من واد الحمص الى العراقيب وبيروت الهدف التهجير والتطهير العرقي

بقلم: راسم عبيدات

الصراع على الأرض هو جوهر الصراع مع المحتل منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين،وما أعقب ذلك من تعرض شعبنا لنكبات متواصلة ومستمرة حتى اللحظة،ففي نكبة عام 1948 جرى هدم وتدمير أكثر من 531 قرية ومدينة فلسطينية،وهجر اكثر من نصف شعبنا قسراً بفعل العصابات الصهيونية "البالماخ" شتيرن" الهجاناه " و"الأرغون" قسرا،ليستقر الجزء الأكبر منهم في مخيمات اللجوء في الأردن وسوريا ولبنان،في شروط وظروف تفتقر الى ادنى شروط الحياة الإنسانية،إذا ما استثنينا سوريا من هذا الإطار...وتلك النكبات بحق شعبنا لم تتوقف،حيث فd سياق عملية التهجير والطرد القسري،ارتكبت العديد من المجازر بحق شعبنا الفلسطيني،بهدف بث الرعب والخوف في قلوب السكان الفلسطينيين لحملهم على ترك منازلهم وقراهم ومدنهم،واستكمل مسلسل الطرد والتهجير،مع استكمال إحتلال فلسطين التاريخية في حرب حزيران /1967 ،والتي عنت المزيد من الطرد والتهجير والنزوح عن الأرض الفلسطينية، فإسرائيل كل يوم تشرعن و"تقونن" و" تدستر" المزيد من القوانين والتشريعات وتتخذ المزيد من القرارات ذات الطابع العنصري، ليس أخطرها قانون ما يسمى بقانون أساس القومية الصهيوني،بل نجد ان دولة الإحتلال كمجتمع ومؤسسة ودولة تحولت الى دولة "أبارتهايد" عنصرية.

لعل النكبة الثانية التي تعرض لها شعبنا،وكانت تداعياتها والتي ندفع ثمنها حتى اليوم،اخطر وأشمل من نكبة عام 1948، هي نكبة اوسلو،التي وصفها ثعلب السياسة الإسرائيلية المغدور بيرس،بأنها النصر الثاني لدولة الاحتلال بعد نكبة عام 1948،نعم نكبة أوسلو قسمتنا وفككتنا وطنياً ومجتمعياً،وحولت أرضنا المحتلة في الضفة الغربية الى "جيتوهات" مغلقة ومعازل،لا تواصل جغرافي بينها،وخلقت وأشاعت في أوساط شعبنا،بأن هناك وهم إسمه الدولة والسلطة الوطنية،ولكي نكتشف بعد خمسة وعشرين عاماً من ماراثون المفاوضات العبثية،بأنه لا وجود لشيء اسمه دولة فلسطينية او سلطة وطنية،بل نحن وجدنا انفسنا أمام سلطة حكم إداري ذاتي للسكان، لا يوجد لها أي شكل من أشكال السيادة،وسلطة إدارية مقيدة الصلاحيات،وبلغة رئيس السلطة أبو مازن " سلطة بدون سلطة".وفي قطاع غزة وإن وجدت هناك سلطة فلسطينية،ولكن جوها وبرها وبحرها تحت السيطرة الإسرائيلية،وشعبها يخضع للحصار الظالم منذ إثني عشر عاماً.

الإحتلال أدرك بان استمرار وجود شعبنا الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية،من شانه تحويل هذه الدولة الى دولة ثنائية القومية،او دولة ذات أغلبية فلسطينية،ولذلك نظر للوجود الفلسطيني على أساس أنه "غدة سرطانية" يجب العمل على إقتلاعه بطرق مشروعة وغير مشروعة،ولذلك كان هناك مشروع تهويد الجليل في عام /1976،وعرابه المتطرف "آرية كنج"،بالإستيلاء على 21 ألف دونم من أراضي الجليل،وليفجر ذلك المشروع انتفاضة يوم الأرض الخالد آذار/1976،التي هب فيها شعبنا هناك للدفاع عن أرضه ووجوده،ولكن هبة أو انتفاضة يوم الأرض الخالد،لم تلغ مخططات وبرامج دولة الإحتلال للسيطرة على الأرض الفلسطينية،فعمليات ذبح الحجر الفلسطيني لم تتوقف للحظة واحدة،فقد جرت عمليات هدم جماعية في بلدة قلنسوة في الداخل الفلسطيني- 48-،وقيدت حركة البناء الى أبعد حد في القرى والبلدات الفلسطينية،وليأتي ما يسمى بمشروع " برافر" لتهويد النقب،والذي يستهدف الإستيلاء على أكبر مساحة من الأرض التي بحوزة شعبنا الفلسطيني هناك،فمن أصل مليون دونم كانت تمتلكها التجمعات العربية البدوية هناك،لم يتبق سوى مئة ألف دونم بحوزة أبناء شعبنا العربي هناك،وسعي المحتل للسيطرة عليها،حيث مخطط "برافر" يهدف الى تجميع أبناء شعبنا هناك في تجمعات سكانية،تجردهم من ملكياتهم وأراضيهم،واعلن المحتل بان هناك اكثر من 40 قرية فلسطينية،وجودها سابق لوجود دولة الإحتلال،بانها قرى غير معترف بها،ولن يجري تزويدها بالخدمات الأساسية من ماء وكهرباء،وفي هذا الإطار تعرضت قرية العراقيب للهدم للمرة ال 145،وكذلك جرت عملية هدم قرية أم الحيران...والهدم هناك لم يتوقف،بل مشروع "برافر" يطل برأسه من جديد،في ظل "تغول" و" توحش" لقوى اليمين الصهيوني المتطرف التي باتت المسيطر على كل مفاصل دولة الإحتلال،ضمن مجتمع صهيوني مغرق في العنصرية والتطرف،فمن بعد وصول اليمين المتطرف في أمريكا بقيادة المتطرف المتصهين ترامب،وسعيه لشطب قضية شعبنا الفلسطيني وتصفيتها،زادت وتائر العدوان على شعبنا الفلسطيني بشراً وحجراً وشجراً،وكانت قضيتي القدس واللاجئين الأكثر استهدافاً فيما عرف بخطة صفقة القرن الأمريكية،والتي كشفت اداتها الرئيسية ورشة البحرين الإقتصادية التي عقدتها الإدارة الأمريكية في المنامة في ال25 وال 26 من حزيران الماضي،بأنها تتعامل مع قضية شعبنا الفلسطيني على أساس أنها صفقة تجارية،ليست قضية وطن وأرض،بل قضية مال ومشاريع اقتصادية،وقد مهد ترامب وفريقه المتصهين لهذه الخطة بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس والإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال،وسعى لشطب وتصفية قضية اللاجئين عبر تجفيف المصادر المالية لوكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين ومنع توريث صفة اللاجىء،بحيث تقتصر على الجيل الأول،الأجداد وليس الأبناء والأحفاد.

