ومطاعم تركية في مدن الشرق الليبي، وتغيير أي لافتات دعائية لأسماء أو شركات تركية، وتوقيف «رعايا أتراك».
وفي المقابل، فقد ساندت حكومة السراج تركيا في «مواجهتها ضد حفتر»، وحمّلت الأخير «المسؤولية الكاملة عن أي ضرر يلحق برعايا أي دولة أو يمسّ بمصالحها على الأراضي الليبية»، واعتبرت أن تهديداته بمثابة «إعلان حرب على تركيا، وضرباً للعلاقات المشتركة مع دولة تتعاون معها ليبيا في مجالات كثيرة». وهددت بأن «أي أعمال عدوانية أو هجمات ضد أصدقائنا وعلى رأسهم الأتراك تعتبر إضراراً بأمننا القومي وستتم مجابهتها بكل حزم وقوة».
معركة السيطرة على العاصمة
وجاءت التهديدات الجديدة بعد أن استعادت ميليشيات موالية لحكومة «الوفاق» التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، مدينة غريان (التي كانت قوات حفتر سيطرت عليها في إطار معركة أعلنتها في نيسان/ أبريل الماضي للسيطرة على العاصمة)، عقب هجوم مفاجئ شكل «ضربة موجعة للجيش»، الذي اتهم تركيا بالوقوف خلفه من خلال «الدعم العسكري واللوجتسي الذي تقدّمه للميليشيات».
واتّهم الناطق باسم قوات حفترأنقرة بـ«التدخّل في المعركة مباشرة: بجنودها وطائراتها وسفنها»، ووفقاً له، فإنّ «إمدادات من الأسلحة والذخيرة تصل مباشرة إلى قوات حكومة الوفاق عبر البحر المتوسط».
وفي المقابل، رأى «المجلس الأعلى للدولة» بطرابلس أن تهديدات حفتر لتركيا محاولة لـ«تبرير الهزيمة في غريان، وإيجاد ذرائع إضافية لتدخلات الدول التي تساند حفتر، وتدعم بصورة مباشرة الحروب التي يشنها». ونفت وزارة الداخلية بحكومة السراج وجود عسكريين أتراك داخل الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، ووصفت هذه الادعاءات بأنها «محاولة للتضليل على انتصارات قواتها التي تحققها ضد قوات الجيش الوطني».
انعطافة في «آليات» الصراع
وفي الواقع، سبق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأكد أن بلاده «توفّر أسلحة لحكومة الوفاق بموجب اتفاق تعاون عسكري بين أنقرة وطرابلس»، متجاهلاً «حظر التسليح الدولي المفروض على ليبيا منذ 2011». وقال للصحافيين في العشرين من حزيران/ يونيو الماضي، إنّ الدعم العسكري التركي سمح لطرابلس بـ«استعادة توازن الوضع بمواجهة الجيش الليبي».
وقال مراقبون إن اختلال موازين القوى بين تركيا والجيش الليبي، قد يدفع حلفاءه، ولاسيما مصر، إلى دعمه بمسوّغ «منع سيطرة مجموعات إرهابية على طرابلس». ويرى هؤلاء أن تزايد التدخل التركي في ليبيا سيعمل على «زعزعة استقرار شمال أفريقيا، ويهدد بإطالة أمد الصراع الليبي».
فهل يمكن أن تفتح هذه التطورات الباب لانتقال «حروب الوكالة» والصراع على النفوذ والسيطرة وتصفية الحسابات بين الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي إلى حروب مباشرة فيما بينها، علماً أن هذا الصراع لا يقتصر على القوى المحلية والإقليمية، بل يمتدّ ليشمل العديد من العواصم الكبرى؛ مثل باريس وروما اللتان تقفان على طرفي نقيض، وكذلك موسكو وواشنطن اللتان تدعم كلٌّ منهما «وكلاءها» المحليين والإقليميين، على نحو غير مباشر!.
بقلم/ فؤاد محجوب