مقدمة :
مع اقتراب انتخابات الكنيست المبكرة في سبتمبر / ايلول 2019 ، يزداد الموقف توترا في الشرق الاوسط ، بصورة عامة ، وفي الاراضي الفلسطينية بصورة خاصة. في ضوء رغبة نتنياهو في تحقيق انجازات لتعزيز موقفه في ضوء العديد من المشاكل التي يواجهها سواء على الصعيد القانوني واتهاماته بالفساد أو على صعيد فشله في تشكيل الحكومة في اعقاب انتخابات الكنيست الـ 21،في بادرة لم تشهدها اسرائيل من قبل ، تؤكد فشله السياسي.
وتشكل الاراضي الفلسطينية محور اهتمامات نتنياهو،مدعوماًمن الإدارة الأمريكية،ما جعله يفاضل ما بين خطواته القادمة،على صعيد ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها،أو تنفيذ عملية عسكرية في قطاع غزة تعيد الردع الاسرائيلي المفقود، حسب الاتهامات التي يكررها ضده معارضيه.
وفي ضوء التحركات الأمريكية في المنطقة، من الواضح أننا اليوم أمام مرحلة سياسية جديدة في الإقليم مضمونها صفقة إقليمية أمريكية إسرائيلية؛ تريد إسرائيل من خلالها استثمار إنجازاتها المحققة على الأرض فى تثبيت مضمون ما هو قائم فى اتفاق سياسي دائم ومحمي بضمانات دولية، يعتبر قطاع غزة حجر الزاوية في هذا الإطار، وتتراوح التوجهات ما بين عملية عسكرية واسعة وشاملة تضمن تمرير تلك المخططات الاستراتيجية ، او عملية استخبارية وعسكرية مكثفة.
وعلى الأخرنجد أن مشاريع ضم الضفة أصبحت حقيقة قائمة في ضوء الإجراءات والقوانين التي أقرتها حكومة نتنياهو لتجعل الوضع متناسباً مع المخططات الإستراتيجية لقوى اليمين الإسرائيلي. و في ضوء التحذيرات الإستخبارية والأمنية الإسرائيلية من الإندفاع بإتجاه "ضم الضفة الغربية"، نجد أن هناك تعديلات طرأت ومقترحات المفاضلة ما بين "ضم المناطق "ج" أو ضم مناطق مستوطنات القدس أو ضم المستوطنات ، لتجنب الكثير من المخاطر الإستراتيجية .
ولا يبدو المشهد الإقليمي بعيداً عن الترتيبات التي تجري لتمرير ما يسمى "صفقة القرن" التي يروج لها فريق الإدارة الأمريكية ، الذي يتحرك وفق توجيهات إسرائيلية يمينية واضحة غير متيقن لطبيعة الصراع وتداخلاته التاريخية والدينية والسياسية،وهو ما سيدفع بإتجاه أكثر خطورة في المنطقة ، مما يجعلنا نعتقد أن هذه الإدارة معنية بتفجير الأوضاع في المنطقة وليس تسويتها ، لإعتبارات تتعلق بالصراعات الدولية التي وصلت الى مراحل متقدمة تهدد استقرار النظام العالمي القائم، ويبدو أن منطقة الشرق الاوسط ستكون"صاعق" تفجير الأوضاع الدولية.
أولاً : قطاع غزة في المخططات الإسرائيلية
أ –إسرائيلياً :
• لم تعد اسرائيل تتعامل مع قطاع غزة كمنطقة تخضع لإتفاقات سياسية، واعتبرته كياناً معادياً، وهنا كان الفخ السياسى الإسرائيليليتحول إلى تغيير فى العلاقة السياسية بين طرفين هما غزة وإسرائيل؛ وليس بين شعب فلسطيني وقوة احتلال، ودعمت إسرائيل هذا المفهوم عسكرياً وسياسياً عبر تحويل غزة إلى قضية منفصلة تماماً عن مجريات القضية الفلسطينية،وأصبح للقطاع قضاياه الخاصة "الإنسانية"، وأصبحت غزة تخضع لإجراءات اسرائيلية اقتصادية وعسكرية،وليست سياسية،لضمان استمرار الوضع القائم،ضمن معادلة "الردع العسكرى".
• ويفضل نتنياهو تكتيك "الانهاك المتدرج" لحركة حماس، المصحوب بـ"تكتيك الاستدراج الناعم" للحركة إلى مربعات «التهدأة» ومعادلة «الهدوء مقابل الغذاء والكهرباء» ( ).ولذلك اختار نتنياهو "الهدوء" على "الحرب" في غزة في الفترة الماضية، وجاء قراره مدعوماً بتأييد رؤساء الاجهزة الامنية الذين يعتقدون بأنه لا يوجد مبرر لشن حرب في غزة، واعتبرواأنه لا يوجد اضطرار استراتيجي لهذا الخيار في المرحلة الحالية. فالأمر مرتبط باستراتيجية اسرائيلية متفق عليها للتعامل مع قطاع غزة تحت حكم حماس ضمن محددات واضحة؛ وثمة هامش سياسي للحكومات المتعاقبة ، يعتمد على تجنب الخوض في القضايا السياسية والتركيز فقط على تقديم بعض "التسهيلات الانسانية"، بالتنسيق مع جهات عربية ودولية، بغرض المناورة وكسب الوقت وابتزاز "حماس" ومنع تحقيقها لمكاسب جوهرية في هذه المرحلة( )، فإسرائيل تريد إدامة الانقسام، وصولا الى تهدئة طويلة الأمد، وفق الشروط الاسرائيلية ، ولذلك تسود تهدئة تتأرجح، ومفتوحة على احتمال شن عدوان جديد لتحقيق هدنة طويلة الأمد، وفق التصورات الاسرائيلية.
• ومن يُتابع تحليلات الجِنرالات الإسرائيليين يجد نزوعاً بإتجاه عمليّةٍ عسكريّةٍ “مُؤكّدة” تستهدف قطاع غزّة، فقد صرح نتنياهو: إن "الجيش الإسرائيلي ينتظر مني ضوءاً أخضر لتنفيذ عملية عسكرية في غزة ستؤلم حركة حماس إذا لم تلتزم بالتهدئة"، وفق تعبيره. وأكد أن حكومته ملتزمة بالتهدئة طالما التزمت بها حماس والفصائل في قطاع غزة. وأضاف نتنياهو أن "عمليات تصفية رموز الإرهاب في غزة لم ولن تتوقف وستكون جزءاً من أي عملية عسكرية في غزة"، واستمرار حماس بالتصعيد في الجنوب، سيدفعني لإتخاذ قرار جريء لتحقيق الأهداف كاملة.
ب – فلسطينياً:
- تسعى"حماس" للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع اسرائيل، وهو الخيار الحالي لحماس في حال استمرار انسداد أفق المصالحة، تحقق من خلالها هدف الاحتفاظ بسلطتها في غزة، من دون أن تضطر لدفع ثمن الاعتراف بإسرائيل. هذا الخيار يصطدم بالعديد من العقبات، في مقدمتها رفض إسرائيل لفكرة الهدنة طويلة الأمد، وربط تقديم التسهيلات لقطاع غزة بحل مشكلة جنودها المحتجزين لدى الحركة، ووقف تطوير القدرات العسكرية. ولذلك تدرك حركة حماس استحالة أن تحصل من اسرائيل على أى شيء حتى وإن كان مطلب إنساني بدون انتزاع تنازلات سياسية من الحركة؛ التى لا تتمتع بأي غطاء عربي أو إقليمي أو دولي، وحالة المراوحة الحالية التى وصلت لها تفاهمات التهدئة هى أبلغ دليل على هذا الواقع.
- وباتت حركة حماس لا تمتلك الكثير من الخيارات، ولذلك ستلجأ الحركة حماس إلى بدائل أخرى، إلى جانب "مسيرة العودة"، للضغط على الجانب الإسرائيلي لتقديم تنازلات، مثل نقل المقاومة الى الضفة الغربية، ومواصلة إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، والتصعيد العسكري المحسوب، بحيث لا تدفع الأمور نحو مواجهة عسكرية شاملة بسبب عدم توازن القوى في المعركة البرية ( ).
