حالة الاستنزاف للفلسطينيين والتي يمارسها الاحتلال على جبهتي الانقسام الفلسطيني في الشمال والجنوب تحتاج من كلا المتخاصمين او المتحاربين او المتصارعين في الضفة وغزة بان يفهموا ان حالة الاستنزاف التي يمارسها الاحتلال لكلا الطرفين يديرها بكل براعة وذكاء وخدمه في ذلك الانقسام فهو يستنزف حالة المعتدل واطروحاته وحالة المتطرف واطروحاته في الساحة الفلسطينية ، وليس صحيحا ما يقال ان الفلسطينيون يمارسون حربا استنزافية ضد الاسرائيليون ، والاصح ان الفلسطينيين يمارسون استنزاف انفسهم وذاتهم كعوامل مكملة لبرنامج الاحتلال سواء في خطواته الادارية والسكانية والاقتصادية والامنية في الضفة او ما يقوم به من خطوات تفرضها اليات حصاره لغزة ما بين رغبات التطويع والترغيب والتهديد وادامة فصل الجغرافيا والثقافات والامن والاقتصاد عن الضفة الغربية ن وهذا يدخل في سياق عمل ممنهج لتصورات سياسية واقتصادية لمستقبل التجمعات السكانية في مدن الضفة وغزة .
صحيح ان حالة العمليات الفردية في الضفة تكلف الاحتلال من موازنته نتيجة حالة الطواريء وتكلف الاحتلال ايضا لحالة الطواريء والاستنفار على حدود غزة وواجبات اسرائيل تجاه الاجهزة الامنية اللسلطة كما تقدم التزاماتها تلك الاجهزة لاسرائيل ن ولكن نستطيع القول ان الوضع القائم بالنسبة لاسرائيل يسمح لها بحالة استنزاف المعارضة في الضفة والمقاومين ايضا وفي عمليات لا تحقق لجانب الفلسطيني مكسبا ماديا وانجازا ملحوظا في تهديد الاحتلال كي تدفعه للرحيل او تلبية لبرنامج فلفسطيني متدني جدا تقوده السلطة ومنظمة التحرير بل يشيع الفلسطينيون اطفالهم شبابهم في جنازة تليها جنازة ، والناتج لا يختلف كثيرا عن غزة وان اختلفت القوى ومنهجيتها عن الضفة ن وخاصة ما حدث في الايام الاخيرة من عمليات فردية اخرها ليلة امس الموافق السبت 1782019 والتي افادت مصادر مختلفة بانها تمت خارج القرار المركزي للفصائل وهي عمليات جميعها تتسم بالجرأة وان كانت فاشلة ولكن تبقى تهدد امنيا وجود قوات الاحتلال على حدود غزة ، ولكن بالمفهوم الامني والتنظيمي هل فعلا هؤلاء المقاتلين انطلقوا لوجهتهم وبسلاح فصائلهم بدون علم قياداتهم وكذلك في الضفة ..؟ ام الفلسطينيون على ابواب مرحلة جديدة تجب ما قبلها من تعاسة برنامج وفشل واحباط لمرحلة مقاومة شعبية لا مركزية فيها وتحت مقولة "" هدم المعبد على من فيه "" طالما لم يعحقق للفلسطينيين وطن او رغيف خبز او اي حقوق انسانية بموجب القوانيين السماوية واللوضعية على الكرة الارضية ، وهي حالة الفوضى الذي يصفها بعض الواقعيين المهزومين والتي يخشونها حفاظا على مكاسبهم وسلطانهم الذي حققوه في ظل الفشل وغياب كل الاطروحات التي يمكن ان تعطي الفلسطينيين حتى لو جزء من حقوقهم .
