دعا رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، الجنرال في الاحتياط، عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إلى تغيير التوازن الإستراتيجي بين إسرائيل وبين غزة، فيما حذرت أوساط أخرى من انفجار ممكن في الضفة، خصوصا في القدس.
وفي مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، قال يادلين إن حرب "الجرف الصامد" انتهت قبل خمس سنوات بحالة تعادل إستراتيجي، معتبرا أن هذه النتيجة تفسر وصول إسرائيل بعد خمس سنوات إلى حالة لا تستطيع فيها أن تمنح سكانها في الجنوب الأمن المستحق.
وقال يادلين إن إسرائيل احتاجت 51 يوما لمحاربة حماس والجهاد في غزة وحظيت بهدوء دام ثلاث سنوات فقط، بخلاف الحالة في شمال البلاد التي تنعم بالهدوء منذ حرب لبنان الثانية قبل 13 عاما. وأقر بأن إسرائيل فشلت في إخضاع المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة لدرجة فرض شروطها لإنهاء الحرب وردع الفلسطينيين في القطاع. ويوجه انتقادات عدة لإدارة الصراع مع غزة ويقترح أفكارا عدة لتغيير الميزان الإستراتيجي تشمل توجيه ضربة قاسية جدا للمقاومة المسلحة، واستكمال ذلك بالسياسة وباتفاق يكفل هدوءا لمدة أطول.
وفي سياق متصل، تقدر قيادة أجهزة الأمن الإسرائيلية أن ثمة احتمالا كبيرا لاندلاع هبة فلسطينية في الضفة الغربية، وربما قبل انتخابات الكنيست في 17 أيلول/سبتمبر المقبل. وتعلل هذه التقديرات احتمال اندلاع هبة في الضفة بأن السلطة الفلسطينية تواجه أزمة اقتصادية شديدة، في أعقاب قرار رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، خصم مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء من أموال الضرائب التي تحول للسلطة شهريا، وإصرار الرئيس محمود عباس، على عدم تلقيها منقوصة. وأدت هذه الأزمة الاقتصادية إلى تلقي قرابة 160 ألف موظف في السلطة، بينهم قرابة 65 ألفا من أفراد أجهزة الأمن الفلسطينية، نصف رواتبهم على مدار الأشهر الستة الأخيرة.
ويوضح المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أنه رغم هذا الوضع إلا أن "التنسيق الأمني بين الجانبين لم يلحق به ضرر جوهري"، بادعاء أن "التخوف من فقدان السيطرة الميدانية، التي قد تستغلها حماس، لا يزال يردع السلطة من التخلي عن التنسيق. لكن المؤشرات على انعدام الهدوء على الأرض آخذة بالتراكم"، لافتا إلى أن "الأسابيع الأخيرة شهدت ارتفاعا ملحوظا في عدد العمليات ومحاولات تنفيذ العمليات، وبعضها مرتبط بحماس".
وحول أسباب تصاعد التوتر في الضفة، أشار هرئيل إلى أن "جزءا من الخطاب الفلسطيني، على الأقل الداعم لأعمال "إرهابية"، يتعلق بالتوتر في الحرم القدسي وقرار الشرطة الإسرائيلية بصعود يهود إلى الحرم في ذكرى ما يعرف بخراب الهيكل المزعوم، التي تصادفت هذا العام مع حلول عيد الأضحى".
وأضاف هرئيل سببا آخر، هو "الانشغال المكثف بالتوتر مع إسرائيل، الذي ساهم به أيضا إلغاء زيارة عضوي الكونغرس الأمريكيتين (إلهان عمر ورشيدة طليب)، والتكهنات الكثيرة حول بادرة أخرى من إدارة ترامب لنتنياهو، عشية الانتخابات، التي قد تشمل اعترافا أمريكيا مبطنا أو معلنا بضم مناطق ج في الضفة لإسرائيل". وحسب هرئيل، فإن "ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة يتأثر طوال الوقت بالتطورات في القطاع".
وأضاف: "يدور في إسرائيل نقاش سياسي حثيث حول ما إذا كانت حماس تسمح بمحاولات التسلل من القطاع كإخفاق أم أنها تشجع أعمالا كهذه. ويتمسك قادة أجهزة الاستخبارات بالادعاء أنه لا توجد هنا خطوة منسقة وتقف وراءها قيادة حماس، بموافقة صامتة على أعمال الخلايا المنشقة. ويرى أن ما هو واضح هو أن حماس تعي الحساسية الإسرائيلية بسبب الانتخابات القريبة، وتحاول الآن استغلال زيادة الضغط العسكري على أمل تحقيق المزيد من التسهيلات "في الحصار".