- وتواصل حركة حماس استعداداتها للمعركة الشاملة، بينما تعمل إسرائيل بنشاط على الحاجز الأرضي الكبير على حدود قطاع غزة واستكملت بالفعل بناء أكثر من نصف المشروع، لسحب سلاح الانفاق الاستراتيجي من حركة حماس،ولذلك فإن حركة حماس تطور أسلحة جديدة ، منها القذائف المضادة للدروع. كما تخطط حماس لمهاجمة أهداف مدنية وعسكرية عن طريق مئات المروحيات الهجومية على طول الحدود،وهي عبارة عن مركبات جوية صغيرة بدون طيار تحلق على ارتفاعات منخفضة يصعب تحديد موقعها بالرادار. اضافة الى تطوير مدى الصواريخ التي أثبتت فعاليتها ، وقاذفات متعددة البراميل للتغلب على القبة الحديدية. وكثفت كتائب القسام اختباراتها الصاروخية في إطار تطوير قدراتها العسكرية،أثارت الاختبارات التي كانت الأكبر في الأشهر الأخيرة من حيث أعداد الصواريخ ونطاقاتها حالة من الخوف بين الإسرائيليين ( ).
- واستطاعت حماس إحداث اختراق في تحالفاتها الاقليمية واعادت علاقاتها مع ايران من خلال زيارات قيادات حركة حماس وعلى رأسها صلاح العاروري والذي استطاع ازالة الجمود في العلاقات بين الجانبين والذي استمر منذ الأزمة السورية ، وجاءت هذه الخطوة متناسقة مع التوجهات الإيرانية لتشكيل الجبهة الجنوبية في موازاة الجبهة الشمالية واللتان تشكلان ضغطا استراتيجيا على اسرائيل. وجاءت تصريحات قادة الفصائل الفلسطينية مندفعة باتجاه تأكيد التحالف مع ايران في مواجهة الولايات المتحدة وجاء في هذا الاطار تصريح زياد النخالة، أمين عام حركة “الجهاد الإسلامي” في مُقابلةٍ مع “الميادين” إن ما حدث من مُواجهات في قطاع غزّة خلال الفترة الماضية هو مُناورة بالذّخيرة الحيّة، استعدادًا للمعركةِ الكُبرى التي نراها آتيةً لا محالة هذا الصّيف” ( ). وكذلك تصريحات العاروري التي قال فيها : نحن في جبهة واحدة مع إيران في مواجهة المؤامرات الأميركية والصهيونية ( ).
سيناريوهات مستقبلية :
أ –السيناريو الاول : عملية عسكرية واسعة :
- استمرار المشهد الحالي فى قطاع غزة بين تهدئة وخرق وتصعيد يدفع بإتجاه حتمية المواجهة الشاملة بين الجانبين والتي باتت أحد الخيارات المطروحة من قبل قيادة الجيش الإسرائيلي،لإخضاع قطاع غزة، من خلال عملية عسكرية ( ) ، وهناك العديد من الستعدادات السرائيلية في هذا الاتجاه، اهمها :
1. كثّف الجيش الإسرائيلي مناوراته العسكرية، تحسبًا لتصعيد على الجبهتين الشمالية والجنوبية، تستدعي الزجّ بالقوات للقتال البري لتحقيق أهداف عسكرية تكتيكية. وانهى الجيش الاسرائيلي في 31-7-2019م خطة "الفصول الاربعة" التدريبية لتعزيز الجاهزية لمعركة مُحتملَة في قطاع غزة،وهي عبارة عن خطة تشغيلية تهدف لتحقيق إنجازات عسكرية هامة بوقت قصير،وإحباط وتدمير قدرات العدو، وتعزيز الدفاع بشكل كبير،وتوسيع الفجوة بين إنجازات الجيش مقابل العدو. وترتكز على تعاون كافة الجهات وتوسيع بنك الأهداف وتعزيز التعاون بين الإستخبارات والوحدات الميدانية ، وتنظيم شبكات الحماية المنطقة،وتدريبات مكثفة وجهود لوجستية واسعة. إضافة لذلك، يتم تنفيذ خطة لتنظيم حماية منطقة غلاف غزة وذلك لملاءمة منطقة الغلاف للتهديدات المُحتملة، وإقامة بطاريات ترابية ضد إطلاق الصواريخ المضادة للدروع، وحماية المحاور والطرقات ( ).
2. يستعد الجيش لأي سيناريو في حالة تدهور الوضع مع قطاع غزة، وبحسب المعلومات التي نشرها الجيش تقرر إستخلاص العبر ومن بينها عزل مناطق بعينها مستقبلاً، حال وجود مؤشرات على عمليات محتملة، مع وجوب النظر بشكل معمق في أي خيار هجومي تجاه القطاع مستقبلًا، والنظر إلى اليوم التالي لأي اجتياح للقطاع، خاصة وأن مليوني إنسان سيخلقون مشكلة كبيرة جدًا لاسرائيل. كما أجرى الجيش الاسرائيلي تدريبات على إخلاء المستوطنين من المناطق المحيطة بقطاع غزة في ظل إحتمالات الحرب الشاملة وتعرض تلك المناطق لهجمات من داخل قطاع غزة ( ). ونقلت القناة 12 العبرية عن إستعدادت لإخلاء المباني العالية في سيديروت خلال أي تصعيد قادم خشية تعرض الطوابق العليا من هذه المباني لخطر النيران المباشرة من غزة ( ).
3. تم نشر لواء جولاني على حدود قطاع غزة بدلًا من لواء ناحال العسكري، يذكر أن "لواء جولاني" يعرف أيضا باللواء رقم 1 في إسرائيل وهو لواء مشاة ضمن الجيش الإسرائيلي، أحد ألوية ما تسمى بـ"النخبة"( ).
4. شهدت الحدود بين قطاع غزة والجيش الإسرائيلي مؤخراً إقامة سواتر رملية عالية تمنع المقاتلين الفلسطينيين من رؤية تحركات الجيش، وجمع المعلومات حول قواته، وخشية من إستهداف الفصائل الفلسطينية لآلياته ( ).
عوامل تعزز هذا السيناريو :
1. الفترة القادمة حتى موعد انتخابات سبتمبر/أيلول ستكون في غاية الخطورة والحساسية وقد تنزلق الامور باتجاه مواجهة او حرب على احدى الجبهات الشمالية أو الجنوبية ( ).
2. إعتبرت اسرائيل التحالف بين حماس وإيران بمثابة خطراً استراتيجياً يهدد مخططاتها تجاه قطاع غزة ولذلك يمكن القول ان هذه الخطوة سيكون لها تأثيراً كبيراً على اعادةتشكيل التصورات الاسرائيلية تجاه حركة حماس في قطاع غزة، ويسرع من احتمالات المواجهة الشاملة بين الجانبين. وفي ضوء الافق المسدود ، والإستعدادات العسكرية المتواصلة في كلا الجانبين ، يبدو أن هذه المواجهة أصبحت أقرب مما يتصوره الكثيرين.
3. الأوضاع الأمنية المتوترة في منطقة "غلاف غزة" تركت أثارا عميقة على الرأي العام الإسرائيلي، خاصة في تلك المناطق التي تحتضن قواعد اليمين والليكود، بإعتبار أن هناك ثغرات في قدرة الردع الاسرائيلية وفقدانهم الثقة بالمنظومة الأمنية والسياسية في إسرائيل. ووجهت اتهامات لنتنياهو أن توجهات لعدم التصعيد، والاستمرار في مسار التهدئة، بحجة تعميق الفصل بين غزة والضفة، أعطى الفرصة لحماس لفرض معادلات عسكرية وسياسية. وهو ما وضع الحكومة الاسرائيلية الحالية أمام خيار ضرورة استعادة الردع المفقود في غزة.
4. نتنياهو قد يتوجه إلى التصعيد، بهدف تأجيل انتخابات الكنيست القادمة ، في ضوء تراجع حظوظه في تشكيل الحكومة المقبلة ، والتي كشفت عنها استطلاعات الرأي ، وهو ما يعزز المخاوف بأن يتجه نحو التصعيد العسكري، بهدف خلق حالة طوارئ يصعب من خلالها إجراء الانتخابات، لكي يحرج خصومه السياسيين عن المطالبة بإجرائها في موعدها المحدد أو يبرر الدعوة لتشكيل حكومة طوارئ.