لقد جاء في صحيفة يديعوت احرينوت وتعليقا على الحدث الامني في شمال غزة بان هناك توجه لنشطاء ومقاتلين متطرفين في حماس وفصائل اخرى للانشقاق عن فصائلهم لعدم قناعاتهم بالخط السياسي لفصائلهم ، فمن الملاحظ ان عملية امس اشترك فيها من ثلاث فصائل حماس والجهاد فتح هذا يعني لوتوتسعت هذه الفكرة يمكن ان تنجب فصيل مركزي اخر على الاقل يتجاوز ثقافات وغيره زرعت من اطراف مختلفة هذا مع فرضية ان فصائلهم كانت ليست على علم بما سيفعلون ،ولكن الاقرب ان غزة التي تقع تحت مسؤليات حماس تحتاج لحلول عاجلة لم تحققها نتائج مسيرات العودة ولا التهدئة التي يتحكم فيها الاحتلال وفي كل عناصرها ، ومن هنا هل تلجأ حماس وباقي الفصائل لتجربة الفرز التي سلكتها قيادة فتح ما قبل اوسلو لتأمين نهج التفاوض والتوقيع على اوسلو بما حملت من تصفيات بكافة الاشكال ، وتمارس حماس دورا امنيا متشددا في غزة اكثر من الان للحفاظ على ثوابت وجودها ومنطلقاتها كفصيل يحكم غزة عليه التزامات اقليمية ودولية ..؟
الاحتلال يستزف الفلسطينيين سياسيا وامنيا ومن خلال المفاوضات سواء مباشرة تقودها السلطة او غير مباشرة تقودها حماس ، يسقط الشهداء وبدون جني اي ثمار في عمليات فاشلة مفهومها المعنوي فقط وهذا ماتهتم به دوائر الابحاث الاسرائيلية تعني ان الفلسطينيون كثقافة وتاريخ لم يتنازلوا عن فلسطين وان كانت قيادتهم تنازلت وتتفاوت مقادير تلك التنازلات واهمها التنازل الذي قامت به منظمة التحرير منذ عام 88م وما سمي قرار اعلان الاستقلال الى اوسلو عام 93م باعتراف بدولة اسرائيل قانونيا على 78% من اراضي فلسطين مقابل 22% لدولة فلسطينية وتنازلوا عن حق العودة في ستكهولم عاصمة السويد عام 99م واختزلوه 10000 حالة جمع عائلات على مدار عشر سنوات ، ومن المفيد ان يعرف الجميع بان منظمة التحرير ليس باستطاعتها سحب الاعتراف باسرائيل ما دامت على راس التمثيل الفلسطيني بموجب المادة السادسة لمعاهدة منتفيديو عام 1933والتي تنص على عدم جواز سحباعتراف دولة بدولة اخرى .
من المؤلم حقا ان تتحول حركة تحرر وطني ومقاومة وفي سياق ادبيات حركات التحرر التي عرفناها جميعا وسلوكياتها ان تتحول لحركات متلقية ومن المستأنس بموجود الاحتلال لان تدافع عن نفسها وعن وجودها ويمارس العدو حرب استنزاف لها في حين بكل القواعد يجب ان يتعرض الاحتلال بكل تجمعاته الى عمليات استنزاف شعبية في اقتصاده ووجوده المؤسساتي والعسكري والامني .
قد يكون وجود الاحتلال مكلفا عليه قبل انسحابه من غزة ومكلفا له قبل انفصال الضفة ومكلفا له قبل وجود اتفاق اوسلو وعودة السلطة ، ولكناوسلو وبكل ما اوتي البعض من تلميع لها .. الا ان الواقع يدحض ذلك ... وهو واقع مؤلم بل كارثي على الفلسطينيين ، والصورة اصبحت معكوسة بين المؤثر والمتأثر ، فلا دولة ولا دويلة وسلطة في نطاق الاعتقال بكل قواها ومقاومة مكبلة محشورة بمعطيات ذاتية واقليمية ودولية وعمليات فردية ، والسؤال هنا هل تتوسع الى دائرة مقاومة شعبية غير مركزية ... اما ارث التجربة السابقة سيحافظ على ذاته ويقف بالمرصاد كي لا تتطور حالة الشعب الى هذا المستوى
سميح خلف