هل تعاني حماس من أزمة فقهية ومشكلة تأصيل شرعي معتمد؟

بقلم: سري سمور

خلصت في ختام المقال السابق حماس تصلي في طهران.. تحول سياسي أم جدل فقهي؟ إلى أن ثمة أزمة حقيقية في أروقة حركة حماس، على مستوى القواعد والكوادر، مردها ضعف أو خلل في أدوات التثقيف الفقهي والسياسي، وهذه الأزمة بدت آثارها تظهر وتجلت أكثر ما تجلت في طبيعة وصيغة وفكرة انتقاد زيارة وفد حماس إلى طهران الشهر الماضي.
    
ضعف التفقه وتراجع الاهتمام بالعلم الشرعي
لنبدأ بموضوع الفقه والأحكام الشرعية؛ فنحن أولا وأخيرا نتحدث عن حركة إسلامية، تعلن أن الإسلام مرجعها، واسمها ما زال هو (حركة المقاومة الإسلامية) وبالتالي لا يمكن إغفال جانب التأصيل الشرعي، حتى ولو كانت الحركة فعليا لا تكثر من استخدام المفردات والمصطلحات الشرعية في خطابها، ولكن هذا على اعتبار أن هذا الخطاب مقبول شرعا، وله مصوغاته وأدلته التي تتوافق مع أحكام الإسلام. وقد ظهر أن هناك نوع من الضعف الشديد في مسألة التفقه وطريقة الأخذ بالحكم الشرعي في القضايا الخلافية، أو حتى غير الخلافية، لدى القواعد والكوادر بمن فيهم من هو مختص ودارس للعلوم الشرعية، وبرزت مظاهر تشتت وسطحية شديدة وعدم وضوح معالم المدرسة التي تعتمدها الحركة في اعتماد وتبني الرأي الفقهي.
 
أزمة إخوانية
والحقيقة أن الأزمة الفقهية تتعدى حركة حماس إلى الإخوان المسلمين في الفترة الماضية حتى الوقت الراهن، وقد كتبت عن تفوق السلفيين على الإخوان المسلمين في مجال الاهتمام بنشر العلوم الشرعية في مطلع العام الجاري 2019 وهو ما خلق مشكلة في صفوف الإخوان ما زالت تتوالد، بعد إعلان التيار السلفي الحرب عليهم، بكافة تياراته وتفرعاته، بينما تجد إخوانيين سلفيين، في تناقض غريب عجيب.
 

تاريخ إخواني حافل ولكن..
لا شك أنه كان للإخوان المسلمين باع طويل وجهد مثمر في طلب العلوم الشرعية وتدريسها ونشرها، وبرعوا في وسائل التدريس وطباعة الكتب والنشرات، وتوزيع الخطب والمواعظ باستخدام أشرطة الكاسيت، وكان منهم علماء مبرزون يشار لهم بالبنان. ولا يتسع المجال إلى ذكر كافة علماء الإخوان المسلمين الذين لهم بصمات وجهود لا ينكرها إلا جاحد في كافة حقول العلوم الشرعية؛ ولكن حسبنا أن نذكر بعض الأمثلة؛ فالشيخ (سيد سابق) صاحب كتاب (فقه السنة) الذي ما زال يطبع ويتداول بحيث تحس بأن البركة فيه مستمرة، بل عرفت من يعتمده ويروج له دون أن يدري بأن مؤلفه من الإخوان المسلمين، كدلالة واضحة على سعة الانتشار بين مختلف طبقات المجتمع وفي شتى الأمصار.
 
ومع أن سيد قطب ليس مختصا في العلوم الشرعية، ولكن حفظه للقرآن الكريم في صغره، والذكاء الحاد الذي اتسم به، ومنهج التدريس في (كلية دار العلوم) التي تخرج منها، وما فتحه الله عليه، جعل كتابه الشهير (في ظلال القرآن) من أكثر كتب تفسير القرآن الكريم تداولا واهتماما، وربما يرى بعض المهتمين أن (الظلال) هو خواطر تفسيرية أكثر منه تفسيرا بالمعنى الدارج المعروف عن متقدمي ومتأخري علم التفسير، ولكن يظل كتاب سيد قطب حاضرا بقوة عند أي مهتم مختص أو غير مختص بتفسير القرآن الكريم.
 
وفي سورية نذكر الشيخ (مصطفى الزرقا) وتلميذه (عبد الفتاح أبو غدة) و(سعيد حوّى) وغيرهم من العلماء. ومن الأردن الشيخ (همام سعيد) الذي ذكرته في مقال سابق، والشيخ (أحمد نوفل) وكذلك (عبد الله عزام) الذي اشتهر بجهاده في أفغانستان أكثر من كونه من علماء أصول الفقه النابغين، والحاصل على دكتوراه من مصر، أضف إلى ذلك قيام الإخوان بالعناية بالعلماء العاملين من غير المنتسبين إلى الإخوان أو حتى من الخارجين من الحركة لسبب أو لآخر؛ والقيام بنشر مؤلفاتهم، وحتى تدريسها في أوساطهم، مثل اهتمامهم كثيرا بالشيخ (محمد الغزالي) وكتبه ومقولاته مع أنه خرج من الإخوان في خمسينيات القرن الماضي.
 