عوائق امام هذا السيناريو :
- يتعارض هذا السيناريو مع الاعتبارات الأمنية التي تتحدث عن عدم وجود بديل يضبط الاوضاع في قطاع غزة في مرحلة ما بعد إنهاء حكم حماس وأن مواجهة بهذا الشكل ستدخل اسرائيل في اضطرابات أمنية لسنوات ستخسر خلالها الكثير من ابناءها. وتتخوف إسرائيل من ان إنهيار حكم حماس في قطاع غزة سيؤدي الى انتشار الجماعات التكفيرية والتي سيكون خطرها اكبر بكثير من حركة حماس على إسرائيل والمنطقة وخاصة في ضوء احتمالات إلتحام تلك المجموعات مع مجموعات أخرى في شمال سيناء ، إضافة إلى إمكانية التخوف من تصبح تلك المنطقة جاذبة لعناصر تكفيرية من العالم بصورة خطيرة. وهو ما سيشكل خطرا على استقرار الأوضاع في شمال سيناء ويوجه ضربة قوية للجهود المصرية لفرض الأمن في شمال سيناء وجهود القضاء على التنظيمات الإرهابية التكفيرية في المنطقة.
- هذا السيناريو يتعارض مع توجهات الإدارة الأمريكية في المنطقة لتمرير "صفقة القرن" وتشكيل تحالف إقليمي جديد، عنوانه الرئيسي مرحلة جديدة من العلاقات العربية الاسرائيلية ، لمواجهة الخطر الإيراني ، فالحرب المدمرة التي قد تشنها اسرائيل على قطاع غزة ، ستكون بالتأكيد عائقا أمام تلك التوجهات الإستراتيجية الأمريكية، وفي هذا الإطار يلاحظ مؤخراً تحركات خطيرة لخلق بيئة معادية بين الفلسطينيين والعرب ، وخاصة دول الخليج ، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ظاهرة خطيرة موجهة في الفترة الأخيرة. ولعل مخرجات مؤتمر المنامة المطالبة بتحطيم الجدار الاستاتيكي، وتغير واقع غزة إلى واقع مرضي عربياً وإقليمياً وإقناع اسرائيل للعرب انها ستشن العدوان على غزة كجزء من الصراع الإقليمي مع إيران عبر تقليم مخالبها فى المنطقة ( ).
- تدرك فصائل المُقاومة أنّ أيّ عدوان إسرائيليّ جديد على قطاع غزة سيكون بهدف القضاء عليها، ولهذا ستُقاتل بشراسة،وتستخدم كُل ما لديها من أسلحةٍ دون تردّد، وخاصّةً الصّواريخ بأبعادِها وأحجامها كافّةً، وفي هذا الإتجاه أشارت تصريحات المرشد على خامنئي مؤخراًأثناء إستقبال وفد من قيادة حركة حماس في طهران إلى حصول المقاومة في غزة على صواريخ دقيقة قادرة على اصابة أهدافها في العمق الاسرائيلي بدقة. وهو الأمر الذي يدفع الجانب الاسرائيلي الى اعادة حساباته بدقة قبل الإقدام على عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة .
• توقيت العملية العسكرية الشاملة:
1 - الاحتمال الاول : قبل الانتخابات الاسرائيلية :
- ستبادر اسرائيل لتنفيذ هجوم واسع في عمق قطاع غزة من أجل إعادة تأهيل الردع الإسرائيلي، وأجرى رئيس الوزراء نتنياهو بالفعل العديد من المناقشات حول القضية في مجلس الوزراء الأمني "الكابينيت"، ( ) ، وتؤكد التصريحات السياسية، والمناورات العسكرية أن اسرائيل باتت أقرب الى الحرب من التسوية، وتتيح الظروف السياسية الإقليمية والدولية لإسرائيل، شن حربا جديدة على غزة، لن تجد من يعارضها، وهناك العديد من العوامل التي تدعم هذا الاتجاه:
1. خوف نتنياهو من الفشل في الإنتخابات المقبلة، ورغبته في تقوية حظوظه ، مع إزدياد وتيرة الإصطفاف في الساحة السياسية الإسرائيلية عقب عودة باراك للحلبة السياسية، وفشل اليمين في تشكيل تحالف مشترك.
2. استمرار التهديدات المتبادلة بين الفصائل في غزة و إسرائيل، ومع مرور الوقت، وكثافة التهديدات، ادى إلى تآكل منظومة الردع المتبادل بينهم، لدرجة سيصبح بها التهديد لا يجدي نفعا، والكل سيسعى لتحريك المياه الراكدة من طرفه، وممارسة الضغط على الطرف الآخر.
1 – الاحتمال الثاني : بعد الانتخابات الاسرائيلية :
- في حال انتهاء الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة، ستواصل إسرائيل المراوغة وعدم الموافقة على تطبيق التفاهمات،ولن تسمح للتخفيف عن قطاع غزة،ومن المتوقع أن تزيد الخناق، لمساومة الفصائل على نزع السلاح، وإعادة الجنود بدون شروط، ( )، وصولاً الى المبادرة على تنفيذ عملية عسكرية واسعة في عمق قطاع غزة ، ويعزز هذا الاحتمال :
1. اعتبارات لوجستية تحول دون إمكانية مبادرة اسرائيل إلى عملية عسكرية قبل الإنتخابات القادمة خاصة في ضوء عدم توفر الوقت المناسب للتجهيز لعملية عسكرية من هذا النوع ، سواء على صعيد الجبهة الداخلية ،أو على صعيد الساحة الدولية ، وهو الأمر الذي يتطلب فترة من الوقت ليست بالقصيرة.
2. عدم تمكن الجيش الاسرائيلي من إتمام انشاء الجدار التحت ارضي المضاد للأنفاق على حدود قطاع غزة والذي تم انجاز حوالي 60 % من مساحته حتى الأن، بالرغم من أن اسرائيل تسابق الزمن للانتهاء من إنشاء هذا الجدار لنزع سلاح الأنفاق الإستراتيجي الذي تبنته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتكلف عشرات الملايين من الدولارات، واستطاعت اسرائيل بالفعل الكشف عن العديد من انفاق المقاومة وتدميرها ( ).
ب - السيناريو الثاني: عملية استخباراتية (اغتيال) وجولة تصعيد مكثفة ومحدودة:
- سيناريو يقوم على فرضية تنفيذ اسرائيل عملية اغتيال لاحد قيادات الفصائل الفلسطينية في الخارج او الداخل، وهنا يقع على راس القائمة ، كلاً من صلاح العاروري (نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)،والذي تتهمه إسرائيل بالإشراف على توجيه العمليات ضدها في الضفة الغربية. وزياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي ، او أحد قيادات المقاومة في قطاع غزة، وقامت المخابرات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات اغتيال مشابهة مرات عديدة وفي مراحل تاريخية مختلفة،وهو الأمر المحتمل في المرحلة الحالية.ووفق التقديرات فإن الإحتمال الأقوى يتركز على شخصيات من قيادات المقاومة في الخارج حيث أن هذه الخطوة بإمكانها أن تجنب اسرائيل الحرج الناجم عن تجاوز الوساطة المصرية بإعتبار أن العملية ، إن تمت ستكون خارج النطاق الجغرافي لإتفاق وقف إطلاق النار.كما أن الرد المتوقع لحركة حماس يمكن إدراجه في إطار سياسة "رد الفعل" أي أنها ستكون محدودة وبالإمكان السيطرة عليها.
- ووفق هذا السيناريو فان اسرائيل تستعد لرد فعل من التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة من خلال رشقات صاروخية بإتجاه اسرائيل،ولن تكون مدن المركز بعيدة عن الإستهداف،وخاصة تل أبيب،وهو ما سيؤدي إلى قيام اسرائيل بالرد بإستهداف مباشر ومركز للتنظيمات الفلسطينية دون احتلال قطاع غزة.
- تم الكشف مؤخراً عن استعدادات اسرائيلية في هذا الإطار تركز على تفعيل كثافة نارية غير مسبوقة، وإيصال قوات برية إسرائيلية إلى حدود القطاع في مراحل القتال الأولى، من خلال الدمج في عمل مختلف القوات وتخصصاتها: البرية والبحرية والجوية والإستخبارات وقوات الإحتياط، بهدف المس بصورة جوهرية بقدرات التنظيمات الفلسطينية وإيقاع خسائر فادحة في قدراتها العسكرية ، سواء على صعيد البنية التحتية أو المقاتلين.
