ان ما قامت به حركة حماس من إعادة إحياء حكومتها الخاصة بقطاع غرة (اللجنة الإدارية) والإعلان عنها ما هو الا إمعان وخطوة مثيرة للجدل وتأكيد علي استمرار الانقسام وسيطرتها علي قطاع غزة ورفضها لكل الحلول المطروحة، وتوجيه ضربه موجعة للجهود المصرية ومواقف الرئيس محمود عباس والفصائل الفلسطينية والأطراف العربية التي تسعى لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة ولم الشمل الفلسطيني، ويعد تشكيل ما يسمى باللجنة الادارية والإعلان عنها مجددا عودة الي المربع الاول وإعلان واضح وصريح من قبل قيادة حماس رفضهم التام لكل الجهود المصرية وتشكل خطوة استباقية ووضع العراقيل لكل المساعي والجهود العربية وخاصة الوفد المصري، مما يعكس جو الاحباط الشعبي والسخط العام وعدم التفاؤل اطلاقا بنوايا قادة حماس حيث بات من الواضح بان قراراتها تخضع لمعايير وحسابات اقليمية باتت لها كل التأثير على قرارات المصالحة .
ان تصرفات عناصر وقيادة حماس هي تصرفات شخصية لا تعبر عن موقف الشعب الفلسطيني في غزة الذي يخضع الي سياسة حركة حماس منذ تنفيذ الانقلاب الاهوج والأعمى، واستمرار المتاجرة بالمقاومة الفلسطينية ودماء الشهداء لا يجلب للشعب الفلسطيني سوى الدمار والتخريب، وان مثل هذه السياسات هي سياسات عابرة ومارقة على شعب فلسطين الذي يرفض كل الوصايا والتبعية والاحتواء لمستقبل قطاع غزة والشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن مع استمرار الانقسام .
ان الموقف الوطني كان يتطلب قيام حركة حماس بالتقدم بخطوات اساسية داعمة لموقف القيادة الفلسطينية التي اتخذت قرارا مهما وتاريخيا بالتوقف الفوري بالتعامل مع الاتفاقيات الموقعة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال الاسرائيلي، فبدلا من دعم هذا الموقف سارعت حركة حماس وقيادتها للهروب من استحقاقات المصالحة وفضلت المصلحة الاقليمية والحزبية علي الكل الوطني، وان من شان ذلك تعزيز وخدمة مواقف الاحتلال الاسرائيلي وتعزيز ما يسمى بتفاهمات حماس وإسرائيل بهدف استمرار الانقسام وتعزيز الانفصال عن الضفة الغربية وهذا ما تعمل وتسعى حكومة الاحتلال لتحقيقه لإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني وقتل وتدمير حلم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
واليوم باتت حكومة الاحتلال تعمل علي اضعاف السلطة الوطنية من خلال عمليات القتل والاعتقالات والحصار على المحافظات الفلسطينية، وان حكومة الاحتلال تسعى إلى تحقيق أهدافها العدوانية وتحاول بث الفتنة وإضعاف السلطة تزامنا مع ما حققه النظام السياسي الفلسطيني من نجاحات دولية وداخلية، كما تعمل على تقديم الصورة المعكوسة للعالم بأنها هي الضحية والشعب الفلسطيني هو المجرم، كل ذلك يتناغم مع مسلسل اسقاط السلطة الفلسطينية والسعي الي فرض شخصيات بديلة عن الشرعية الفلسطينية التي اكتسبت بالدم من خلال الشهداء والجرحى والمعتقلين في محاولة فاشلة لإحباط المشروع السياسي الفلسطيني وإسقاط منظمة التحرير الفلسطينية .
