لا ابالغ في القول إذا قلت بأن جماهير الأمة العربية،من بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر القائد القومي الكبير،لم يعد يعنيها خطاب أي زعيم عربي،فهي تعتبر ما سيقوله مجرد لغو فارغ وكليشهات مكررة من الإنشاء الممجوج،والذي لا يحمل أية مضامين او خطوات عملية،لحماية الأمن القومي العربي والدفاع عن الأوطان،وكرامة الأمة وعزتها،او تحرير ما هو مغتصب من الوطن،ولعل سماحة السيد حسن نصرالله شكل حالة استثنائية على المستوى الوطني والعربي والإقليمي وحتى الدولي،وباتت كلماته وخطاباته،يتابعها العدو والأمريكان ودوائر الغرب الإستعماري،وكل الجماهير العربية،والتي تحاول عبثاً انظمة النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،ان تغييب وتحجر على عقولها،عبر اعلام موجهه طائفي وشعبوي،فهذه الجماهير تواقة الى زعيم صادق،يعبر عن همومها ومعانياتها وطموحاتها،ويعيد لها شعورها بالعزة والكرامة،وان يحقق لها نصراً يجعلها تزهو وتفرح،حيث البسمة والفرحة غابت عنها،بعد أن غيب الموت القائد الكبير عبد الناصر،والذي بموته انتقل النظام الرسمي العربي بشكل متدرج من النقيض الى النقيض،فمن نظام عربي رفع شعارات لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بالعدو الصهيوني الى قمم قالت نعم للصلح والمفاوضات والإعتراف بدولة الإحتلال،ولا والف لا لنهج وخيار وثقافة المقاومة،وأضافة على ذلك تطبيع علني ومشرعن مع الإحتلال الصهيوني.
نعم الجماهير العربية من بعد العدوان الصهيوني على العراق ومن ثم سوريا ولبنان،كانت تنتظر بأعلى درجة اللهفة والإهتمام،كلمة السيد حسن نصر الله في الذكرى السنوية الثانية للتحرير الثاني،تحرير جرود عرسال اللبناني من دنس الجماعات الإرهابية والتكفيرية،فهي تعلم وتدرك جيداً بأن القول الفصل عند سماحة السيد حسن نصر الله،فهو الناطق باسم محور المقاومة وجبهتها،التي باتت أكثر اتساعاً وصلابة وقوة وإمكانيات وقدرات عسكرية،إستطاعت من خلالها أن تحطم الأسطورة العسكرية لأحدث ما تملكه ترسانات الحلف المعادي من منظومات دفاع جوية وطائرات حربية ومسيرة،والمقاومة لم تعد فقط محلية لبنانية،او قطرية،بل هي جبهة ممتدة وطويلة من طهران وحتى فلسطين ولتشمل الخليج العربي.
الإحتلال الصهيوني يعيش مأزق وجوده ودولته تختنق بعنصريتها،وبأت يشعر بأن عهد الحروب الخاطفة ونقل المعركة الى أرض العدو،في طريقها الى التلاشي،وكلما حققت سوريا نصراً على الجماعات الإرهابية،وإستعادت جغرافيتها ودورها،وتعافى العراق وانحاز الى محور المقاومة،وكذلك ثبات طهران في وجه كل أشكال العقوبات الأمريكية،وتحطيم اسطورة وهيبة،احدث طائراتها التجسسية،وانتقال جماعة " انصار الله " الحوثيين" من الدفاع الى الهجوم ضد القوات السعودية الغازية ومن معها من ما يسمى بالتحالف العربي،وما يرتبط بها من قوى محلية يمنية مأجورة،وضرب عصب وشريان اقتصادها المجمعات النفطية،وتجذر وتطور قدرات وإمكانيات قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة،وحدوث تطور لافت على العمل المقاوم في الضفة الغربية، كلها عوامل تعمق من ازمة الكيان الصهيوني،الذي بات يشعر بانه محاط بغابة من الصواريخ،التي يمكنها ان تصيب وبدقة متناهية،اي بقعة او هدف على أرض فلسطين التاريخية.