- ويواصل الجيش الاسرائيلي سعيه لإيجاد حلول للمشاكل الميدانية المتوقعة في المواجهة القادمة وأهمها العبوات الناسفة وصواريخ الكورنيت؛ التي استثمرت فيها التنظيمات إمكانيات قتالية هائلة ، كما سيواجه الجيش الاسرائيلي الطائرات المسيرة بدون طيار التي يفترض أن تشغلها حماس بكثافة في المواجهة القادمة لاسيما تلك المحملة بالمتفجرات، ولذلك شكلت فرقة غزة في قيادة المنطقة الجنوبية وحدة خاصة لمواجهة طائرات حماس المسيرة مما يتطلب العمل بالوسائل التكنولوجية المختلفة وتزويد الجيش بالمعلومات الإستخبارية المناسبة وقد شهدت الشهور الأخيرة تقدما ملحوظاً في مواجهة الجيش لهذا التهديد ( ).
- ويعزز هذا السيناريو العوامل التالية :
1. هذا الخيار سيفتح آفاق دول الخليج أمام إسرائيل، وسيسمح بالتخلص مما يسمونه الخط الإيراني في المقاومة الفلسطينية،وسيبقى الوضع الفلسطيني على حاله المنقسم،ولن يعطي حماس أية أثمان سياسية.
2. المعلومات التي أشارت مؤخراً إلى إحباط محاولة إغتيال بعض قادة كتائب القسام في قطاع غزة ومحاولة إختطاف عدداً من قادة المقاومة من داخل قطاع غزة عن طريق عملية إستخبارية.
3. عمليات الإستطلاع المكثفة التي تقوم بها الطائرات الإسرائيلية في أجواء قطاع غزة بصورة يومية وعلى مدار الساعة بإستخدام نوعيات جديدة من الطائرات المتخصصة في التجسس على الأشخاص والأماكن ودخول نوعيات أخرى من الطائرات في عمليات الإستطلاع مجهزة بالصواريخ المضادة للافراد والتي تستخدم في عمليات الإغتيال .
4. وهذا السيناريو يعني إستمرار بقاء الأوضاع الفلسطينية على حالها،وعدم تقديم أية تنازلات سياسية لحركة حماس في غزة والاكتفاء بالتسهيلات الإنسانية التي تطالب بها حماس وسكان غزة والمجتمع الدولي،كما أن هذا الخيار بإمكانه أن يشكل مدخلاً لتطبيع العلاقات الإسرائيلية الخليجية،بحجة المساعدة فيتجاوز الأزمة الإنسانية.
5. وهذا السيناريو يساعد إسرائيل على إستعادة معادلة الردع مع غزة ؛ بدون الإعتماد على تنفيذ عملية عسكرية واسعة في عمق قطاع غزة تؤدي الى إرتكابها مجازرها في صفوف المدنيين العزل من سكان القطاع ؛ وعليه فإن أي عمل عسكري إسرائيلى من المرجح أن يكون موجهاً ومركزاً جداً ويستهدف هدفاً عسكرياً مفصلياً وثميناً جداً يكون من شأنه إرسال رسالة واضحة لا تقبل اللبس في قدرة إسرائيل وعزمها على جبي ثمن باهظ من كل من يفكر فى قطاع غزة مستقبلاً فى تغيير قواعد اللعبة السياسية القائمة؛ وضربة كتلك هى في الأساس تبدو ضربة ضرورية لإسرائيل ومبرمجة ضمن مراحل تسوية الأمر الواقع القائمة.
خريطة رقم (1) :
خطة غيورا ايلاند بشأن مستقبل قطاع غزة
ثانيا : مستقبل مشاريع ضم الضفة الغربية
- بلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية 198 مستوطنة حتى بداية العام 2019، إضافة إلى 220 بؤرة استيطانية، يقطنها حوالي 824 ألف مستوطن، منهم 318 ألفًا في القدس الشرقية المحتلة ( )، والعمل جار على رفع العدد إلى مليون مستوطن خلال عامين، إضافة إلى طرح حكومة الاحتلال حوالي 7 آلاف وحدة استيطانية في 67 مستوطنة خلال العام 2018. كما جاء إعلان يوآف غالانت،وزير الإسكان الإسرائيلي، في نهاية العام 2017، ليكشف عن نية حكومته بناء مليون وحدة استيطانية جديدة خلال السنوات العشرين المقبلة، مشيرًا إلى أن نسبة 20-30% منها ستقام في مدينة القدس( ).
- الانتشار الجغرافي للمستوطنات، يعتمد على تقسيم الضفة الى أربع مناطق :
1. يشمل القطاع الشرقي،غور الأردن وشاطئ البحر الميت. يسكن هذه المنطقة حوالي 5400 مستوطن، معظمهم في كيبوتسات وقرى صغيرة. بإستثناء جيب اريحا،تقع بقية منطقة القطاع تحت نفوذ المجالس الإقليمية: عربوت هيردين و مجيلوت،والتي تضم أكثر من 1.2 مليون دونم. وجود هذه المستوطنات أدى إلى تقليص إمكانيات التطور الإقتصادي الفلسطينيي نتيجية حرمانهم من الأرض والمياه.
2. قطاع "ظهر الجبل" في قمم سلسلة الجبال، حيث تم بناء معظم المستوطنات بمبادرة منظمة غوش امونيم ويسكن في هذه المستوطنات حوالي 34000 مستوطن. ينتشر جزء من المستوطنات على شكل سلسلة، ممتدة على طول شارع رقم 60،حيث يعد هذا الشارع كمحور المواصلات الرئيسي الذي يصل شمال الضفة بجنوبها. ويقوم الجيش الإسرائيلي بفرض قيود ليحد من حرية تنقل الفلسطينيين على هذا المحور. وتمنع هذه المستوطنات، التطور المدني للمدن الفلسطينية (الخليل، رام الله، نابلس وجنين).
3. قطاع التلال الغربية يمتد على مساحة عرضها من 20-10 كم. قرب مستوطنات هذه المنطقة، إلى الخط الأخضر ومراكز المدن في إسرائيل،حوّلها لمناطق مفضلة من الإسرائيليين. وفي المقابل تمس المستوطنات بإمكانية التطوير المدني والإقتصادي للبلدان والقرى الفلسطينية، بسبب مصادرة الأراضي من حول هذه الأخيرة. بالإضافة لذلك،وبعد تسلم السلطة الفلسطينية الصلاحيات ضمن إتفاقيات أوسلو، نتج عنها أكثر من 50 جيب مصنفة مناطق "ب" وبعض الجيوب مصنفة مناطق "أ". تحاط هذه الجيوب من جميع الإتجاهات بمناطق "ج" التي بقيت تحت سيطرة إسرائيلية كاملة. فوجود المستوطنات يقطع أوصال الإمتداد الإقليمي بين القرى، البلدات والمدن الفلسطينية الممتدة على طول هذا القطاع.
4. يتضمن موتروبوليس القدس،المستوطنات التي تم بناءها في المنطقة والتي أعلن ضمها إلى مدينة القدس وباتت تسمى بالإحياء وتضم أيضاً المسنوطنات التي تخضع لنفوذ القدس وضواحيها. يسكن هذه المستوطنات العدد الأكبر من المستوطنين، حوالي 248000 مستوطن. بناء المستوطنات في شرق القدس كان تطلب مصادرة واسعة لأراضي فلسطينية ذات ملكية خاصة. فصلت مناطق نفوذ مستوطنات القدس،الضفة الغربية إلى منطقتين،ومنعت التطور المدني لبيت لحم لوجود مستوطنات "غوش عتسيون" وفصلها أيضاً عن بقية البلدات الفلسطينية حولها.
