حماس وسقوط ورقة التوت ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

لم يكن يخطر ببال الفلسطينيين أن حركة حماس تسعى للتفاوض مع العدو الصهيوني، لأن التفاوض كان في نظرها محرماً شرعاً قبل أن يفتي الشيخ أبو مرزوق بجوازه، فما هو محرم على غيرها محلل عندما يصل إليها ... هذه الإنتهازية السياسية التي تتمثلها حركة حماس، شأنها شأن كافة التنظيمات المنبثقة من رحم جماعة الإخوان المسلمين ... التي أساءت للإسلام والمسلمين ما عجزت عنه قوى الإستعمار ودوائر الإستشراق على مدى قرون ...

إن لم يكن هناك حقيقة مطلقة على مرِّ التاريخ، إلا أن الحقيقة هي ما يراه كل منا صحيحاً، فلا مقاومة حقيقية وصائبة إلا مقاومة حماس وما قامت به فصائل المقاومة الفلسطينية طيلة العقود التي سبقت ظهور حماس كان عملاً عبثياً لا قيمة له، كما أن مفاوضات م.ت.ف مع العدو الإسرائيلي كانت مفاوضات عبثية ومحرمة، تصبح التفاهمات والمفاوضات التي أجرتها وتجريها حركة حماس مفاوضات شرعية وعملية أملتها الضرورات، والضرورات تبيح المحظورات، قاعدة فقهية يتستر بها أدعياء الدين، ومن يقيمون سيطرتهم وإستبدادهم بإسم الدين وحماس جزء أصيل منهم ...!

حماس التي وجدت للإضرار بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها بهدف الإحلال مكانها في قيادة الشعب الفلسطيني وإدارة دفة صراعه مع الكيان الصهيوني، لقد أعماها بريق السلطة عن جوهر الصراع مع هذا العدو وغرقت في أحلامها وأمراضها السلطوية وأسدت الخدمات الجليلة أولاً للكيان الصهيوني ثم لكافة القوى الإقليمية التي رغبت في الإستثمار في هذه القضية المقدسة، هكذا تتحول الغايات والحقائق لدى حماس، من رفض المساومة والمفاوضات على أي شبر من أرض فلسطين، إلى السقوط في شهوة السلطة تحت أي غطاء وأي ثمن، وتتحول الأهداف المعلنة من الكليات إلى الجزئيات، فمن التحرير والمقاومة إلى الأمن وإلى تحسين ظروف الحياة في قطاع غزة، الذي نكب على يديها وتحت حكمها الفاسد خلال إثني عشر عاماً، كي تهبط بالقضية الفلسطينية من قضية سياسية وطنية وقومية تخص الشعب الفلسطيني بأكمله ويتصدرها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، إلى قضية إنسانية صرفة تخص قطاع غزة وحده فقط وتأمين إستمرار تحكمها فيه ...

لا أحد ينكر سوء الأوضاع المعيشية التي يئن تحت وطأتها سكان قطاع غزة، والذي تعرض إلى حصار ظالم وحروب ثلاثة ظالمة ...

لم يكن لها أي مبرر سوى تكريس شهوة السلطة والتحكم والإستفراد لدى حركة حماس ومن وراءها جماعة الإخوان المسلمين ولو في 1% من مساحة فلسطين كي يقيموا حكم الله في الأرض عليها ...!

بغض النظر عما لحق من أذى بسكان قطاع غزة وبمجموع الشعب الفلسطيني وبقضيته، وبغض النظر عن الفوائد المباشرة التي إستفاد منها العدو الصهيوني جراء هذه المواقف والسياسات المتبعة من حركة حماس ..

حيث غطى الوضع الإنساني المتفاقم في قطاع غزة والمتردي على جوهر القضية الفلسطينية كونها قضية سياسية بإمتياز وطنية وقومية قبل أن تكون إنسانية ..

ذلك ما شكل مدخلاً واسعاً للعبث بالشعب الفلسطيني وقضيته من قبل قوى إقليمية ودولية على السواء، وجعل الوضع في قطاع غزة يتقدم على مسألة الإستيطان والتطهير العرقي الذي تتعرض إليه الضفة الغربية والقدس .. وبالتالي القضية الفلسطينية بكافة عناصرها وأبعادها السياسية والإجتماعية والإنسانية ...!

لقد بات هذا الوضع الإنساني المتفجر والمتردي في قطاع غزة مدخلاً للولايات المتحدة لتمرير خطتها التصفوية للقضية الفلسطينية المسماة (صفقة القرن)، وحركة حماس تدرك ذلك جيداً، ولكن طالما الثمن هو توفير الأمن لقيادتها وإستمرار حكمها لقطاع غزة فلا مانع من ذلك ..!