بل إن كثيرا من علماء السلفية عرفتهم أوساط في بيئات ومجتمعات غير سلفية بتاتا، من خلال نشطاء الإخوان ومنابرهم، مثل الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين...بل إن العالم الأزهري الشيخ (عز الدين القسام) والذي لم يكن إخوانيا قد حظي باهتمام خاص من الإخوان إلى درجة أن فرعهم الفلسطيني(حماس) اختار اسمه لجناحه العسكري (كتائب الشهيد عز الدين القسام)...فلم يقتصر اهتمام ورعاية الإخوان المسلمين ونشرهم سير العلماء ومؤلفاتهم وخطبهم على من هو منتظم في صفوفهم، بل تجاوزه إلى غيرهم اتفق مع دعوتهم أو اختلف أو كان حياديا.
 
وكان وما زال دور الإخوان فيما عرف بمرحلة (الصحوة) في السعودية وبروز ما عرف بالتيار السروري نسبة إلى الشيخ السوري محمد سرور زين العابدين محل أخذ ورد، حيث ينسب لهذا التيار فكرة المزج بين القطبية والتيمية، مع اختلاف المدرستين، ولكن هذا التيار أخذ من كل مدرسة شيئا وبنى عليها مواقفه وأفكاره وروّج لها.. ولعل مشكلة الإخوان في حقل العلوم الشرعية بدأت من هنا. وفي كل الأحوال يندهش المرء حين ينظر إلى هذا الماضي العريق وإلى ما آلت إليه الأوضاع في هذا المجال عند الإخوان، حيث تراجع دورهم كثيرا في حقل العلوم الشرعية، بعدما كانوا من الروّاد، وهذا انعكس بطبيعة الحال على حركة حماس.

تراجع الأزهر وصعود السلفية
إن فكرة (دولنة) مشيخة الأزهر يعود إلى مرحلة حكم محمد علي وقد تزايدت وكبرت الفكرة إلى أن وصلت إلى تحوّل المشيخة إلى ما يشبه الوزارة أو الهيئة التي تأتمر بأوامر من يحكم في القاهرة، وإبان حكم جمال عبد الناصر وتبنيه خطابا قوميا علمانيا صريحا، ومع محنة الإخوان في مصر، تراجع دور الأزهر في صياغة الشخصية الإسلامية، والتي كان للأزهر دور محوري فيها، حينما انتشر الأزهريون في كل البلاد العربية والإسلامية في أفريقيا وآسيا.
 
وجد الإخوان في السعودية ملاذا آمنا ومكانا لتحصيل الرزق وحرية في العمل تلك الفترة، ولكن ما جرى هو تسلل الأفكار والآراء والفتاوى السلفية التي كثير منها لا تتناسب مع البيئات الشامية والمصرية وغيرها، كما يجب التنويه أن حالة سورية التي ازدهرت فيها العلوم الشرعية قرونا طويلة، صارت محزنة وسجن كثير من علمائها أو فصلوا من وظائفهم وآخرون(منهم سرور والغضبان) فروا إلى السعودية وغيرها، وفقدت كليات ومعاهد الشريعة فيها ألقها وتأثيرها الذي كان كفيلا بكبح جموح التشدد السلفي... ناهيك عن حالة اللاتمذهب في بلاد ازدهرت فيها المذاهب وكان لها علماء كبار ومدارس ووقفيات؛ فكما نعلم من أهم ملامح السلفية هي اللامذهبية.
 
وتوجه عدد لا يستهان به من الإخوان، ومنهم فلسطينيون إلى دارسة الشريعة في السعودية، فتأثروا بالبيئة والجو السلفي كثيرا، وظهر هذا عند عودتهم إلى فلسطين، ولم يقتصر التأثر بالسلفية بصيغتها الوهابية على من درس الشريعة فهذا شمل من عملوا في القطاع الخاص والطبابة والهندسة والتجارة، ولما عادوا كانوا يحملون هذه الأفكار والاختيارات الفقهية إلى بلاد حالها مختلف من شتى النواحي. وكان عبد الله عزام مع أنه أزهري التعليم، يجنح إلى السلفية، وإلى التشدد وإلى التخشّن، وقد تأثر به تلامذته ومريدوه كثيرا، خاصة عن عودتهم إلى فلسطين، ومن هؤلاء من هو كادر أو قيادي في حركة حماس التي تأسست لاحقا...وسأوضح الصورة أكثر مع أمثلة في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.

سري سمور
كاتب ومدون فلسطيني