الاهمية الاستراتيجية للضفة الغربية :
- تشكِّل الضفة أهمية إستراتيجية أمنية وعسكرية وإقتصادية للإحتلال، لتحقيق الأهداف التالية :
1. إيجاد قطاعين أمنيين على طول الحدود الشرقية والغربية للضفة الغربية،ووضع معسكرات وقواعد جوية ونقاط مراقبة،والسيطرة على محاور الطرق الرئيسية العرضية،لحماية المستوطنات،وضمان سرعة التحرك في حالة وجود تهديدات عسكرية من الشرق، وقطع التواصل الطبيعي بين الفلسطينيين، وفرض حصار سريع ومحكم عليهم عند الضرورة.
2. المحافظة على كتل المستوطنات أريئيل، ومعاليه أدوميم، وغوش عتصيون، وكرني شمرون، وكريات سيفر.
3. فرض وقائع تستطيع إسرائيل من خلالها تحويل القدس الكبرى لواقع ملموس.
4. ربط البنى التحتية الإسرائيلية بالضفة الغربية،والسيطرة على أحواض المياه الرئيسية خاصة الحوض الغربي،(يقع ثلث الحوض في الضفة الغربية،70% من مياهه تأتي منها،وتضخ إسرائيل منه 340 مليون متر مكعب سنويا، أما الفلسطينيون فيضخون منه 20 مليون متر مكعب سنويا).
5. ربط المستوطنات الإسرائيلية ببعضها،ومن ثم بإسرائيل،وإنشاء طرق لوصل المستوطنات الرئيسية بتل أبيب والقدس، وفرض حالة طبيعية من الحصار على التجمعات العربية الفلسطينية.
6. خلق حقائق على الأرض تمنع التوصل لحل نهائي مع الفلسطينيين،وإلغاء الخط الأخضر كحدود مستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
التوجهات الإسرائيلية لضم الضفة الغربية :
- تتزايد الأصوات التي تنادي بتطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية،ويعتقد دعاة ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل أن الوضع الراهن فرصة سياسية تاريخية تساعد على إنهاء حل الدولتين وتحقيق حلم أرض إسرائيل الكاملة، على خلفية ثلاث خواص خارجية لإسرائيل: الأولى: ضعف العالم العربي الذي شهد أربعة حروب،صعبة وتتوجب التعاون مع إسرائيل أمام التهديد الإيراني وتهديد الإسلام السياسي. والثانية ضعف الفلسطينيين في تجنيد المجتمع الدولي والعالم العربي لخطوات فعالة ضد إسرائيل والإنقسام المدمر ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة الواقعة تحت سيطرة حماس. والثالثة سياسة الإدارة الأمريكية التي تجري صياغتها على يد رؤية مسيحانية للسفير الأمريكي في القدس ديفيد فريدمان وبمساعدة السفير الإسرائيلي رون ديرمر، واللذان حولا منظومة العلاقات ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل الى موضوع حزبي ( ).
- وليس آخر الدعوات تلك التي قدمها عضو الكنيست (يوآف كيش) المطالبة بضم غالبية “المستوطنات” بالضفة بما فيها الكتل “الإستيطانية” و”المستوطنات” القريبة من بعضها بمسافة حتى كيلومتر واحد. وفي السياق، تظهر في الصورة مسألة هدم الخان الأحمر، البوابة الشرقية للقدس المحتلة، ومصادرة الإحتلال لأراضيه، تمهيداً للسيطرة على بقية التجمعات البدوية في بادية القدس،الأمر الذي يعني فصل شمال الضفة عن جنوبها، وإحكام السيطرة على القدس الشرقية ( ) .
خريطة (2) :
مستوطنات الضفة الغربية
خريطة رقم (3) :
أحواض المياه في الضفة الغربية :
- الإجراءات الإسرائيلية لضم الضفة الغربية :
- التغييرات التي قامت به اسرائيل في خريطة الضفة الغربية،لمنع كل إمكانية حقيقية لقيام دولة فلسطينية مستقلة ضمن حق تقرير المصير، اتخذت عدة محاور :
أولاً : المحور القانوني :
- إستعملت اسرائيل أساليب قضائية لمنح غطاء قانوني لمشروعها الإستيطاني في الضفة الغربية والذي خلق نظام الفصل العنصري، حيث أقامت جهازيين قضائيين منفصلين،والتي فيها تحدد حقوق الانسان حسب إنتمائه القومي،نظام التفرقة العنصرية (الابرتهايد)،وبموجبه تم سلب ألاف الدونمات من الفلسطينيين، لصالح المستوطنات، وتحول المستوطنين لذوي مكانة مفضلة يتمتعون بجميع الحقوق المعطاة لمواطني اسرائيل، وحقوق اضافية. وإتُّخِذَتْ قرارات وإجراءات عدة من قِبَلْ حكومة الإحتلال تشير إلى فرضها تدريجيًا للسيادة على أجزاء من الضفة، عبر قرارات حكومية، وتشريعات برلمانية.
1 - قانون القدس الموحدة : أقرّ قانون «القدس الموحدة»، بالقراءتين الثانية والثالثة، نصّ القانون على «منع أي حكومة إسرائيلية من التفاوض على أي جزء من القدس، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء الكنيست،ويوسّع القانون من صلاحيات بلدية القدس لتشمل كتلاً إستيطانية تقع جنوب القدس وشرقها، في خطوة تهدف إلى خفض نسبة الفلسطينيين في القدس، حيث يتيح القانون نقل مخيم شعفاط للاجئين وكفر عقب،اللتين تقعان خلف جدار الفصل،إلى مجلس إقليمي جديد،ما يعني طرد ما يقارب ١٥٠ ألف فلسطيني من المدينة ( ).
2 قانون القومية : أشارتالإحصاءات في العام (2018) أن عدد الفلسطينيين أصبح أكبر من عدد اليهود في أرض فلسطين التاريخية،مما أدى الى ردود فعل سلبية في اسرائيل،حيث أن الهدف المركزي للحركة الصهيونية إقامة دولة لليهود؛ فبادرت قوى اليمين في الكنيست إلى تمرير قانون القومية الذي يرسخ هدف إقامة "دولة اليهود"،والذي استهدف إيجاد القاعدة لتفضيل اليهود ويمهد الطريق القانونية لتقدم سريع في إتجاه إعطاء شرعية قانونية لتطبيق مخطط ضم أجزاء واسعة من الضفة بواسطة استمرار التوسيع والترسيخ للمستوطنات من أجل أن تخلق بهذا حقيقة تصفية كل إمكانية للدولة الفلسطينية ( ).
3 قانون التسوية : والذي يهدف إلى شرعنة عمليات التوسع في المستوطنات والبؤر الإستيطانية ، وتم اقرار القانون في شباط 2017،والذي نصّ على حق اسرائيل بمصادرة واستخدام أراضٍ فلسطينية خاصة من أصحابها، لشرعنة البؤر الاستيطانية التي ساهمت الحكومة الإسرائيلية في إقامتها. وينص القانون على تعويض الفلسطينيين الذين يثبتون ملكية الأرض المقامة عليها المستوطنات. إقرار القانون شرع 16 تجمعاً استيطانياً، إضافة إلى أربعة آلاف وحدة استيطانية، مُقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة ( ).
4 قانون السيادة الإسرائيلية على المستوطنات:واصلت الأحزاب اليمينية،ابتزاز نتنياهو،لدفعه لضم الكتل الاستيطانية والمناطق (ج)، التي تشكِّل أكثر من 60% من مساحة الضفة، والتي يعيش فيها نحو 300 ألف فلسطيني، ونحو 400 ألف. مقابل توفير الحصانة القانونية. وصادقت اللجنة المركزيّة لحزب الليكود بتاريخ 31/12/2017 على قرار بفرض “السيادة الإسرائيلية” على المستوطنات. وتقدم يوآف كيش، عضو الكنيست الإسرائيلي عن الليكود، في أواخر كانون الأول 2018 بالمشروع أعلاه من أجل التصويت عليه في الكنيست، لكنه أعيق بقرار من نتنياهو في 12/2/2018 بحجة وجود تفاهمات مع واشنطن بهذا الشأن. وفي خطوة كشفت حقيقة توجهاتهأعلن نتنياهو أنه سيقوم بإعلان السيادة الاسرائيلية على المستوطنات، تدريجيًّا، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية( )، ووفق دراسة لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن “تطبيق القانون الإسرائيلي هو "فرض للسيادة" ، وفرض السيادة يعني "الضم" ( ).