هذه هي حركة حماس، وهذه حقائقها، ففي الوقت الذي ترفض فيه منظمة التحرير الفلسطينية ما يسمى (صفقة القرن) وترفض حتى اللقاء مع ممثلي الإدارة الأمريكية لإقدامها على الإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ومحاولاتها الدائبة لشرعنة الإستعمار الإستيطاني في القدس والضفة وإنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لإغتيال حق العودة الذي يخص أكثر من ستة ملايين فلسطيني .. وبعد إقرار الكيان الصهيوني (قانون القومية) تؤكد حماس أنها ماضية بدون م.ت.ف (وسلطة رام الله) إلى العمل على تحسين ظروف الحياة في قطاع غزة، وإجراء تفاهماتها معه، جاعلة من القضية الفلسطينية ومن قطاع غزة مجرد قضية ظروف معيشية، خصوصاً وأن أطرافاً دولية منها الإدارة الأمريكية باتت معنية بحل الوضع الإنساني في غزة والتخفيف من الحصار، والتي تبلورت في المقترحات التي تقدم بها نيكولاي ميلادينوف مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام...!

ألم يكن من الأجدى والأمثل تحقيق المصالحة الفلسطينية وتوحيد السلطة والقيادة، قبل توصل حركة حماس إلى أي تفاهمات مع العدو الصهيوني، كي يأتي التغلب على البعد الإنساني والظروف المعيشية في قطاع غزة كتحصيل حاصل، لكن شهوة السلطة وسياسة التفرد التي تنتهجها حركة حماس قدمت ذلك على حساب كافة الأبعاد السياسية والوطنية، دون أن تدرك أو تدرك فعلاً، أن هذا المدخل الخطير يمثل البوابة الواسعة لتنفيذ ما تروج له الإدارة الأمريكية (صفقة القرن) والتي تسعى لتنفيذها دون موافقة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهنا يكمن التلاقي الأمريكي الحمساوي الإسرائيلي، وهنا يكمن سر التحول من المقاومة والتحرير الكامل لدى حركة حماس، إلى المفاوضة والتخلي عن المقاومة والتحرير والمطالبة بالأمن لها ولقياداتها في الداخل والخارج وتحسين الظروف المعيشية في قطاع غزة كي يستتب الأمن لها ولحكمها لقطاع غزة تحت سقف تهدئة لمدة خمس إلى سبع سنوات، طبعاً قابلة للتجديد كي تصبح دائمة ...!

هكذا تسقط حماس ورقة التوت التي تسترت بها على مدى ثلاثة عقود من مناكفة منظمة التحرير الفلسطينية وعمودها الفقري حركة "فتح"، وسلطتها الوطنية، مكتفية بسلطة مشوهة في قطاع غزة ... تاركة الكل الفلسطيني يواجه التحدي للكيان الصهيوني وللإدارة الأمريكية الأكثر صهيونية من الكيان الصهيوني نفسه، ورغم ما تضمنته أفكار ميلادينوف عن نقاط تتعلق بالمصالحة الفلسطينية ومدعومة من الشقيقة مصر، والتي كان يجب أن تتقدم على التفاهمات مع الكيان الصهيوني، ما يؤكد أنها جاءت مجرد أفكار للتغطية على تلك التفاهمات الخاصة بالعلاقة بين حماس والكيان الصهيوني أولاً، والتي لن يكون للسلطة الفلسطينية وبالتالي لمنظمة التحرير الفلسطينية فيها أي دور يذكر، ويمثل هذا تحدياً قانونياً وسياسياً لدور السلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية المخولة والوحيدة للتفاوض مع العدو، وهذا أكبر إنجاز تنجزه حركة حماس في نظرها وفي سياق إستهدافها لدور منظمة التحرير الفلسطينية، وهو الإخلال بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية التمثيلية للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده بما فيها قطاع غزة.

هكذا يصبح قطاع غزة تحت حكم حماس بوابة تنفيذ (صفقة القرن) وترسيم الإمارة الإخوانية بالرعاية الأمريكية الإسرائيلية ...!

هل باتت حقيقة حماس وغاياتها وأهدافها واضحة ؟! إلى متى يستمر الخداع للشعب الفلسطيني بإسم الدين وبإسم المقاومة ؟!

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

E-mail: pcommety @ hotmail.com

الرياض 05/08/2018م الموافق 23/11/1439هـ