يحكى أن وعلى لسان الرئيس عباس عند توقيع أوسلو معلقًا (أنها قفزة في المجهول قد توصلنا إلى دولة وقد توصلنا إلى حروب أو إلى الهاوية)، أما في اجتماع القيادة الأخير مع مركزية فتح والمجلس الثوري فقد كان له رأي آخر قد يدعم الجزء الأخير من تصريحه الأول عام 1993 (هل بقى شي للصبر والتمسك بالاتفاقيات ؟
وهل ما يزال لدينا أمل بقدره المجتمع الدولي على تنفيذ قراراته ؟ وهل سيكون يوما ما أحزاب في حكومه اسرائيل تريد سلام؟) ولذلك دعى لاجتماع للقيادة الفلسطينية يوم الخميس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لدراسة قرارات مهمة قد تتخذها السلطة ومنظمة التحرير ودراسة ظاهرة تكريس واقع جديد شرق القدس وهدم 100 منزل في وادي الحمص، بينما يدعو الرئيس لذلك يوجّه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعوة عاجلة للقاء الرئيس عباس لتدارس الأمر والذي رشح عنه اليوم دعم الأردن لدولة فلسطينية على حدود 1967 ورفض أي حلول أخرى وبادرات أخرى وخاصة مع اقتراب حضور مستشار الرئيس الأمريكي كشنير ليعرض الشق السياسي لصفقة القرن، ولم يرشح من أنباء أخرى عن هذا اللقاء المهم الذي احتوى بالتأكيد على مواقف اخرى غير معلنة.
الرئيس عباس والموقعين على أوسلو كانوا يعلمون جيدًا بأنها ربما لا توصلهم إلى دولة ولا إلى أقل من دولة إذا لماذا كانت هذه المغامرة وما هي ضرورياتها الوطنية التي اختلفت معها الكثيرون، وبرغم هذا الاختلاف اتخذوا جانب من الحدة مع من يعارضهم وتغليف مشروع أوسلو بغلاف وطني كضرورة لكي يقتنع الشعب الفلسطيني بما ترفع من شعارات وطنية قد يعاكسها واقع التطبيق على الأرض وها هي أوسلو الآن تمثل مشروع لتصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني على أرضه ومازال الرئيس الفلسطيني يحاول بكل الطرق أن يحصل على غطاء عربي ودولي وأمريكي لكي يستمر في مشروع أوسلو الذي رفضته إسرائيل واليمين المتطرف، وبرغم من ذلك أصبحت السلطة أدبيا ومعنويًا ومصلحيًا مرتبطة بهذا الاتفاق وتنفذه على الأرض بصرف النظر عن الموقف الإسرائيلي، وكما قال كثر من زعماء إسرائيل منهم ناتنياهو وليبرمان وبينيت وهيرتسوغ بأن السلطة لها مصلحة في التنسيق الأمني ولولا التنسيق الأمني لما بقيت عدة شهور.
منذ عقود ومنذ فترة التحول الواضحة جدا في أداء وسلوك منظمة التحرير وقيادتها بعد الخروج من بيروت أصبحت الأمور واضحة جدا وخاصة للمعارضين الفتحاويين بأننا سائرون نحو نفق أو جرف تقودنا له قيادة المنظمة وبالرغم من ذلك مارسوا كل أدوات الإقصاء والتشهير بحق المعارضين لكي يستمروا في مشروعهم مع عمل موازي قامت به جهات إسرائيلية وغير إسرائيلية للتخص من قيادات أساسية في حركة فتح والشعب الفلسطيني لتسهيل الممرات لهذا النهج الذي يبدو واضحًا أيضًا مقدار الخطيئة التي ارتكبها وطنيًا وانسانيًا بحق الشعب الفلسطيني والقضية وبعد أوسلو وبعد عملية فرز همجية غير وطنية في أطر حركة فتح ومؤسساتها دخلوا بأوسلو إلى الوطن وأقصوا من أقصوا وشوهوا من شوهوا وجوعوا من جوعوا كل ذلك من أجل (عيون أوسلو) وعدم الإخلال بالاتفاقيات واحراجهم أمام الإسرائيليين.