5 فرض القانون الإسرائيلي على المناطق "ج":اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، والتي تقف شاكيد على رأسها صادقت على طرح مشروع يوسع الصلاحيات القضائية للمحاكم الإسرائيلية لتشمل مناطق "ج"، وتقليص صلاحيات محكمة العدل العليا،مما يضعف احتمالية قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن أنفسهم في المحكمة العليا ويعزز السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية ( ).
6 ضم المؤسسات التعليمية في المستوطنات الى مجلس التعليم العالي: صادق الكنيست الإسرائيلي،في 12-2-2018م بشكل نهائي على مشروع قانون لتطبيق القانون الإسرائيلي على المؤسسات الأكاديمية في المستوطنات، وذلك في خطوة متقدمة لفرض السيادة الإسرائيلية من خلال تطبيق القانون الاسرائيلي على المؤسسات الأكاديمية في المستوطنات( ).
المحور الثاني : الاجراءات العملية :
1 – توسيع صلاحيات الإدارة المدنية :
- صادقت الحكومة الإسرائيلية على مضاعفة عدد موظفي "الإدارة المدنية"، بإضافة 280 موظفًا جديدًا في السنوات القادمة، من بينهم 150 موظفًا فلسطينيًا ، بحجة ارتفاع عدد السكان الفلسطينين والمستوطنين الذي يقعون في نطاق مسؤولية "الإدارة المدنية". وكشف النقاب عن توقيع إتفاقية بين وزارة المالية الإسرائيلية و"الإدارة المدنية"، ستحصل بموجبه الثانية على ميزانيةٍ تصل إلى 9 مليون شيقل لبناء 12 منشأة جديدة في الضفة الغربية. وستقوم "الإدارة المدنية" ببناء قاعدة بياناتٍ محوسبةٍ، تتضمن أسماء ومهن العمال الذين يملكون تصاريح عمل ويبلغ عددهم قرابة 100 ألف عامل، الأمر الذي يتيح للشركات الإسرائيلية إستخدام هذه المعلومات في البحث عن العمال الذي تحتاجتهم، وهو ما سيوفر على تلك الشركات دفع أموال لمقاولي توريد العمال من الضفة الغربية ( ).
- واشترط "تحالف أحزاب اليمين" على حزب الليكود تقليص صلاحيات الإدارة المدنية المتعلقة بالمستوطنين،خلال مفاوضات تشكيل الحكومة،حيث سيتم إدراج ذلك ضمن الإتفاق الائتلافي الذي يتم صياغته بين الأحزاب التي ستشارك في إئتلاف حكومة بنيامين نتنياهو،وهذا يعني أن الوزارات الحكومية ستتولى بشكل متزايد المسؤولية عن مختلف القضايا المتعلقة بالمستوطنات بالضفة الغربية، بدلاً من الإدارة المدنية،وعبر ذلك سيتم بشكل عملي فرض السيادة الإسرائيلية بالضفة حتى دون الإعلان رسمياً عن هذا الإجراء ( ).
- وينشط مسؤول الإدارة المدنية،بالتواصل مع الفلسطينيين،عبر موقع التواصل الاجتماعي،كما افتتح موقعاً إلكترونياً خاصاً على شبكة الإنترنت، يحمل اسم "المنسق".ويحتوي الموقع على قسم يحمل اسم "خدمة الجمهور"، ويستقبل شكاوى وطلبات الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
2 - السيطرة على المناطق "ج":
- المناطق "ج" ، تشكل ثلثي الضفة الغربية،وهي المنطقة الأكثر قيمة،والتي تحتوي على خزانات المياه الجوفية والأراضي الزراعية،والتي تقدّر مساحتها بنحو42%من مساحة الضفة،ويبلغ عدد المستوطنات فيها 242 مستوطنة،منها 100 بؤرة استيطانية،ويسكنها 600 ألف مستوطن ( ).
- تستغلّ إسرائيل سيطرتها العسكرية في الضفة الغربية لتمنع الفلسطينيين من البناء في مناطق"ج"،التي تشكل متّسعًا لإمكانيّات التطوير الحضري والزراعي والإقتصادي للفلسطينيين. وتفرض إسرائيل هذا المنع بواسطة تعريف مساحات شاسعة كـ"أراضي دولة" و"أراضي مسح" و"مناطق إطلاق نار" و"محميّات طبيعية" و"حدائق وطنية"،ومن خلال ضمّها إلى نفوذ المستوطنات أو عبر القيود السارية على الأراضي التي احتجزتها إسرائيل بين جدار الفصل والخط الأخضر. وتم ضم حوالي 2 مليون دونم، استولت عليها إسرائيل عن طريق إعلانها اراضي دولة تحت نفوذ ستة مجالس إقليمية،لم يتم نقلها لمستوطنة معينة. جزء من هذه الأراضي، خاصة في غور الأردن، يفلحها المستوطنون أو يتم إستعمالها كمناطق تدريب للجيش الأسرائيلي.إلا اأن أغلبية هذه الأراضي أراضي خالية وتعتبر مخزون إحتياطي لتوسيع المستوطنات ولإقامة مناطق صناعية وسياحية جديدة.
- وتطبّق إسرائيل سياسة تمنع البناء الفلسطيني في تلك المناطق إمّا عن طريق الرفض الكلّي لطلبات البناء، وترفض المصادقة على خرائط هيكلية لمعظم البلدات الفلسطينية في مناطق"ج". وتُظهر معطيات الإدارة المدنيّة أنّه بين بداية العام 2000 حتى منتصف العام 2016 قدّم الفلسطينيون لمكاتب التخطيط 5,475 طلبًا لإستصدار رخص بناء، فقط 226 طلبًا أي نحو 4% فقط تمّت المصادقة عليها.
- ولتعزيز سيطرتها على المناطق ج، صادق الكابينيت الإسرائيلي في 28-7-2019م،على مخطط لبناء 6000 وحدة سكنية في المستوطنات، و700 وحدة سكنية للفلسطينيين، في خطوة تؤكد من خلالها الحكومة الاسرائيلية انها صاحبة السيادة على هذه المناطق، وانهاء اية صلاحية للسلطة الفلسطينية.
3- توسيع مناطق متروبوليس القدس– القدس الكبرى:
- إفتتاح الشارع في شمال شرقي القدس بين منطقة حزما والزعيم للسفر المنفصل للإسرائيليين والفلسطينيين جاء ضمن سياسة حكومة نتنياهو لتشجيع خطوات الضم. هذا الشارع استهدف تمهيد الأرض لبناء حي مبسيرت ادوميم “إي1″، لخلق تواصل بين معاليه ادوميم والقدس. وسيسهل على سكان مستوطنات متيه بنيامين الوصول إلى القدس، وسيمكن من ازالة حاجز الزعيم الذي يصعب حركة سكان معاليه ادوميم إلى القدس. وسيؤدي إلى “تعزيز متروبول القدس الكبرى” وتطبيق إقتراح ضم معاليه ادوميم ومحيطها،الذي قدم من قبل أعضاء الكنيست في لوبي أرض اسرائيل الكاملة،وهو مدعوم من وزراء كثيرين، ونفتالي بينيت واييلت شكيد على رأسهم. كما أن فتح الشارع سيشجع حكومة اليمين المستقبلية على الخطو خطوة أخرى والإنتقال من “الضم الزاحف” إلى الضم بواسطة قانون فضاء معاليه ادوميم( ).
خريطة رقم (4):
"المناطق ج" في الضفة الغربية
خريطة رقم (5) :
منطقة القدس الكبري
ضم الضفة الغربية : سيناريوهات وإحتمالات:
• في ضوء إرتفاع وتيرة الإجراءات العملية لضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها،والتصريحات الإسرائيلية والأمريكية المؤكدة لتلك التوجهات،ومع تأكيدات بنيامين نتنياهو عن وجود تلك المخططات،يمكن تصور خطط الضم تتمحور في الإحتمالات الثلاثة التالية :
• الإحتمال الأول :الإعلان عن ضم المناطق المصنفة "ج" الى السيادة الإسرائيلية بصورة رسمية،بما يضمن ضم جميع المستوطنات إلى السيادة الإسرائيلية،وإبقاء مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني أ و ب تحت المسؤولية المدنية للسلطة الفلسطينية،ويتعزز هذا الإحتمال في ضوء العوامل التالية :
1. سياسة الحكومة الإسرائيلية في مناطق "ج"،يقف من ورائها توجه إستراتيجي لضمها إلى السيادة الإسرائيلية،من خلال إنشاء الظروف التي تحدّد المكانة القانونيّة الدائمة لهذه المنطقة،وتعزيز الوجود اليهودي والسيطرة الإسرائيلية على موارد المنطقة،لخلق واقع دائم يصعب تجاوزه أو تغييره. ويتعزز هذا التوجه في ضوء عمليات التطهير العرقي - الإداري الممنهج التي تمارسها سلطات الإحتلال الإسرائيلي، ومع تراجع أعداد الفلسطينيين،وزيادة أعداد المستوطنينفي المناطق "ج" ( ).
