القدس والضفة في قبضة الـ “أسرلة“

بقلم: ماجد الشيخ

تحت ستار استغلال ما أسماه بعض الإسرائيليين "هبوب الرياح المنعشة، التي تطلق في أروقة إدارة االرئيس الأميركي دونالد ترامب، في شأن إحلال "السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية، بما فيها القدس، يطلق الإسرائيليون العنان لفرض وقائع على الأرض، تستجيب لأقصى طموحاتهم في فرض رؤاهم التوراتية القديمة، والمعاصرة اليوم، بشراكة قوى اليمين الشعبوي الأميركي والأوروبي عبر العالم، بهدف تهويد ما لم يهوّد طوال أكثر من سبعين عاماً؛ ولو عبر تكرار مجازر ومذابح متجددة تطلق رياح تطهير عرقي، تستأنفه اليوم كولونيالية الاحتلال في القدس كما في الضفة الغربية، تحت ستار فرض السيادة والتهويد، وفض الشراكة مع السلطة الفلسطينية وفرض كل ما لم تستطعه المفاوضات والتفاهمات "الأوسلوية" وغيرها، والعمل بالقوة على فرض واقع قسري ووقائع إكراهية وإحلالية، وتلك هي طبيعة وطبائع الاحتلال.


منذ اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الاحتلالية على القدس، كونها العاصمة الأبدية لإسرائيل، كما وردت في وثيقة الاعتراف الترامبية، بدأت المدينة تشهد تسارعاً في عملية تمهيد وتهويد منظمة وممنهجة، وصولا إلى "أسرلتها" بالكامل. وها نحن نشهد تنفيذ العديد من مخططات التهويد المتواصلة، بشراكة من حكومة الاحتلال وبلدية موشيه ليئون والجمعيات الاستيطانية ودعمها، وبتواطؤ من القضاء الإسرائيلي، وذلك بهدف تحجيم وتقليص الوجود الفلسطيني في المدينة، من خلال شن سلطات الاحتلال ما يشبه حرباً شاملة على المقدسيين، لا سيما بالتوسع في عمليات الطرد والتهجير القسري الجماعي، كما هو جاري هذه الايام في منطقة واد الحمص في صور باهر، حيث خطر الطرد والتهجير القسري يتهدد مئة عائلة مقدسية بعد البدء بهدم 16 بناية منها 11 تقع في المنطقة المصنفة (A) و 3 تقع في المنطقة (C) واثنتان تقعان ضمن المنطقة المصنفة (B). وذلك بحجة قربها من جدار الفصل العنصري، ما يشكل "خطراً أمنياً"، لا يمكّن الاحتلال من مراقبة المنطقة، لكن الهدف الحقيقي لحكومة الاحتلال هو شق طريق استيطاني يربط ما بين مستوطنتي "هار حوماه" في جبل أبو غنيم مع مستوطنة "معاليه ادوميم".

وكانت سلطات الاحتلال أمهلت أهالي حي وادي الحمص بالقرية، حتى تاريخ 18 تموز (يوليو) لتنفيذ قرارات الهدم ذاتياً، وإلا فإن الجيش سيقوم بهدمها، وهو ما حصل بالفعل قبل أيام. يقع الجزء الأكبر من البنايات التي صدِّق الاحتلال على هدمها في منطقة مصنفة "A"، وهي حاصلة على تراخيص بناء من وزارة الحكم المحلي الفلسطينية. وهذا تجاوز فاضح لـ "اتفاق أوسلو"، واستئناف لجرائم الاحتلال وعمليات تطهير عرقي تتواصل وتزداد بين الحين والآخر. وكانت مصادر مقدسية حذرت من أنه في حال نجاح الاحتلال في ذلك، فإن الخطر سيمتد ليشمل مئات البنايات بواقع آلاف الشقق السكنية على طول مقاطع جدار الضم والتوسع العنصري الملتف حول مدينة القدس، ليشمل بنايات في شمال المدينة (حي المطار وكفر عقب وقلنديا) ووسط القدس (مخيم شعفاط وضاحية راس خميس وضاحية راس شحادة) وبنايات بالقرب من الجدار في بلدتي ابو ديس والعيزرية جنوب شرق القدس، وأخرى بالقرب من قرية الزعيّم وبلدتي حزما وعناتا شمال شرق المدينة.

