تشهد المنطقة انقلابات في المعايير الاستراتيجية ومتغيّرات قد تحدث هنا وتحدث هناك، وتبقى القضية الفلسطينية والقوى الفلسطينية في موقف لا تحسد عليه إذا ما طلب منها تحديد موقفها من تلك المتغيرات التي سيدفع ثمنها الفلسطينيون سلبًا أم ايجابًا باعتبار أن من الذكاء أن نخرج من كل تلك المتناقضات والمتغيرات لصالح شبه اجماع على دعم الشعب الفلسطيني وقضيته المركزية التي تاهت بنودها وعناصرها الأساسية في محاور السياسة والدبلوماسية والأطروحات والمبادرات، ولكن تبقى المشكلة الأهم كيف سيدير الفلسطينيون ملفاتهم في هذه المتناقضات.
لا نريد هنا أن نخصص حديثًا مستفيضًا عن برنامج منظمة التحرير وسياساتها منذ عام 1974 إلى الآن وهو الذي انحاز إلى الخيار الأمريكي كطريق للوصول إلى نصف حل أو ربع حل أو عشر حل أو بدون حل، وكانت المفاوضات وكما صرّح شمعون بيريز للرئيس الفرنسي ميتران بعد توقيع أوسلو بأننا سنأخذ الفلسطينيين إلى الطاولة ثم نبعدهم ثم نحضرهم من جديد ويذهبون لواشنطن ونيويورك ويأتون ويذهبون ثم يأتون وفي النهاية سيفقد الفلسطينيون مطالبهم أمام الواقع.
ولكننا سنتحدث الآن عن حماس وقيادتها لتيار المقاومة التي انطلقت بها بعد الانتفاضة الثانية ومازال بعض قادتها يذكرني بأطروحاتنا بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ويذكرني بأحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب في 1967 عندما قال سنرمي اليهود في البحر، في حين أن القوى الوطنية الفلسطينية أجمعت في أدبياتها على أننا لسنا ضد اليهود كديانة أو وجود ولكننا ضد الحركة الصهيونية.
حماس منذ عامين نشرت وثيقتها وكما قلت سابقًا أنها تحتوي على ثنان وثلاثون بندًا من الميثاق الوطني وأدبيات فتح من اثنان وأربعون بندًا تقريبًا، وهي التي تتحدث بالبعد الوطني والقومي والإسلامي والعالمي وقبلت بشكل أو بآخر دولة فلسطينية على حدود 1967 وبالتالي كان الطرح في ذلك الوقت ومداخلة مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عندما قلت فيها:"إذَا لماذا لا تعلنون أنكم مع برنامج منظمة التحرير والحل المرحلي والنقاط العشر استنادا إلى ما يسمى للشرعية الفلسطينية المعترف بها اقليميًا ودوليًا" لا أريد هنا أن أرفق اجابة الاخ خالد مشعل على هذه المداخلة فهي موجودة على اليوتيوب، ولكني هنا أؤكد أن الأخ اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وفي خلال شهر واحد صرح أنه يقبل بدولة على حدود 1967 كحل مرحلي وأنهم ليسوا ضد المفاوضات الغير مباشرة ودون اعتراف باسرائيل، وهكذا صرح أبو مرزوق عضو المكتب السياسي أيضا.
المشكلة هنا تتلخص بأن حماس تلعب على ثلاث محاور:
1- محور القاهرة والحلف العربي وهي تمسك بملف المصالحة وتتعاطى مع القاهرة باعتبار أن ملف القضية الفلسطينية هو ملف رئيسي مع مصر، ويمثل بعدًا لأمنها القومي.
2- تعمل مع حلف قطر-تركيا كراعيتان لمنظومة الاخوان المسلمين.
3- تعمل على حلف إيران وما يسمى تيار المقاومة.
ثلاث محاور لا أعلم كيف تديرها حماس وكيف ستخرج منها وإلى أي منهم ستنحاز، في حين أن الواقع الآن والمناخات الإقليمية متفجّرة ومستنزفة لكثير من المواقف إذا لم نضع في اعتباراتنا الحساسيات الإقليمية بتناقضاتها. أذكر هنا بقيام الأخ أبو عمار بتحديد موقف منظمة التحرير وانحاز إلى العراق بعد اجتياحها للكويت وبالتأكيد كان ضد الموقف الأمريكي وحدث ما حدث وخسرنا الكويت والعراق وخسرنا دولًا كثيرة في العالم، فكان الإنحياز واضح ومباشر وكامل، وهناك من خطّأ ياسر عرفات وهناك من أيد ياسر عرفات كموقف ثائر. والآن نائب رئيس المكتب السياسي لحماس العاروري ووفد مرافق له لإيرن يصرح تصريحًا حادًا وواضحًا ودقيقًا ومباشرًا باعتبار أن حماس هي قوة في الموقع المتقدم للدفاع عن إيران ضد أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي، وهنا مكمن القصة.