2. يعتبر هذا الإحتمال الأقرب للتطبيق في المرحلة الحالية،في ضوء تلك المواقف الأمريكية المنحازة لإسرائيل،من المتوقع أن يبادر نتنياهو إلى تمرير قرار فرض وإعلان السيادة الإسرائيلية على "المناطق ج"، بدعم واضح من الإدارة الأمريكية، التي تعتبر أن هذا القرار يتوافق مع تصوراتها لمنح الفلسطينيين "الحكم الذاتي" على ما تبقى من مناطق الضفة الغربية (المناطق أ و ب).
3. الضغوط الكبيرة التي تمارس على نتنياهو لضم المناطق ج إلى السيادة الإسرائيلية من الأحزاب اليمينة والمستوطنين والأحزاب الدينية بإعتبارها خطوة على طريق إعلان السيادة اليهودية على ما تسمى يهودا والسامرة.
- الإحتمال الثاني :تبادر إسرائيل إلى توسيع متروبوليس القدس بإعلان ضم المستوطنات الشرقية وضم الكتل الإستيطانية الكبيرة وبعض الكتل المعزولة.
- الإحتمال الثالث : ضم غالبية المستوطنات في الضفة الغربية بما فيها الكتل الإستيطانية والمستوطنات القريبة من بعضها بمسافة حتى كيلومتر واحد.
• كلا الإحتمالين الثاني والثالث يجدان دعماً كبيراً في أوساط قادة يمينيين سابقين في الجيش الإسرائيلي يعتبرون أن كلا الخيارين سيضمنان الإستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين،ويفضلون البدء بضم مستوطناتالقدس،وصولًا إلى الإستعداد لتغيير دراماتيكي،وبشكل متدرج،لضم قانوني لأجزاء واسعة وخالية أو قليلة السكان من الضفة،خشية أن يؤدي الضم مع السكان إلى إنفجار القنبلة الديمغرافية في وجه إسرائيل،من خلال زيادة عدد الفلسطينيين في إسرائيل ليكون أكبر من اليهود بمعدلات متزايدة،بما يهدد الطابعَ اليهودي لإسرائيل.
• خاصة أن ضم المناطق ج،سيؤدي إلى إشعال المناطق الفلسطينية،وتعريض حياة الإسرائيليين للخطر، وسيشكل لأجهزة الأمن الإسرائيلية كابوساً تخشى أن يتحقق؛لأنه يعني القيام برعاية شؤون 2.6 مليون فلسطيني،بتكلفة سنوية حوالي 52 مليار شيكل،والمغامرة بمستقبل الدولة اليهودية،وتحويلها مع مرور الوقت إلى دولة واحدة بأقلية يهودية،ما يعني القضاء على المشروع الصهيوني الذي نجح قبل 71 عاماًبإقامة دولة إسرائيل”. ( ) . ومن الجدير بالذكر فقد حذر الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يورام كوهين، من مخطط ضم "المنطقة ج" في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، ضم هذه المنطقة لإسرائيل سيقود إلى "حمام دم لا ضرورة له ( ).
• وتمرير أي من الاحتمالات الثلاثة السابقة ستكون الهدية الأهم التي سيحصل عليها نتنياهو في الانتخابات القادمة،والتي ستدعم موقفه المهزوز في الانتخابات الإسرائيلية القادمة،خاصة وأنها ستمنحه المزيد من أصوات والمعسكر اليميني،بصورة عامة،والمستوطنين،بصورة خاصة،الذين باتوا يشكلون قوة انتخابية لا يستهان بها في اسرائيل.
تداعيات المخططات الاسرائيلية:
1. التطورات الأخيرة في الضفة الغربية تضع تساؤلات أمام نجاعة المفهوم الاستراتيجي الاسرائيلي في إدارة النزاع دون "أفق سياسي"، والاعتماد على “الوضع الراهن” ، الذي تحت رعايته يتم التوسع الاستيطاني، وتهيئة الظروف القانونية لضم مناطق في الضفة، المرتكز إلى سياسة تحسين شروط الحياة المعيشة للسكان الفلسطينيين، لضمان الحفاظ على الهدوء الامني دون تحديد اهداف سياسية واضحة.
2. تطبيق السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية ستؤثر على الفلسطينيين في تلك المناطق، حيث سيصبحون مقيمين دائمين في إسرائيل، ويتمتعون بجميع الحقوق ، بما فيها المواطنة الإسرائيلية، وهو ما يتعارض مع مخططات اليمين لاقامة الدولة اليهودية ويجعل اسرائيل في مواجهة مع المشكلة الديمغرافية. وفي حالة رفض منحهم كامل حقوق المواطنة فان هذه الخطوة ستشكل ضربة لصورة الدولة الديمقراطية التي طالما روجت لها اسرائيل في العالم وستتعزز صورة نظام الفصل العنصري وتخلق مسار تصادم داخل المجتمع الإسرائيلي. ومن المتوقع ان تشهد اضطرابات سياسية، امنية، اجتماعية، اقتصادية وقانونية من شأنها ان تقود الى عملية تغيير تاريخية ودراماتيكية في بنية المجتمع الاسرائيلي ( ) .
3. هذه الخطوة ستتعزز الشعور باليأس لدى الفلسطينيين بشأن تطلعاتهم الوطنية، وسيؤدي الى موجة جديدة من العنف تستمر لسنوات، وسيكون الجيش الاسرائيلي مضطرا لتوسيع نشاطاته في الاراضي الفلسطينية، في ضوء وقف الفلسطينيين لكافة اشكال التعاون الامني مع اسرائيل. وفي حالة اقدام الفلسطينيين على خطوة حل السلطة الفلسطينية، ستتحمل إسرائيل الآثار الاقتصادية الكبيرة المتمثلة في توفير كامل لاحتياجات حوالي 2,5 مليون مواطن فلسطيني.
4. الضم سيقضي على إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية وسينهي خيار حل الدولتين، وسيقوض علاقات السلام مع مصر والأردن، وسيُصعب محاولات التقرب مع دول عربية أخرى، وستشكل ضربة لعلاقات اسرايئل الخارجية، وتهديد لمصالحها الاقتصادية، العلمية والثقافية ( ).
ثالثا : التصورات الاستراتيجية والتوصيات :
• ستواصل اسرائيل توجهاتها الاستراتيجية باتجاه الفصل بين جناحي الوطني الفلسطيني ، ووفق تقديراتنا فانه وفي ضوء العديد من المؤشرات ، التي ذكرناها آنفا ، فاننا نعتقد ان نتنياهو سيبادر الى اتخاذ قرار باعلان ضم المستوطنات الى السيادة الاسرائيلية واخضاعها بصورة كاملة للقوانين الاسرائيلية ، بدعم من الادارة الامريكية ، وسيتجنب اتخاذ قرار ضم الضفة الغربية بصورة كاملة او ضم "المناطق ج" ، بناءا على توصيات الاجهزة الامنية الاسرائيلية لتجنب تداعيات وتأثيرات هذا القرار.
• المخططات الاسرائيلية في الضفة الغربية ستمس بالطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني ما سيعزز من ردود الفعل الاكثر عنفا ردا على محاولات اسرائيل طمس الهوية الفلسطينية، وستتزايد احتمالات انفجار الاوضاع في الضفة الغربية، بسبب سياسة العقوبات الجماعية والتوسع الاستيطاني، والاعتقالات وهدم البيوت، انسداد الأفق السياسي. ولعل اتساع دائرة العنف وعودة ظاهرة العمليات التي يقوم بها أفراد خارج أي سيطرة في الضفة، سيكون واحداً من التحديات المقلقة لإسرائيل، ويلغي أي إمكانية للسيطرة الاستخبارية.