 


واستكمالا لسياسة الهدم المتواصلة لبيوت المقدسيين، يتجه وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، المتطرف جلعاد أردان، لإقرار مشروع قانون يمنع الحكومة الفلسطينية من إقامة أي أنشطة في مدينة القدس المحتلة، ويقضي بفرض عقوبات جنائية والسجن لمدة ثلاث سنوات على من يشارك في أنشطة فلسطينية في القدس أو يمولها. وكان أردان أصدر تعليمات، قبل ثلاثة أشهر تقريباً، بمنع نشاط في المركز الثقافي الفرنسي في القدس المحتلة، وادعى في بيان صادر عن مكتبه أن هذا النشاط "كان يفترض أن يشمل مؤشرات سيادية فلسطينية" كجزء من محاولة السيطرة الفلسطينية على القدس الشرقية.

وفي انتهاك جديد على طريق التهويد، صادقت بلدية الاحتلال في القدس على إطلاق أسماء حاخامات على شوارع سلوان الملتصقة بأسوار البلدة القديمة، وصادقت لجنة الأسماء في البلدية، برئاسة رئيسها، موشيه ليؤون، على إطلاق أسماء على خمسة أزقة وشوارع صغيرة في حي بطن الهوى في سلوان، علما أنه يستوطن القرية نحو 12 عائلة من المستوطنين اليهود، وسط مئات العائلات الفلسطينية. وعلم أن القرار اتخذ بغالبية ثمانية أعضاء مقابل معارضة اثنين من أعضاء البلدية، ونقل عن آرييه كينغ وهوأحد المعارضين، قوله إنه يرى في إطلاق أسماء الحاخامات "عنصراً جديداً يضاف إلى عناصر إحلال السيادة والتهويد".

على صعيد آخر، بدا المشهد معبراً الأسبوع الماضي، بين المواقف التي تشير الى أطماع إسرائيلية في ضم مناطق في الضفة الغربية، وتلك التي تحذر من الأخطار المدمرة المترتبة على ذلك. إذ حذر منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف في الجلسة الدورية الأخيرة لمجلس الأمن حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية؛ حذر أعضاء مجلس الأمن الدولي من مغبة التفكير الاسرائيلي بضم الضفة الغربية المحتلة أو بعض أجزائها، معتبراً أن ذلك "سيدمّر عملية السلام"، وآفاق ما يسمى "حل الدولتين". وأبلغ المسؤول الدولي المجلس، بأن إسرائيل تواصل انتهاك القرار رقم 2234 الذي أصدره المجلس في 23 كانون الأول (ديسمبر) 2016، وأكد أنّ "التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليس له أي سند قانوني، ويجب أن يتوقف".

جاء ذلك متزامناً مع إعلان الموفد الأميركي لعملية السلام في المنطقة جيسون غرينبلات ، عن دعمه لما أسماه "حق إسرائيل" في ضم أجزاء من الضفة الغربية، وذلك في إطار تعليقه على تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، حول الحق الإسرائيلي في ضم أراضي من الضفة الغربية، إذ علق على تصريحات السفير بالقول : "اعتقد أن الأمور قيلت بأناقة، وأنا أؤيدها".

كما جاءت إحاطة ميلادينوف، متزامنة كذلك مع سلسلة من التصريحات والمواقف الصادرة عن عدد من المسؤولين الاسرائيليين، الذين وجدوا في موقف كل من غرينبلات وفريدمان ضالتهم . إذ طالب وزير الأمن الداخلي المتطرف جلعاد أردان بفرض السيادة الاسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، مطلقاً عليها تسمية "يهودا والسامرة" كبداية لتوجه جديد، يؤكد للفلسطينيين أن الوقت ليس في صالحهم، فيما صرح رئيس "الاتحاد القومي" بتسالئيل سموتريتش، بعد تعيينه وزيراً للمواصلات، بأنه سيسهم في تنفيذ خطة فرض سيادة الاحتلال على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، من خلال سلسلة من الخطوات في الوزارة، وأنه سيحاول تحريك هذه العملية في الشهور القريبة. ونظراً لعدم إمكان تطبيق هذه الخطوة خلال ولاية حكومة انتقالية، فإن سموتريتش، يستعد لتشكيل طاقم يعمل على بلورة التخطيط الأولي لفحص الآثار القضائية للعملية. وسيعمل الطاقم وفق سموتريتش على فحص الآثار القضائية لإلغاء "الإدارة المدنية" ونقل صلاحياتها إلى الوزارات المعنية بما فيها وزارة المواصلات. وهذا ليس كل شيء، ذلك أن ما يجري على الأرض صادم إلى حد انتظار وتوقع نكبة أو نكبات جديدة. فما دور سلطة أوسلو في هذه الحالة الفجائعية؟.

ماجد الشيخ