السودان.. محطة تاريخية وسط تحديات صعبة!

بقلم: فيصل علوش

بعد تأخير بنحو 48 ساعة، أعلنت قوى «الحرية والتغيير» (20/8)، أسماء مرشحيها للمجلس السيادي الذي سيرأس السلطة التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية. والمرشحون الخمسة هم؛ حسن شيح إدريس عن «قوى نداء السودان»، وعائشة موسى عن «التجمع المدني»، ومحمد الفكي سليمان عن «التجمع الاتحادي»، وصديق تاور عن «قوى الإجماع الوطني»، ومحمد حسن التعايشي عن «تجمع المهنيين السودانيين».

وأعلنت تلك القوى في البداية قائمة تضمّ طه عثمان اسحق، القيادي بتجمع المهنيين، لكنه سرعان ما اعتذر عن الترشّح لعضوية المجلس، إثر موجة انتقادات حادة وغاضبة من نقابات عدة داخل «التجمع»، عملاً بتعهد سابق له بعدم المشاركة في مجلسي السيادة والوزراء، والاكتفاء بالمشاركة في المجلس التشريعي ليمارس دوره الرقابي على الجهاز التنفيذي.

أما المجلس العسكري فأفادت مصادر مقربة منه أنه رشّح كلاً من رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والفريق الركن شمس الدين كباشي، والفريق صلاح عبد الخالق، والفريق ياسر العطا لشغل حصته في المجلس السيادي.

وكان المتحدث باسم المجلس العسكري، الفريق الكباشي أعلن (19/8)، أن مجلسه والقوى المدنية توافقا على الشخصية الـ11 المُكمّلة لعضوية مجلس السيادة، وهي السيدة رجاء نيكولا عيسى عبد المسيح، وهي قبطية. وفي ضوء ذلك، يفترض أن يتمّ حلّ المجلس العسكري قبل تأدية أعضاء مجلس السيادة اليمين الدستورية، أمام رئيس القضاء.

التوقيع الرسمي والانجاز التاريخي

وفي أجواء احتفالية حملت عنوان «فرح السودان»، جرت في العاصمة الخرطوم (17/8)، مراسم توقيع «الإعلان الدستوري» الناظم للمرحلة الانتقالية. وحظي هذا التوقيع بتأييد شعبي كبير، وخاصة من قِبَل القطاعات المناصرة لـ«قوى الحرية والتغيير». واعتبر أنه «اتفاقٌ تاريخي» وإيذانٌ بعهد جديد يُمهّد لمرحلة انتقالية تفضي إلى حكم مدني يحقق السلام والتحوّل الديموقراطي، ويقطع مع عهد الرئيس المعزول عمر البشير، على طريق التأسيس لدولة حديثة يسودها حكم القانون ومبدأ المواطنة ويكون جميع مواطنيها سواسية في الحقوق والواجبات.

ورأى محللون أنّ ما جرى إنجاز كبير ونوعي حققه السودان والسودانيون، وهو يشق الطريق نحو خيار ثالث للحكم بديلاً من الاستبدادين؛ السياسي أو الديني، مستفيدين من التجارب المؤلمة والكارثية التي مرّت بها بعض البلدان العربية وخاصة في المشرق العربي، وحشر الشعوب أمام المفاضلة بين خيارين مريرين لا ثالث لهما؛ إما الاستبداد السياسي وإما الفوضى والفلتان الأمني، إما الأنظمة القائمة وإما الإخوان المسلمين والجماعات التكفيرية؟!.

وبذلك، يمكن أن يكرّس السودان نموذجاً ومثالاً يحتذى، إضافة إلى النموذج التونسي، الذي مازال يشكل استثناءً في تجارب بلدان ما يسمّى «الربيع العربي».

والحال، فعلى رغم التنازلات التي قدمتها «قوى الحرية والتغيير»، إلا أنها نجحت في تحقيق كثير من مطالب الحراك الشعبي، خاصة في مجال الحريات الفردية والعامة. كما نجحت في الاستحواذ على

ثلثي مقاعد المجلس التشريعي، وفي تسمية رئيس وزراء مشهود له بالخبرة والكفاءة، فضلاً عن أنها ستتولى رئاسة المجلس السيادي في الفترة الثانية من المرحلة الانتقالية لمدة 18 شهراً.

وهي نجحت أيضاً في وضع المجلس العسكري أمام مسؤولياته، ودفعه إلى تبنّي خطاب أكثر توافقاً مع قوى المعارضة والتغيير والحكم المدني، بما يُفسح في المجال أمام تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي، وإتاحة الفرصة للحكومة المقبلة القيام بإصلاحات اقتصادية وتشريعية كبيرة لا بدّ من إجرائها.

إصلاحات هيكلية

وتنصّ «الوثيقة الدستورية» على إجراء إصلاحات هيكلية في مجالات التشريع والاقتصاد والسلطة التنفيذية، ولكن من دون أن تتضمن حلولاً آنية لمشكلة السلام والمهمشين في دارفور وشمال كردفان والنيل الأزرق، مثلما كان متفقاً عليه مع قوى المعارضة المسلحة في أديس أبابا نهاية تموز/ يوليو الماضي، وهي إشكالية تم تأجيلها لفترة مدتها ستة أشهر.

كذلك، لا تتطرّق الوثيقة إلى عدد من القضايا التي شكلت نقاطاً خلافية طوال المفاوضات، ومنها تكوين لجنة تحقيق دولية مستقلة في أحداث العنف ضد المدنيين، وحسم مسألة حصانة الجنرالات أمام أي مساءلة لاحقة، وطبيعة العلاقة بين مجلس السيادة والحكومة المتوقع تشكيلها مع نهاية الشهر الجاري، وتفصيل مسألة أوضاع القوات غير النظامية، سواء قوات «الدعم السريع» أم قوات حركات المعارضة المسلحة في مناطق متفرقة.

تحديات المرحلة الانتقالية

وكانت قوى «إعلان الحرية والتغيير» حسمت مرشحها لرئاسة الوزراء بعد توافقها على الخبير الاقتصادي، عبد الله حمدوك، ليدير دفة العمل التنفيذي في البلاد خلال الفترة الانتقالية الممتدة لثلاث سنوات وثلاثة أشهر.

ويقدّر محللون أن مهمة رئيس الوزراء المقبل لن تكون سهلة، فهناك عدد من الملفات الشائكة التي تنتظره، أبرزها الملف الاقتصادي حيث تعاني البلاد من ارتفاع في معدلات التضخم، إضافة إلى شحّ الوقود، والفساد المستشري في كل مفاصل الدولة. ورأى محللون أنه «يجب على الحكومة المقبلة نقل الاقتصاد على وجه السرعة من اقتصاد الصادرات إلى اقتصاد الأمن الغذائي ودعم القطاع الزراعي، وذلك للخروج من «ربقة» صندوق النقد والبنك الدوليين».

وأعرب المحللون عن اعتقادهم أن شخصية حمدوك، الخبير الأممي المشهود له بالكفاءة، يمكن أن تساعد في تجاوز صعوبات المرحلة المقبلة، وخاصة لجهة حجم الديون الخارجية المترتبة على البلاد، في وقت ستحتاج فيه البلاد خلال المرحلة الانتقالية إلى دعم مالي وتنموي كبير، وتنفيذ سياسات يمكن أن تساهم في رفع اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وتمكين الاقتصاد السوداني من «تطبيع» علاقاته مع المؤسسات الدولية، ومن ثم إعفائه من ديون المستحقة التي تتجاوز 50 بليوناً من الدولارات.

وإلى التحدي الاقتصادي، والتشكيك في قدرة الاتفاق الموقع على الحدّ من سلطات الجيش وضمان العدالة، هناك تحديات على قدر كبير من الأهمية تواجه المؤسسات الانتقالية، من أبرزها التخلص من نفوذ الحركات الإسلامية التي سيطرت على جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الرئيسية في الاقتصاد، بما في ذلك مئات الشركات المملوكة للجهاز الأمني- العسكري.

وفي هذا السياق، نبّهت قوى سودانية عدة إلى ضرورة التعجيل بإجراء محاكمات قانونية ومحاسبة عادلة لكل من خرّبوا الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، والعمل على حلّ «كتائب الظل» المسلحة التابعة للحركة الإسلامية والنظام السابق.

بقلم/ فيصل علوش