• وعلى صعيد قطاع غزة ، فان تقديراتنا تشير الى ان نتنياهو سيكون مضطرا ، بفعل عوامل زمنية ولوجستية وميدانية ، لتجنب تنفيذ عملية عسكرية واسعة ، والخيار الاكثر احتمالا هو "الخيار الاستخباري" المصحوب بـ "قوة نارية مكثفة" تستهدف البنية التحتية للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة .
• الادعاءات الاسرائيلية بدعم اقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، تحت سلطة حركة حماس ، تندرج في اطار سياسة "الخداع الاستراتيجي" التي يستخدمها نتنياهو للاستفادة من الانقسام الفلسطيني لتمرير مشروع ضم الضفة الغربية، حيث اشارت دراسات استراتيجية اسرائيلية الى ان غزة بوضعها الحالي (جغرافيا وسكانيا واقتصاديا) غير مؤهلة لاقامة دولة قابلة للحياة وان كافة مشاكل هذه المنطقة مرشح للانفجار في وجه اسرائيل على المدى الاستراتيجي، ولذلك فانه وحتى يتحقق سيناريو اقامة الدولة في هذه المنطقة الجغرافية الضيقة يجب اجراء بعض التعديلات على ارض الواقع من خلال توسيع قطاع غزة باتجاه شمال سيناء ( )، وهو الامر الذي يلاقي معارضة مصرية وفلسطينية وعربية ، تعتبر اسرائيل ان من الممكن تجاوزها عن طريق الدخول في حرب واسعة مدمرة يكون احد اهم نتائجها اجراء عملية ازاحة سكانية وتعديلات جغرافية، وهذا السيناريو يمكن التأكيد انه الاقرب للتنفيذ وفق التوجهات الاستراتيجية الاسرائيلية.
• التوجهات الامريكية والتي كانت تدعي انها تسعى لتحقيق التسوية في المنطقة اتضح انها تسعى لتفجير المنطقة ، فالغطرسة والغرور التي تعمل تميز طريقة هذه الادارة في التعامل مع الازمة الاخطر في العالم منذ سنوات لا تشير الى ان هناك توجه حقيقي للحل وانما التوجه الاخطر للتفجير وهو هدف يتلاءم مع المصالح الاستراتيجية الامريكية التي تسعى الى اقحام منطقة الشرق الاوسط والخليج في توترات ستنعكس سلبا على الامن والسلم الدوليين ، خاصة ان الوضع الجيواستراتيجي للمنطقة يجعلها محور اهتمام اقطاب الصراعات الدولية، في مؤشر على نهاية مرحلة استقرار النظام الدولي وسيطرة الركود على الاقتصاد العالمي وتصاعد فرص واحتمالات المواجهة.
• وفي المشهد الاقليمي، نود لفت انتباه الكثير من المتفائلين في المنطقة بخصوص تحالفات محتملة مع اسرائيل، فبالرغم من الحديث المتزايد عن تحالفات اقليمية يجري اعادة صياغتها في المنطقة ، تكون اسرائيل جزءا منها ، نجد ان جميع المؤشرات من داخل اسرائيل تؤكد انها لازالت رافضة للاندماج في المحيط ، باعتبار ان هذا الاندماج يتطلب منها تقديم الكثير من التنازلات ، ولذلك فانها تصر على البقاء خلف "الجدار الحديدي". ولذلك فان اسرائيل ستبادر الى خطوات دراماتيكية سواء في الضفة او في قطاع غزة دون النظر الى التحالفات الاقليمية التي يجري الحديث عنها.
• استراتيجية الحكومة الاسرائيلية ، مدعومة من ادارة ترامب وفريقه الاستيطاني، وبناءا على الاجراءات على ارض الواقع ، والتصريحات المعلنة ، تؤكد انها قد اسقطت من حساباتها "حل الدولتين"، وهو الامر يطرج تساؤولات حول مستقبل السلطة الفلسطينية، والتي تتمحورحول الاحتمالات التالية :
1. الاحتمال الاول : بقاء السلطة كما هي، مع اجراء بعض التعديلات لجهة اعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، واعادة بعض الصلاحيات الى المنظمة باعتبارها مصدر السلطة واساس وجودها، مما يفتح المجال امام اعادة صياغة طبيعة الصراع مع الجانب الاسرائيلي الى ابعاده الدولية والعربية والاقليمية.
2. الاحتمال الثاني : حل السلطة ردًّا على تنصل إسرائيل من كل التزاماتها وسيرها نحو الضم لأجزاء من الضفة الغربية، أو انهيارها احتجاجًا على فقدان مبرر وجودها، والمستمد من كونها “مرحلة انتقالية” على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وهذه الخطوة يمكن اعتبارها انتحارا سياسيا فلسطينيا تدفع اسرائيل باتجاهه ، خاصة لجهة انه يتناسب مع المخططات الاسرائيلية التي تسعى الى فرض سيناريو الضم على اجزاء واسعة من الضفة الغربية وابقاء المناطق الاخرى ذات الكثافة السكانية الفلسطينية الكبيرة تحت سيادة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، وهو ما ينهي كل المنجزات التي تم تحقيقها على مدار السنوات الماضية ويفسح الجال لسيادة الادارة المدنية المتحفزة للسيطرة في الضفة الغربية.
3. الاحتمال الثالث : قيام منظمة التحرير بإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها وموازنتها وعلاقتها بالمنظمة، لكي تكون فعلًا أداة في يد منظمة التحرير، التي هي الأخرى بحاجة إلى إعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي، وتكون البديل في حال انهارت السلطة.
• الاضطراب الذي يميز المشهد وتداخل الاستراتيجي والتكتيكييضع علامات استفهام حول قدرة أي طرف على توجيه الاوضاع والسيطرة عليها، فالمخططات الإسرائيلية لا تعني "حتمية التطبيق"، ورغم مظاهر الضعف الفلسطيني، في ظل معادلة دولية واقليمية غير متوازنة، دفعت بالقضية الفلسطينية إلى هامش الأجندة الدولية، الا ان الفلسطينيينيمتلكون أوراق قوة بإمكانهم استغلالها لتحسين وضعهم بما يخدم مصالحهم الاستراتيجية. وعلى رأس هذه الاوراق الكيان السياسي القائم "السلطة الوطنية الفلسطينية"، والتي تشكل عنوانا دوليا للشعب الفلسطيني، والذي نعتقد بأهمية بقاءه واستمراره، بالرغم من الدعوات والنصائح من اطراف مختلفة باعلان "حل السلطة"، وهو الامر الذي سيشكل خطوة على طريق تمرير المخططات الاسرائيلية لتمرير مشروع الحكم الذاتي، على ما تبقى من الضفة الغربية.
• وفي الرؤية الاستراتيجية، ليس صحيحا التمسك بسياسة الرد وتفضيلها على المبادرة لتصميم واقع اكثر استقرارا، ولذلك فان الجانب الفلسطيني مطالب بالمبادرة الى خطوات ابداعية لمواجهة المخططات الاسرائيلية. فالدوائر الاستخبارية والاستراتيجية الاسرائيلية اطلقت تحذيرات من خطورة مخططات الحكومة اليمينية الاسرائيلية ، ومحور تلك التحذيرات هو "التخوفات الامنية" وانعكاساتها المحتملة على اسرائيل. ويمثل ذلك اشارة الى الهامش الذي من الممكن ان يبادر اليه الجانب الفلسطيني. فالمفاضلة بين مفهوم "الاحتلال المكلف" و "الاحتلال الغير مكلف" تؤرق تلك الدوائر الاسرائيلية التي تتعامل بصورة مختلفة عن الحكومة الاسرائيلية. ولا تعني الاشارة الى "التكلفة" هنا ان الامر يعني التوجه الى العمل العسكري ، فهناك الكثير من الجوانب التي من الممكن ان تجعل الاحتلال الاسرائيلي اكثر تكلفة.
بقلم : الدكتور يوسف يونس (نائب رئيس مركز الناطور للدراسات والابحاث)