ان الشعب الفلسطيني قال كلمته الفاصله وبوضوح حيث عبرت قطاعات شعبنا والفصائل الفلسطينية وقالت كلمتها عندما التف الجميع من اجل القيادة الفلسطينية ومواجهة صفقة القرن وإسقاطها والتصدي لمؤامرات تدمير فلسطين وسرقتها واختطافها لمشاريع وهمية ساقطة، ومن اجل تحقيق الحرية والاستقلال وتقرير المصير ورفض كل أشكال التعبية والاحتواء والتجارة بفلسطين الوطن والقضية والهوية والحياة، ومن اجل مستقبل أفضل لشعبنا وأطفالنا وبناء دولة المؤسسات والقانون ونسج العدالة المجتمعية.
بات المطلوب ضرورة توحيد الجهود الفلسطينية من خلال تعزيز العمل العربي المشترك قبل فوات الأوان ومن الضروري الاستجابة لكل الدعوات الوطنية والصادقة من أجل سرعة انهاء الانقسام، ولعل اهمية إدراك حماس لحقيقة الوضع قبل الانهيار الكامل لكل القيم والأخلاق والأعراف العربية والدولية والوطنية حيث يجب ان تأخذ حركة حماس موقفا واضحا وان تعود لحضن الشعب وعدم الانسياق وراء مشاريع الوهم الامريكي والعروض الواهية بإقامة سنغافورة جديدة في قطاع غزة والتنقيب علي الغاز بشواطئ غزة، حيث كل هذه المشاريع الوهمية هدفها فقط استمرار ضياع الحق الفلسطيني والسيطرة علي قطاع غزة وتمزيق الموقف الوطني واستنزاف حقوقنا المشروعة، في ظل تطلعات جماهير الشعب الفلسطيني الى تحقيق المصالحة الحقيقة لأن الوضع أصبح لا يحتمل، وأن عودة قطاع غزة الى القيادة الشرعية كفيل بحل قضايا ومشاكل ومظاهر الانقسام التي سادت في غزة والضفة، والإسراع لإعادة اعمار قطاع غزة والعمل على توحيد مؤسسات الوطن والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني والمجالس المحلية .
اننا ورغم تقديرنا لصعوبة الاوضاع التي يعيشها أبناء شعبنا في قطاع غزة وحاجة القطاع الى مشاريع كبيرة ومتنوعة حيث خلال سنوات الانقسام حرم قطاع غزة من اقامة أي مشاريع تنموية نتيجة تعنت حماس واستمرار سيطرتها علي قطاع غزة، والحاجة الملحة إلى انهاء معاناة شعبنا باستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء سيطرت حماس المسلحة علي قطاع غزة، بعيدا عن اتفاقيات حماس وإطماع حكومة الاحتلال الاسرائيلي حيث يشكل العمل وفق هذه الصيغة والمقترحات فضيحة وطنية كبرى وخيانة لدماء الشهداء ويعزز استمرار الانقسام الذي يخدم في محصلته النهائية الاحتلال الاسرائيلي ومشاريع الصفقة الامريكية .
وبرغم كل ذلك أن القيادة الفلسطينية وشعبنا الفلسطيني في غزة متمسكون بالموقف الوطني الذي يعتبر انهاء الانقسام والوحدة الوطنية هي افضل حماية لشعبنا وحقوقه ولتنظيماته السياسية، وان فصائل منظمة التحرير والكل الوطني يجمعون علي ضرورة إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة غزة من خلال الاسراع فورا بالانتقال الى اقصر الطرق للوحدة الوطنية على اساس التزام واضح من الجميع بتنفيذ اتفاق 2017، دون اي شروط او معوقات من أحد في مواجهة صفقة القرن والعنجهية الاسرائيلية ، وإن إنهاء الانقسام وآثار ألانقلاب يعد مصلحة وطنية عليا وأساس لمواجهة التحديات وتطرف حكومة الاحتلال وفى مقدمة ذلك كله العمل على تمكين الحكومة الفلسطينية من بسط سيادتها في قطاع غزة وإعطائها فرصة العمل وحل أزمات غزة وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة هو أساس إنهاء الانقسام.
بقلم/ سري القدوة
سفير النوايا الحسنة في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية