بدأت أزمة أموال المقاصة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، حين أتخذ الكابينت الاسرائيلي في شهر فبراير مطلع هذا العام قراراً بتطبيق مشروع قانون بخصم نصف مليار شيكل تدعي أنها تدفع كرواتب لأسر الشهداء والاسرى، هذا القانون الذي أقره الكنيست الاسرائيلي في شهر تموز/ يوليو الماضي، وصوت لصالح "القانون" 87 من أعضاء الكنيست بينما عارضه 15 عضواً، على أثر ذلك اتخذت السلطة الفلسطينية موقفاً رافضاً لاستلام أموال المقاصة منقوصة فلساً واحداً ، كما جاء على لسان رئيس السلطة محمود عباس، والعديد من القيادات الفلسطينية، ومنهم وزير الشئون المدنية حسين الشيخ في حينه.
هذا الموقف الوطني الذي حظي بقبول شعبي وفصائلي كتحد لعنجهية الاحتلال، ولسياسة الابتزاز التي يمارسها ضد السلطة مستخدما بذلك سيف أموال المقاصة المسلط على عنق السلطة، ولأجله تحمل شعبنا كل الاجراءات التحوطية التي اتخذتها السلطة لمواجهة الازمة المالية التي تعصف بها
ونحن نرى الموقف الثابت للسلطة، حين قامت باعادة أموال المقاصة التي تم تحويلها خلسة الى حسابات وزارة المالية، بشكل غير معلن على مدار شهري ابريل ومايو، كخطوة إسرائيلية لإخراج السلطة من الحرج أمام شعبها، ومساعدتها على مواجهة الازمة المالية، التي أشارت تقديرات الجيش في حينه ان السلطة في طريقها الى الإنهيار، وأن مستويات التنسيق الامني بدات تتراجع ، مع تراجع نسبة صرف رواتب موظفي السلطة، خاصة في الضفة
ورغم فقدان السلطة لاية ادوات ضغط على اسرائيل، تجبرها على اعادة صرف أموال المقاصة غير منقوصة، وعجزها عن حشد الرأي العربي وتفعيل شبكة أمان عربية، حسب ما اقرته القمة العربية بالكويت عام 2010، وذلك بقيمة 100 مليون دولار شهريا لمساعدة السلطة على تخطي أزمتها مع اسرائيل ، وكذلك حشد الرأي الدولي وخاصة الامريكي لممارسة الضغوط على اسرائيل، وإكتفت بسياسة الحرد لعل العدو يخجل من اجراءاته ، الا أنها لجات إلى بدائل محلية في ظاهرها تقوي موقف السلطة لوقت قصير، كان منها اقتراض حوالي 300 مليون دولار من الجهاز المصرفي، ومبادرة رجال الاعمال لإقراض السلطة مبلغ 150 مليون دولار.
وعلى شماعة الازمة المالية ذبحت غزة من الوريد الى الوريد، وكانت اولى هذه الخطوات هي المساس برواتب موظفي السلطة، اذ تم الصرف بنسبة لا تتجاوز50%، وحرمت أكثر من 130ألف أسرة فقيرة من استلام مخصصات الشئون الاجتماعية، منها 70 ألف أسرة في غزة للشهر الرابع على التوالي، وتم حجز المرجع الضريبي لشركات المقاولات، التي أوقفت أعمالها بشكل تام بدعوة من الاتحاد العام للمقاولين العرب في غزة، ودخل قطاع غزة بسبب هذه الاجراءات مرحلة الانهيار الاقتصادي، وتضاعفت معدلات البطالة، وانتشر الفقر والمرض ، وتعطلت الحياة
في مطلع شهر يوليو، أي بعد خمسة شهور من الازمة إجتمع حسين الشيخ ووزير المالية شكري بشارة مع موشيه كحلون وزير المالية الاسرائيلي، بمشاركة منسق أعمال الحكومة الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كميل أبو ركن، وجرى الحديث حول العرض الاسرائيلي بنقل الجباية على مشتقات البترول الى السلطة الفلسطينية، وهذه الخطوة كفيلة بتحرير 200 مليون شيكل شهريا وهي(ضريبة البلو) على الوقود، بهدف حماية منظومة التنسيق الامني من الانهيار،
وكانت هذه هي الخظوة الاولى الحقيقية لتفكيك موقف السلطة الرافض لاستلام اموال المقاصة منقوصة من اي خصومات اسرائيلية تحت ذرائع كاذبة(بانها اموال تدفع لاسر الشهداء والاسرى).
والموافقة الاسرائيلية بالامس جاءت تتويجا للجهود التي بذلها وزير الشئون المدنية حسين الشيخ، مع موشيه كحلون لاضعاف الموقف الفلسطيني، والالتفاف على الرأي العام، وتمرير الحلول الجزئية الاسرائيلية التي تحمي السلطة الفلسطينية من الانهيار، فبدأت الحكومة الفلسطينية بجباية ضريبة البلو(المحروقات)، بعد القبول بهذا المقترح الاسرائيلي، حيث تعتبر ايرادات ضريبة البلو ثاني أعلى مورد مالي للخزينة الفلسطينية بعد الجمارك، اذ بلغت في عام 2018 المنصرم قيمة إجمالية تقدر ب 2.4 مليار شيكل، أي ما يعادل 200 مليون شيكل شهرياً، وهو ما يعني حل جزئي لثلث الأزمة المالية مع اسرائيل، وانعاش السلطة وحمايتها من الانهيار ومساعدتها على القيام بمهامها لا سيما منظومة التنسيق الامني الاهم بالنسبة لاسرائيل، مع اتاحة المجال لاسرائيل بالاستمرار بالاقتطاع من اموال المقاصة تنفيذاً لقرار الكابينت الاسرائيلي.
بقلم/ ماجد أبودية