أعتقد أن العاروري اندفع كثيرًا في موقفه ولا أدري هل فعلا ستمتثل له حماس ومكتبها السياسي أم يعتبر ما يحصل فرقعة إعلامية مقابل مواقف داعمة من إيران، ولكن لا تتم تلك الحسابات بهذه الطريقة فهذا التصريح محسوب عليها عند تفجير الألغام في منطقة الخليج وتحويل الصراع إلى صراع مسلح. إذًا هناك انحياز من حماس كشريك في معركة إقليمية وهل نحن في مستوى الشراكة في تلك المعركة؟! هذا أولًا، أما ثانيًا، أعتقد أن مهمة فصائل المقاومة هي تحرير فلسطين أولًا وتجيير المواقف الإقليمية لدعم معركة التحرير إذا أردنا تحرير فلسطين ولكن سآخذ بعين الإعتبار موقف حماس وبرنامجها السياسي ومفاوضات التهدئة وبناء مستشفى في شمال غزة خارج مسؤوليات سلطة رام الله وخارج مسؤوليات حماس أيضًا، ماذا نسمي ذلك؟ وكيف نقيم موقف حماس عندما تدعو لدولة فلسطينية على حدود 1967 وكيف نقيم هذا الموقف بموقفها من إيران وهل فعلًا إيران في برنامجها تحرير فلسطين والمسجد الأقصى؟ أعتقد أن العواطف ستشتعل عندما تقوم اسرئيل بهدم عشرات المساجد في شرق القدس والرأي العام يطالب حماس بالرد على تلك الانتهاكات، في حين أنها تعطي موقفًا لدخول معركة من أجل إيران وليس من أجل القدس أو فلسطين، ماذا نسمي ذلك؟ أهي دبلوماسية أم هي سياسة؟ وهل السياسة والدبلوماسية تدعونا لأن نرمي أحمالنا في سلة إقليمية لا نعلم نتائجها، أم هي وقفة انتحارية وقاطعة طريق على محور الإعتدال العربي الذي يقال أنه يتعاون بشكل أو بآخر مع صفقة القرن التي سيطرح جانبها السياسي كوشنير نهاية هذا الشهر، أهذا الموقف هو القضاء تمامًا على فكرة المصالحة والوساطة المصرية؟ فمعنى المصالحة بأقل تعريف هو الوقوف في منتصف الطريق مع مبادرات الدول العربية التي تتجاوب مع الرؤية الأمريكية ومع برنامج منظمة التحرير الذي يقوده عباس، إذا هنا الفكرة، كيف ستتعامل حماس مع كل تلك المتناقضات التي تعرضت لهزتين خلال أسبوع، هزة فتحي حماد وهزة العاروري، وماذا تقول مصر والدول الأخرى وماذا تقول تركيا مثلا؟ وما هو رأي الإخوان المسلمين، أقصد التنظيم الدولي في التصريح الواضح والصريح بالوقوف مع إيران ودخول معركة من أجلها، هل من الصواب أن نعلق آمالنا جزافًا ونعطي مواقفنا من أجل حسابات لنتائج معركة قادمة في الخليج لم تحسم بعد؟ علمًا بأنني لم أرشح يومًا بأن هناك معركة ستحدث بين أميركا وإيران أو إسرائيل بل هناك توزيع وتقاسم في سايكس بيكو جديدة في المنطقة تدخل فيها إيران كقوة إٌقليمية وبالتالي هل نخسر جميع المحاور أم يكون لدينا من الذكاء أن تكون مواقفنا غامضة نوعا ما للحفاظ على ذاتنا وقدراتنا وعلى قوتنا وعلى وجودنا.
والسؤال الأخير في ظل سايكس بيكو الجديدة: هل تتبنى إيران وجود مركزي لحماس في المنطقة وماذا عن مصر والأردن وهما دولتان ذات صلة بالجغرافيا الفلسطينية.
سميح خلف