ما الهدف من منع دوري العائلات المقدسية..؟؟

بقلم: راسم عبيدات

الإحتلال يعمل ضمن خطة ممنهجة ومدروسة على هتك وتفكيك وتدمير النسيجين المجتمعي والوطني في مدينة القدس،ويوظف لهذه المهمة كل اجهزة المدنية والأمنية والخبراء في العلوم الإجتماعية والنفسية والتربوية،حيث يجري العمل على إغراق المجتمع المقدسي في دوامة العنف والإحتراب العشائري والقبلي،من خلال تسعير وزيادة وتائر حدة الخلافات العائلية والعشائرية " الطوش" ،واستبدال المرجعيات الوطنية ورجال الإصلاح،بمرجعيات عشائرية مرتبطة مباشرة مع شرطة الإحتلال وأجهزته الأمنية،ناهيك عن العمل على نشر الآفات المجتمعية في الوسط المقدسي،مخدرات،سرقات،فساد،تحلل وانهيار قيمي واخلاقي،الإستقطاب للمؤسسات المدنية الخادمة لأمن ودولة الإحتلال، خدمة مدنية،شرطة جماهيرية،مراكز جماهيرية وغيرها،وليس هذا فحسب ،بل نجد ان اجهزة الإحتلال في إطار سعيها لتفكيك المجتمع المقدسي،باتت تخترق الأسر المقدسية من داخلها،حيث غدت تتدخل في الخلافات الأسرية والعائلية،عبر تشجيع اللجوء لشرطة الإحتلال في أية خلافات أسرية وعائلية،ولذلك هناك زيادة في عدد الحالات التي تتوجه لشرطة الإحتلال لتقديم شكاوي فيما يتعلق الخلافات بين الأزواج،البنات والأباء،اخوة وأخوات وغير ذلك،وفي المدارس هناك تشجيع للطلبة لرفع شكاوي على المدرسين،تحت مبرر وذريعة استخدام العنف،رغم عدم إقرارنا لإستخدام العنف ضد الطلبة،ولكن المبرر هنا هو العمل على تجهيل الطلبة و"تطويع" و" صهر" وعيهم ،بما ينسجم مع رؤية وأهداف الإحتلال.

الإحتلال لديه مراكز دراسات وأبحاث استراتيجية،ولا يعمل على أساس الهمة وردات الفعل،او بشكل عشوائي وعاطفي،ولذلك عندما يقدم على منع دوري العائلات المقدسية،الذي كان مقرراً إقامته في جمعية برج اللقلق يوم أمس،وكان من المفترض أن تشارك فيه (168) عائلة مقدسية،قرار منعه ومبرراتها،بأن ذلك النشاط مرتبط بالسلطة الفلسطينية،ومخالف لما يسمى بإتفاق الوسط ما بين السلطة الفلسطينية ودولة الإحتلال،والذي يحظر على السلطة القيام بأي نشاط في القدس دون إعلام دولة الإحتلال، يفتقر الى المصداقية والحقيقة،بل ينطوي على حجج وذرائع فيها الكثير من الكذب والخداع والتضليل،وهم يدركون جيداً بأن ما نشروه،بل نحن ندرك عقلية الإحتلال بحكم التجربة والمراس، فالمحتل من بعد قرار المتطرف ترامب بنقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس والإعتراف بها كعاصمة لدولة الإحتلال،سعى لإستثمار هذا القرار سياسياً وامنياً عبر السعي للسيطرة على ممتلكات المقدسيين وأرضهم ومقدساتهم،ولعل المؤسسات المقدسية الفاعلة في المدينة،والتي تعبر عن أشكال ومظاهر الوجود والسيادة الفلسطينية،تقع في مقدمة هذا الإستهداف،مثل المسرح الوطني الفلسطيني " الحكواتي" مركز يبوس الثقافي،برج اللقلق،معهد ادوارد سعيد للفنون والموسيقى،المؤسسات والفرق الفنية على مختلف مسمياتها،الأندية الرياضية والمراكز المجتمعية،المؤسسات التي تعني بشؤون المرأة والطفل والشباب،هذه المؤسسات ودورها الوطني والتوعوي والمجتمعي والتربوي والثقافي والإبداعي،تعرض الكثير منها للإغلاق،فالمحتل منذ بداية إحتلاله ،أغلق أكثر من 35 مؤسسة مقدسية،ومارس ضغوط ومضايقات على عشرات أخرى لنقل مركز عملها الى خارج مدينة القدس،منع موظفيها من الوصول الى مقار عملهم،من حملة التصاريح من سكان الضفة الغربية، التفتيش والمداهمات ومصادرة الأجهزة المحوسبة وكل ما له صلة او علاقة بالتمويل والأنشطة والفعاليات،فرض الضرائب الباهظة،الإعتقالات وغيرها.

