اعترف بادئ ذي بدء أن العنوان الذي اخترته يمثل نقيضين متكاملين فهو يجمع بين الفقر والمال . ولكن لأننا فيما نكتب نبحث دائما عن ملامسة معاناة الناس وقهر هم وإيصال كل ما يجول بخاطر أي انسان بسيط في هذا الوطن بعيدا عن بروتوكولات السياسة والإعلام والتحليل والتجميل التي ثبت أنها أصبحت مملة وتحولت إلى تجارة تدر كثيرا من المال على ممارسيها دون الأخذ بالجانب الوطني في الموضوع .
فمن حق القارئ أن يتساءل كيف لهؤلاء الفقراء أن يصنعون المال . ولا يمكن لأحد أن يجيب على هذا التساؤل إلا من تعايش مع ظروف الحياة وازماتها في قطاع غزة فهي حياة صعبة قاسية تعاني الاحتلال والحصار والانقسام والكثير من الأزمات الداخلية الحياتية. ولكن عندما نعود وبنظرة سريعة الى مسار الحياة في قطاع غزة والوقوف أمام الحقائق على الارض نجد فعلا أن هؤلاء الفقراء في أغلب الأحوال يصنعون أموال الأثرياء وذلك بصمودهم وحفاظهم على وطنهم وصبرهم على فقرهم والاكتفاء بما يقدم إليهم من المؤسسات الإغاثية كما ونوعا حتى لو كان ما يقدم بعيدا عن المواصفات المطلوبة ولكن هؤلاء التجار أصحاب النفوس المريضة للأسف رسموا خريطة الوطن في جيوبهم وليس في عقولهم وعملوا على توزيع المتطلبات الإغاثية للسكان بمشاركة المؤسسات المعنية بتجرد تام من أي انتماء وطني . فقد يقوم التاجر بتوزيع كل البضائع الراكدة لديه والتي لم تسوق في الأشهر الماضية لكي يتم بيعها للناس أو قد يقوم التاجر بعرض بضائع تحمل مواصفات منقوصة وبأسعار متفق عليها مع المشرفين والكثير من أوجه التلاعب المعروفة . إن استمرار المشاريع الإغاثية في قطاع غزة بصورتها الحالية يمكن القول أنها لا تحمل أي بصمة وطنية بل هي مشاريع استثمارية تمارسها فئة متنفذة بعلاقاتها في غزة سواء كانت اجنبية أو فلسطينية تتاجر بمأسي الناس ومعاناتهم وفي هذا المقام نحن لا نتجنى على أحد ولكن الوقائع على الارض هي من يدفعنا إلى قول ذلك منها الفخامة التي يحياها كل موظفو هذه الجمعيات والمؤسسات على أرض الواقع البذخ الذي تنفذه هذه المؤسسات خلال ورشاتها عدم وجود تناسب منطقي لهذه المؤسسات بين مصاريفها الخدماتية والقيمة المادية لمشاريعها الإغاثية وهذا ذكرا وليس حصرا .
إننا لا ننكر أهمية التمويل الإغاثي لاستمرار حياة الناس ولكن بالمقابل كان من الممكن أن يكون في صورة أفضل بكثير مما هو عليه الآن لو أن القائمين عليه أو المتابعين للحالة ادووا واجباتهم بتجرد تام دون النظرة إلى المصالح الخاصة وفرض المصلحة الوطنية على المشروع برمته.
لقد أصبح موضوع المساعدات الإغاثية في قطاع غزة الشغل الشاغل للسكان وهو ما يجعلهم في بحث متواصل عن مصادر التوزيع واماكنها دون كلل أو ملل ويجب على المواطن المحتاج أن يوالي فلان ويعادي آخر ويجب على المواطن المحتاج أن يكون مطيعا لفلان وان يكون من حاشية علان ، إنها معايير نخجل من أنفسنا أن نستمر في كتابتها فهي حالة افقدت الإنسان الفلسطيني في غزة وغيرها الكثير من كرامته التي هي رأس مال الشعب الفلسطيني في صموده في وجه المحتل وذهبت به إلى أدنى درجات الانحدار التي يرفضها كل أحرار العالم. ختاما نقول لكل من يشارك في فرض هذه المعاناة على الناس لطفا بشعبكم الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل أن يحيا الوطن .
بقلم/ فادي شحادة