في ذروة التصعيد الذي تشهده المنطقة بين إيران والولايات المتحدة الامريكيه في صراع النفوذ وسلاحه الحصار الاقتصادي كإجراءات وقائية تتخذها الولايات المتحدة الامريكيه ضد إيران وحلفائها ، ففيما انشغل "حزب الله" في قراءة أبعاد العقوبات الأميركية التي فرضت على نائبيه محمد رعد وأمين شري ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، كونها تضاف إلى سلسلة عقوبات فرضتها واشنطن على مسئولين في الحزب وداعمين له، الأمر الذي جعل الأخير يعيش أزمة اقتصادية ومالية لم يعشها من قبل. كان خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرا لله ، الذي شكل محور اهتمام المحللين والكتاب الإسرائيليين حول المشهد الإقليمي الأبرز حيث كان النقاش والتقييم اللذان شهدنهما الساحة الاسرائيليه في تداعيات الكلام النوعي الصادر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي قدّم على الخريطة أهداف خطة حزب الله للحرب المقبلة، إذا تجرأت أميركا على حرب مع إيران أو تجرأت «إسرائيل» على حرب على لبنان، وكان الكلام للمعلقين والصحف والمواقع الإسرائيلية عن القلق على المنطقة الحضرية المركزية التي تشبه كبد الكيان المعرض للسحق في الحرب المقبلة، وهو ما يسمّيه الإسرائيليون بمنطقة «غوش دان»، حيث مستوطنة تحمل الاسم نفسه جنوب تل أبيب، فشهدت التعليقات اعترافاً بأن هذه المنطقة هي مركز صنع السياسة والاقتصاد وجعلها عنواناً للتهديد لا بدّ أن يترك بصماته في المواقف المعنية بالمستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، خصوصاً وأن اسرائيل تخشى صواريخ غزة بعد فشل القبة الحديدية في حمايتها، وفيما كان اللافت في تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التي حملت في ظاهرها التهديد لحزب الله، الكلام عن اشتراط التهديد بالرد على حرب يشنّها حزب الله على كيان الاحتلال، ووصف نتنياهو كلام السيد نصرالله للمرة الأولى بالمتعالي والمتعجرف، بينما جاء تعليق وزير حرب الحكومة المستقيلة افيغدور ليبرمان على كلام نتنياهو ساخراً بالقول إن الكلب الذي ينبح لا يعضّ، متهماً نتنياهو بالكلام الفارغ.
فاجئ حسن نصر الله الإسرائيليين بخارطة تُبيّن انكشافهم أمام صواريخ حزب الله ". وكانت المقابلة استثنائية وذات دلالات هامه للإسرائيليين ، فيما سلطت الكاميرا الاضواء للغوص في عمق الخارطة وتأخذها التي عرضها نصر الله واخذ بالشرح المسهب عن المواقع الاسرائيليه المستهدفه "شرح مفصّل للخريطة التوضيحية التي عرضها السيد نصر الله خلال مقابلته مع المنار.
كعادته، يطلق الامين العام لحزب الله سلسلة مواقف عند اطلالاته الاعلامية او حين يتوجه الى مناصريه ومؤيديه في مناسبات معيّنة يحددها الحزب. ومن الدولي الى الاقليمي الى المحلي، تبقى هذه المواقف على طاولة التحليل للكثير من المتابعين والمهتمين، وقد حددوا في الحديث الاخير لنصرالله، نقطتين رأوا انهما اساسيتان لاستشراف المرحلة المقبلة. النقطة الأولى دولية-إقليمية وتتعلق بالحرب على ايران، والثانية محلية وتتركز على ترسيم الحدود ودورالحزب في سوريا.