يوسي بيلن: الأوضاع في القدس تذكر بإحراق المسجد الأقصى
وفي هذا السياق، حذر أيضا وزير الخارجية الأسبق، يوسي بيلين، مما يحصل اليوم من "سياسة إسرائيلية جنونية" في القدس تذهب باتجاه إشعال الحرم القدسي. وفي معرض تحذيره، يضيف بيلين، وهو أحد مهندسي اتفاق أوسلو: "كأننا في سيناريو يستعيد إحراق المسجد الأقصى في مثل هذه الأيام قبل خمسين عاما على يد مايكل روهان، المسيحي الأسترالي من كيبوتس مشمار هشارون".
وأوضح يوسي بيلين، في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن "الدول العربية اتهمت في عام 1969 إسرائيل الرسمية بمحاولة التخلص من أي أثر إسلامي في الحرم القدسي، حيث تسبب الحريق بأضرار كبيرة في المسجد". كما أوضح بيلين، الذي شغل مهام عديدة في الكنيست والحكومات، كوزارة القضاء، أن "روهان ابن الـ28 عاما اعترف خلال محاكمته العلنية التي تابعها كل العالم بجريمة إحراق المسجد الأقصى بزعم أنه تلقى أمرا إلهيا، وتعليمات من النبي زخاريا، واعتقد أن إحراق المسجد الأقصى سيمكن اليهود من بناء هيكل سليمان مجددا، وبذلك يسرع في عودة المسيح إلى العالم، والتحكم فيه ألف سنة من جديد".
وأشار بيلين إلى أن "المحكمة الإسرائيلية قررت أن روهان لا يمر بظروف صحية ونفسية ملائمة تجعله مهيأ لتلقي محاكمة عادلة، وقررت إرساله إلى مستشفى للأمراض النفسية، حتى تمكن من الهرب من أحد المستشفيات، وفي النهاية تم تسليمه إلى أستراليا إلى أن مات فيها عام 1995".
وبعد استحضار التاريخ، أضاف بيلين أن "الأحداث الجارية اليوم في القدس تعيد إلى الأذهان التنظيم اليهودي الذي تشكل في السبعينيات والثمانينيات من مجموعة متطرفة أقيمت على أنقاض تنظيم غوش إيمونيم، وجاء تأسيس التنظيم خصيصا احتجاجا على السياسة التي اتبعها رئيس الحكومة الراحل، مناحيم بيغن، لأنه وقع على اتفاق السلام مع مصر، وتنازل عن شبه جزيرة سيناء، ولم يتبع سياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين".
وكشف النقاب أن "أحد أهداف هذه المجموعة اليمينية اليهودية هو هدم كل المباني الإسلامية في الحرم القدسي، من أجل التسريع ببناء هيكل سليمان الثالث، وقد تم إلقاء القبض عليهم وهم في طريقهم إلى تفجير خمس حافلات فلسطينية شرقي القدس. وبعد أن قتلوا ثلاثة طلاب فلسطينيين، استهدفوا عددا من رؤساء البلديات الفلسطينية في الضفة الغربية، وتسببوا بقطع أقدامهم".
وأكد أن "اعتقالهم حال دون نجاحهم بتفجير المسجد الأقصى، ومن بين 29 معتقلا من المجموعة تم إدانة 15، حكم على بعضهم بالسجن المؤبد، وآخرين بفترات زمنية قصيرة، لكنهم جميعا تم إطلاق سراحهم قبل انتهاء محكومياتهم بعد تقديمهم طلبات استرحام لرئيس الدولة آنذاك، حاييم هرتسوغ، من دون أن يتحدث أحد آنذاك أنهم مرضى نفسيون بحاجة لعلاج صحي، لكنهم فور إطلاق سراحهم انخرطوا جميعا في تنظيمات استيطانية".
يستحضر بيلين هذه الأحداث ليشير إلى حوار جمعه مع الزعيم الفلسطيني المقدسي الراحل فيصل الحسيني في عام 2000، حيث "سأله بيلين عن سبب إصرار الفلسطينيين على التمسك بطلب السيادة على الحرم القدسي، فأجابه الحسيني بعبارة أدهشت بيلين بعض الوقت: ماذا لو شهدت القدس هزة أرضية، والمسجد الأقصى وقبة الصخرة تهدمتا، هل ستعيد بناءهما لو كنت رئيسا للحكومة الإسرائيلية؟".
وختم بالقول إن "الحسيني واصل حديثه الموجه إلى بيلين قائلا: ربما لن تصمد كثيرا أمام دعوات المتدينين اليهود لبناء هيكل سليمان الثالث، ورغم أنني أبلغته أن هذا سيناريو نادر الحدوث، لا يمنح الفلسطينيين مصداقية لطلب السيادة على الحرم القدسي، لكن الحسيني أجابه: يجب أن لا ننسى روهان، والتنظيم اليهودي، نحن بحاجة لسيادة فلسطينية تسمح لنا بإعادة المباني الإسلامية التي قد تهدم في الحرم القدسي".