بعد أوسلو ونصب جماهيريتهم على الأرض، مارسوا كل أنواع السلوكيات الأمنية تجاه الأنقياء وطنيًا كانوا يخرجون علينا بمشوشاتهم واتهاماتهم وبهراواتهم وبالدبكة وهزة الكتف والمهرجانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع وطنيًا وأكبر سدر كنافة سجّل في موسوعة غينيس وبمدينة الروابي التي هي مركز للاستخبارات الإسرائيلية والأجنبية ولا نريد هنا أن نتحدث عن واقع الفساد الذي يضرب جذوره من رئيس المقاطعة إلى ما هو أدنى ولذلك ولعملية تغطية لسلوكهم ومنهجهم فقدوا خيرة الكوادر الفتحاوية والوطنية وفرضوا لغة الرواتب والرتبة ورقصات الأفراح البهلوانية إلى وزير الشؤون المدنية الذي ظهر يهز وسطه في أحد الأفراح احتفاء بمهزلة وواقع لا يحتاج رقصًا ولا غناء بل يحتاج عملًا وفعلًا وطنيًا لانقاذ الشراع الفلسطيني، أي (ظهور ثقافة الصراف الآلي).
ولكن انها لحظة ظهور الحقيقة، كل شيء خاو على عروشة وطنيًا وشعبياً وثقافيًا ومهما كانت دعوات الرئيس الفلسطيني عباس لانقاذ الوضع فهي دعوات جافة غير مشبعة بأدوات الفعل أو القدرة على الفعل فبيانات المركزي والثوري لحركة فتح لم تخرج عن سياق بياناتها السابقة من الدعوة والاحتجاج والمطالبة وكأنهم مؤسسة مجتمع مدني تطالب السلطات التنفيذية والتشريعية، إذا ما هو دورهم الذي يتحدثون عنه باسم حركة فتح رائدة الكفاح المسلح وطليعة الشعب الفلسطيني في الثورة الشعبية كما هي انطلقت من أجلها، أهذا هو الدور الوظيفي للجنة المركزية والمجلس الثوري؟! أما اجتماع القيادة يوم الخميس القادم أي غدًا والمطلوب فيه البحث عن رد المعطيات المعروضة على الفلسطينيين فالذي يعلق إيجابيًا على أن تلك القيادة ستخرج بقرارات فاصلة ومفصّلة كما صرح أبو ردينة وصائب عريقات فلا أعتقد ذلك، فالقيادة أصبحت مكبلة بأوسلو وتنفيذها وتطبيقها والتنسيق الأمني والارتباط الاقتصادي وخاصة أن هناك نهج في الضفة الغربية يعمل بشكل مباشر مع الشؤون المدنية الاسرائيلية من مقاولين ورجال أعمال وعشائر والسلطة التنفيذية والتشريعية التي أوقفها محمود عباس فلن تستطيع أخذ أي إجراء يمس الحماية الإسرائيلية لنهج طويل وعريض في الضفة الغربية يطالب بتغيير آليات الصراع ومنهم من يطالب بالضم لإسرائيل بعد فشل حل الدولتين وسيطرة إسرائيل على مقدرات الشعب الفلسطيني من النهر إلى البحر ومن الشمال إلى الجنوب فهي اليوم عندما هدمت مائة منزل في وادي الحمص اليوم تهدم في الجليل لتسوية بعض الطوبوغرافيات التي تمس أمنها ووجودها أيضًا.
ربما كان اجتماع الرئيس الفلسطيني مع العاهل الأردني اليوم له محددات أخرى غير ما قاله الرئيس عباس وخاصة أن الأردن لها وجهة نظر سياسية ومؤثرة على الواقع الفلسطيني كما هي مصر فربما كانت نصائح الملك الأردني بعدم الإنجرار إلى مزيد من التطرف في القرارات التي ستفقد وجود السلطة وان كان وجودها الآن هامشيًا أمام النفوذ المتوسع للادارة المدنية الإسرائيلية ومشجعيها.
سميح خلف