في الشق الأول من التحليل، يرى المتابعون انه في مقابل استبعاد نصر الله ايّ حرب على ابواب الصيف قد تشنّها إسرائيل على لبنان، فإن الحرب على إيران ايضاً مستبعدة، ولكنه لم ينف بشكل مطلق إمكان حصول ضربة عسكرية محدودة، وهو لذلك اطلق سلسلة تحذيرات من استعداد إيراني للذهاب إلى النهاية في هذا المجال، وكأنه يقول أن ليس لدى ايران ما تخسره، وكان لافتاً جداً في هذا المجال التساؤل حول مصير الامارات العربية المتحدة والدمار الذي قد يلحق بها. وفي هذا السياق، اعتبر المتابعون ان هذه الرسالة لا تتوقف فقط عند الإمارات، بل تطال دول الخليج كافة، وهي بمثابة تحذير من أن الردّ الايراني لن يقف عند الحدود الجغرافيّة لإيران، بل سيؤدّي إلى عدم استقرار المنطقة بأكملها وسيطيح بالسلطات الحاكمة في الدول الخليجيّة بما يغيّر صورة المشهد العربي عموماً والخليجي بشكل خاص. هذا التحذير لم يعتبره المتابعون قابلاً للتطبيق، لانّ الحرب لن تقع باعتراف الجميع ومن بينهم نصر الله نفسه، كما انّ تغيير وجه المنطقة يحتاج الى توافق اميركي-روسي بالحد الادنى لحصوله، وهو امر لا يصب في مصلحة ايّ من البلدين الكبيرين، فيما شدد الامين العام لحزب الله على العلاقة الطيبة التي تجمع ايران بروسيا، وهذا ما يعني ان الروس على تواصل مع الايرانيين في شتى المواضيع وبالتحديد في الموضوع العسكري، ولن يخاطر الروس او الأميركيين او حتى الإيرانيين بخسارة "شعرة معاوية" التي تربط المشهد العام في هذه الفترة. وعليه، وفي حال حصول ضربة محدودة، فإن الرد سيكون محدوداً أيضا ولن يتطور إلى حد اندلاع حرب لن يقدر احد على التحكم بها ومعرفة مدى تطورها، فيما ستكون مصالح الدول الكبرى على المحكّ، في مشهد لن تتقبّله هذه الدول.
اما في النقطة الثانية والمتعلقة بلبنان، فقد اعتبر المتابعون ان كلام نصر الله حمل طمأنة الى ان الحرب مستبعدة وربما تكون بعيدة جداً في اقصى الاحتمالات، متوقفين عند الحديث شبه المفصّل لصورة رد الحزب على أي حرب قد تشنّها اسرائيل على لبنان معدداً المناطق والاهداف، بما يعني ان "توازن الرعب" لا يزال قائماً، مع إضافة ميزة قديمة-جديدة الى المعادلة هي "اقتحام الجليل". هذا الموقف تزامن مع الإعلان عن تخفيف الوجود العسكري للحزب في سوريا، بما يعني انه (اي الحزب) بات اكثر استعداداً لمواجهة اي حرب في المستقبل، كما انّه يعني ضمناً ابقاء النفوذ الكافي له في سوريا كي يبقى على طاولة القرار (كان اشار الى مشاركة حزب الله في اجتماعات بين الروس والإيرانيين والسوريين في سوريا). وتخفيف هذا التواجد يلبّي ايضاً احد المطالب المحليّة لمعارضي الحزب، ويعزّز مسألة "النأي بالنفس" ولو انها تبقى شكليّة فقط، لان الوجود السياسي للحزب باقٍ من خلال بعض العناصر المتواجدة على الأرض والتي ستبقى هناك. وتتمتع مسألة تخفيف عناصر الحزب في سوريا، بميزة اخرى وهي تخفيف نسبة المواجهة مع اسرائيل، لان نصر الله التزم بالرد على ايّ هجوم يتعرض له حزب الله في سوريا، وتخفيف العناصر يعزّز فرضيّة عدم استهدافهم وبالتالي يقلّص نسب المواجهة.
كما اعطى نصر الله لمحة عن الازمة مع الولايات المتحدة، كاشفاً عن محاولة اميركيّة لفتح خطوط مع الحزب، وحلاً للدولة اللبنانية في التعامل مع العقوبات الاميركية على اعضاء من حزب الله عبر التشديد على ان الأخير شريحة من المجتمع اللبناني ولا يمكن لاحد ان يفعل شيئاً في هذا المجال، سوى ان يشرح للاميركيين هذا الواقع، وعدم القدرة على ازاحة هذه الشريحة الكبيرة من المعادلة اللبنانية، لان فيها تقويض للاستقرار الذي يعيشه لبنان ويطلبه الخارج. وفي ذات السياق ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية، صباح الأثنين، نقلا عن تقارير عربية، أن الولايات المتحدة سلمت رسالة إلى حزب الله عبر وسيط ألماني، طالبته فيها بعدم التدخل في حال اندلاع مواجهة مع إيران في الخليج.
كما زعمت التقارير أن الأمريكيين تعهدوا في مقابل ذلك بتخفيف الحصار المالي عن حزب الله، حيث إن التقارير الإسرائيلية والغربية تشير إلى أن الحزب يعاني من ضائقة مالية بسبب العقوبات عليه وعلى إيران.
وإذا تعمقنا في قراءة التحليل فيما ورد في خطاب نصرا لله نجد هناك الكثير أيضا مما يمكن التوقف عنده في كلام نصر الله، ولكن الأهم يبقى في أن الاطلالة بدت وكأنها لبث مشاعر الطمأنينة، وان التصعيد الكلامي أتى فقط في سياق التحذير ونشر بعض الرسائل وليس لعكس واقع قد نشهده في المستقبل القريب.
بقلم/ علي ابوحبله