رفض رئيس وزراء اسرائيل، بنيامين نتنياهو، لإقامة أي رابط بين الضفة والقطاع لا يعبّر عن مواقفه فحسب، بل يعبّر عن مواقف غالبية قادة الاحزاب الاسرائيلية، ومن ضمنها أحزاب يسارية. وهذا الرفض يؤكد عدة أمور جوهرية وأساسية في السياسة الاسرائيلية الحالية والمستقبلية. وأهم هذه الأمور رفض اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية مهما كان الثمن، واذا "تَحنن" الاسرائيليون على شعبنا، فقد يمنحوننا حكماً ذاتياً "ممسوخاً" الى حد كبير.
والتنازل عن الضفة مرفوض اسرائيليا، ومرفوض اميركيا، وبقاء القدس تحت السيادة الاسرائيلية وعاصمة دولة اسرائيل أمر جوهري وأساسي وثابت. إذ جاء الدعم لهذا الامر السياسي من الكونغرس الاميركي في التسعينات من القرن الماضي. واكده الرئيس جورج بوش الابن في رسالة الضمان التي وجهها لرئيس الوزراء الاسرائيلي وقتئذ آرئيل شارون في مطلع نيسان 2004. أي أن حل الدولتين مرفوض اسرائيليا واميركيا، وهذا واضح لكل من يتابع السياسة الاميركية على مدى 50 عاماً، ومنذ حرب حزيران 1967.
ولكن لا تمانع اسرائيل في اقامة دولة فلسطينية على اراضي قطاع غزة، وهذه هي أمنيتها، بشرط ألا ترتبط لا من قريب أو بعيد بالضفة الغربية التي يعتبرها المتطرفون والمتشددون أراضي "يهودا والسامرة"! وها هي ما تُدعى بصفقة القرن الاميركية تنفذ المطالب والرغبات الاسرائيلية في تحقيق سلام اقتصادي، وليس سلاما سياسيا، وفي تحقيق تهدئة وهدنة وتحسين الوضع المعيشي اليومي، وليس انهاء وازالة الاحتلال الاسرائيلي.
بالنسبة لنتنياهو وغالبية القادة الاسرائيليين فان رفض ربط القطاع بالضفة يعني وبكل وضوح ابقاء الفصل السياسي أبديا بين جناحي الدولة الفلسطينية التي ينشد أصحاب حل الدولتين تحقيقها واقامتها. فعدم ربط الضفة بالقطاع يعني بكل وضوح ان خطوات سياسية اسرائيلية قادمة لضم الضفة الغربية كاملا لاسرائيل، ولا بدّ أن تُلحق هذه الخطوات في المستقبل البعيد بقرارات واجراءات تعسفية تساهم في التخلص من سكان الضفة الغربية للتخفيف من الازمة الديموغرافية.
الفصل السياسي بين الضفة والقطاع أمر أبدي بالنسبة لإسرائيل، وما السماح لدولة قطر بتقديم كل المساعدات للحكم في القطاع الا دليل على هذه الرغبة، مع كل الامل والثقة، في أن حركة حماس الحاكمة للقطاع والفصائل الفلسطينية المقاومة الأخرى سترفض فصل القطاع عن الضفة الغربية، وسترفض اقامة دولة في القطاع دون القدس والضفة.
تبذل اسرائيل كل جهد مستطاع وممكن في ابقاء الفصل السياسي بين الضفة والقطاع، وهذا واضح منذ تطبيق اتفاق اوسلو الذي ينص على اقامة ممر آمن بين القطاع والضفة. وقد اقيم هذا الممر عبر تسيير حافلات نقل من حاجز ايرز/ معبر بيت حانون. وبلدة ترقوميا في جنوب الخليل، ولكن هذا الممر اغلق، واوقف العمل به لان اسرائيل لا تريد أي رابط واي وحدة واي تعاون بين الضفة والقطاع لان تجزئة الشعب الفلسطيني مصدر قوة لها، ومصدر ضعف للشعب الفلسطيني نفسه.
والتساؤل الذي يطرح نفسه، ألم يحن الوقت لتوحيد الصف الفلسطيني؟ أم اننا سنواصل الخلاف حول السلطة والنهج! تساؤل يتحمل الاجابة عليه من يعتبر نفسه قياديا حقيقيا لشعبنا الفلسطيني مستعدا للتضحية الجادة من اجل اسقاط كل مخططات التصفية لقضيتنا العادلة.
بقلم/ جاك يوسف خزمو