اسرائيل إستغلت ذلك وسعت لإستثماره سياسياً من اجل تسريع عمليات تهويد المدينة عبر الإستيلاء على العقارات والممتلكات في مدينة القدس،وتهجير أحياء كاملة،حيث شهدنا ونشهد نكبة جديدة في عمليات هدم لأكثر من مئة بناية سكنية في منطقة واد الحمص،علماً بان أغلب تلك البنايات السكنية تقع ضمن المناطق مصنفة (الف وباء) الخاضعة للسيطرتين المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية،وفق اتفاق أوسلو،وهي حاصلة على ترخيص من الحكم المحلي في بيت لحم،ولكن هذا الإحتلال،المعرف على أساس انه دولة فوق القانون الدولي،والذي لا يقيم أي وزن او اعتبار لا لقوانين ولا اتفاقيات ولا مواثيق الدولية،بفضل ما يحظى به من رعاية وحماية في تلك المؤسسات من قبل أمريكا ودول الغرب الإستعماري،يهدم ويطرد ويرحل دون أي وازع إنساني أو اخلاقي او اعتبار لقانون دولي،طالما هو محمي من العقوبات بفعل البلطجة الأمريكية والغربية الإستعمارية،وفي ظل نظام رسمي عربي منهار ومتواطىء،لا يقوى حتى على الشجب والإستنكار،ولذلك شهدنا فجر هذا اليوم عمليات هدم لستة عشر بناية في واد الحمص،تحت حجج وذرائع الأمن والقرب من جدار الفصل العنصري.

عمليات هدم المنازل والتطهير العرقي في القدس،لم تتوقف على مدار الساعة،فكل يوم توزيع لإخطارات بالهدم،وهدم للمنازل،وهناك احياء كاملة تواجه خطر الهدم والترحيل القسري والتطهير العرقي،أحياء وادي ياصول والربابة وبطن الهوي وحي البستان في سلوان وكبانية أم هارون وكرم الجاعوني في الشيخ جراح،اكثر من خمسة الآلاف منزل فلسطيني هدمت منذ عام 1967،وأكثر من عشرين ألف بيت اخرى لديها إخطارات بالهدم،إنه التطهري العرقي بأبشع تجلياته،في ظل صمت وتواطؤ دولي،في زمن بفعل أمريكا وبلطجتها "تعهر" القوانين والمواثيق الدولية،ويجري تطبيقها بمعاير مزدوجة وإنتقائية.

الطرد والتهجير لم يتوقف عند حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة،بل ما يجري في لبنان وما جرى سابقاً من قبل الجماعات والمجاميع الإرهابية في سوريا من استيلاء على كبرى المخيمات الفلسطينية في سوريا،مخيم اليرموك،وطرد وترحيل سكانه،وما يحصل الآن بعد قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان،من قرارات جائرة بحق شعبنا الفلسطيني على الأرض اللبنانية،تحت حجج وذرائع تنظيم العمالة المهاجرة والعمالة اللبنانية اولاً،فهذا القرار يحمل في طياته أبعاداً سياسية،وترجمات لما جرى في ورشة البحرين الإقتصادية لتوطين لاجئي شعبنا في بلدانهم او حملهم على الهجرة لدول اوروبية جرى الإتفاق معها لإستيعابهم مثل كندا واستراليا.

فوزير العمل اللبناني يدرك ويعرف تماماً ،بأن أبناء شعبنا الفلسطيني ضيوفاً على لبنان،وهم لا يسعون للتوطين أو الحلول محل اللبنانيين،بل ساهموا في بناء واعمار وتطور لبنان،ولهم وضعهم القانوني والسياسي الخاص كلاجئين،وهم يعيشون في ظروف غاية في الصعوبة،ويحرمون من العمل في 73 مهنة،وقرار ابو سليمان،صاغته قوى دولية وعربية،تريد تفجير الساحة اللبنانية من باب الفتنة الفلسطينية – اللبنانية،لكي تنفذ مخطط التوطين والتهجير.

ما يجري في القدس في واد الحمص وفي النقب وفي بيروت واحد،ويشكل مرتكزات صفقة القرن الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية،ولذلك فعدم الإسراع في التحلل من التزامات اوسلو الأمنية والإقتصادية والسياسية،والشروع في إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية على اساس برنامج الصمود والمقاومة،يضع كل الأطراف الرافضة لذلك في إطار المشاركة في المخطط الأمرو صهيو عربي لتصفية القضية الفلسطينية.

فلسطين – القدس المحتلة

22/7/2019

[email protected]

بقلم/ راسم عبيدات