البعض يتساءل ما الذي يزعج المحتل وأجهزته الأمنية، في إقامة دوري رياضي للعائلات المقدسية،وهو نشاط ليس له صلة بالأمن من قريب او بعيد،أو لا ينطوي على مخاطر تهدد أمن المستوطنين في البلدة القديمة.؟؟

الإحتلال ادرك قيمة ودور العائلات المقدسية والحشود البشرية،في معركة البوابات الألكترونية على بوابات الأقصى في تموز/ 2017،حيث عملت تلك العائلات على ضخ حشود بشرية للمرابطة والصلوات في الساحات العامة والشوارع وعلى بوابات الأقصى،وهذه الحشود والكتل البشرية الضخمة،هي من صنعت نصر معركة البوابات الألكترونية.

ولذلك المحتل يدرك تماماً بان وجود هذا الكم البشري الضخم في مؤسسة برج اللقلق من شأنه ان يشكل توحد الكل المقدسي في الدفاع عن قضية القدس والوجود الفلسطيني،وكذلك المعارك القادمة حول الأقصى،وخاصة الصراع على هوية باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة التي سيطر الإحتلال على جزء منها وحوله الى مسارات تلمودية وتوراتية،ويسعى لنصب أعمدة خرسانية ضخمة بطول 26م2،اعلى من سور القدس،من أجل إقامة " التلفريك" القطار الطائر كمشروع تهويدي.

الإحتلال يسعى لتحويل كل قرية،بل كل حارة مقدسية،كوحدة اجتماعية مستقلة عن الوحدة الإجتماعية الأخرى،بحيث يبتر ويسقط الرابط الوطني فيما بينها،وتصبح كل القرية تعيش همومها وتدبر مشاكلها لوحدها.

هذا الكم البشري الهائل يتناقض مع سعي الإحتلال لتكريس القدس كعاصمة لدولة الإحتلال،وكذلك فإنه يعمق الترابط والعلاقات ما بين المقدسيين،ويعزز من وحدتهم ولحمتهم،التي يسعى الإحتلال الى تفكيكها وتفتيتها بكل الطرق والوسائل.ولذلك هذه الأهداف الحقيقية من منع دوري العائلات المقدسية....اما ملاحقة الأنشطة والفعاليات المقدسية الأخرى،إغاثية،اجتماعية،وطنية سياسية،اقتصادية،دينية،حقوقية،رياضية وغيرها فلاهدف منه،ليس فقط منع أي مظهر او شكل سيادي فلسطيني في المدينة، فأحد الأهداف الرئيسية لذلك،هو دفع المؤسسات والشخصيات المقدسية،للحصول على تصاريح لإقامة تلك النشطة والفعاليات من شرطة الإحتلال ،من اجل تكريس سيادة الإحتلال على المدينة والإعتراف بها،وهذا هدف يسعى الإحتلال لتحقيقه منذ زمن،فالمحتل يريد ممن يحتلهم،أن يعترفوا بسيادته وشرعية إحتلاله على مدينتهم.

رغم أنني من الذين يعارضون تكريس العائلية والعشائرية في مجتمعنا،ولكن فيما يتعلق بقضية القدس،وعدم وجود سيطرة وسيادة فلسطينية عليها،فأنا اعتقد بأنه في ظل ضعف الحركة الوطنية وتراجع دورها،في جزء منه مرتبط بأسباب وعوامل ذاتية،وجزء أكبر بما تتعارض له من قمع وتنكيل مستمرين من قبل الإحتلال وأجهزته الأمنية،فالمبنى العشائري او العائلي من الضروري الحفاظ عليه،وربطه بالمبنى الوطني العام،فالعائلية او العشائرية،يجب أن لا تعلوا على الإنتماء والهم الوطني ،وإقدام الإحتلال وأجهزته الأمنية،على إغلاق جمعية برج اللقلق ،لمنع دوري العائلات الرياضي،يثبت بان الإحتلال،يعيش حالة من القلق الدائمة،بأنه دخيل على هذه الأرض والمدينة،تلك المدينة التي لن تلغى عروبتها وإسلاميتها لا بقرار لا من ترامب ولا كوشنر ولا جرنبيلات ولا فريدمان، ولا بولتون، ولا من كل المتصهينين الجدد.

بقلم :- راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
19/8/2019
[email protected]

المصدر: بقلم :- راسم عبيدات -