دولة الإحتلال تبرر هجماتها المتكررة على قوات الحشد الشعبي في العراق،والإنتهاك المستمر للسيادة السورية جواً وبراً،ومحاولة استهداف شخصية قيادية بارزة لحزب الله بطائرة مسيرة ملغمة في الضاحية الجنوبية،من أجل منع التموضع الإيراني في سوريا والعراق ول " تأديب" حزب الله،وخلق قواعد اشتباك جديدة،تسمح لها بالعربدة والبلطجة في لبنان،دون رادع،وقد اتخذت الغارة على بلدة عقربا السورية،ذريعة إحباط عملية يخطط لها " فيلق القدس" بواسطة طائرات مسيرة على أهداف داخل دولة الإحتلال،نحن ندرك تماماً بأن مثل هذه الحجج والذرائع الكاذبة والمضللة تعودنا عليها من جانب دولة الإحتلال،وهي لا تحتاج الى مثل هذه الذرائع الحجج،فهي بطبيعتها دولة عدوانية مختنقة بعنصريتها، ولكن لا يمنع هذا من توظيف نتنياهو للدم الفلسطيني والعربي في حروبه العدوانية والمقامرة بدماء الإسرائيليين بلغة نصر الله في معاركه الإنتخابية،ونحن لمسنا ذلك في أواخر عام 2018، عندما خرج الى عملية سماها " درع الشمال" بهدف ما اسماه تدمير انفاق حزب الله الهجومية،ولكي تخرج الصحافة والمحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين للقول بان هذا درع نتنياهو،فالأنفاق الخمسة التي جرى كشفها،قديمة وغير مفعلة ومعروفه منذ عام 2014 ،وعمليات العدوان الأخيرة على الحشد الشعبي في العراق والضاحية الجنوبية والريف السوري،جزء من "الببروغندا" الموظفة في العملية الإنتخابية، فالإنتخابات البرلمانية الإسرائيلية بعد عشرين يوماً حاسمة لجهة مصير ومستقبل نتنياهو،إما رئاسة الوزراء او السجن،أو ربما اذا تدحرجت الامور نحو حرب تنقذ نتنياهو من السجن،بإلغاء موعد الإنتخابات وإعلان حالة الطوارىء... ولربما الغارات التي شنها نتنياهو على العراق ولبنان وسوريا،تفتح الطريق واسعاً نحو صحوة عربية إسلامية تستعيد فيها الأمة العربية جزء من كرامتها وعزتها،وهي لن تقف عند حدود قيام حزب الله بالرد على العدوان الإسرائيلي ،فهذا أصبح حاصل تحصيل،بل وفر الفرصة لحزب الله،للتخلص من الضغوط الداخلية،التي كانت تمنع الحزب من استهداف الطائرات الصهيونية المسيرة التي كانت تخترق الأجواء اللبنانية،بذريعة عدم جر لبنان الى حرب أو ردود اسرائيلية،او القول بأن الحزب ينفذ اجندات خارجية،ولكن الحزب اليوم يقول بشكل واضح أي طائرة صهيونية مسيرة او غير مسيرة تخترق الأجواء اللبنانية،سيتم إسقاطها،وقواعد الإشتباك الان تغيرت،الرد على الخرق الصهيوني الخطير لما بعد اتفاق اب 2006،سيكون بالرد على الخروقات والعمليات الإسرائيلية ،ليس فقط عبر مزارع شبعا المحتلة، بل من كل نقطة حدود لبنانية بتماس مع الحدود الشمالية لفلسطين،والمتغير النوعي الآخر،هو امتلاك الحزب لمنظومة دفاع جوي،بحيث تصبح لبنان براً وبحراً وجواً مقفلة امام العدو الصهيوني.
الآن ورغم كل ما تبدو عليه الحالة العربية الرسمية من انهيار وتعفن،وعلنية وتشريع للتطبيع الرسمي مع دولة الإحتلال،وإنخراط ومشاركة جزء ليس بالقليل من دول النظام الرسمي العربي ،في مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتدمير العديد من البلدان العربية،إلا ان الحالة الشعبية ودول وقوى وحركات المقاومة الإسلامية والعربية تحقق نجاحات وإنتصارات،ليست بالبسيطة،بل تؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة،مرحلة انكفاء المشروع الأمريكي وهزيمته،وتراجع دور اسرائيل كشريك واداة في الهيمنة على المنطقة،وصولاً الى الإمكانية الجدية والحقيقية لهزيمة المشروع الصهيوني،وربما الظروف التاريخية المتوفرة الان في حالة النهوض والتوسع والتمدد والتوحد لقوى جبهة المقاومة الإسلامية – العربية ،تجعل ذلك في إطار الممكن .
بقلم/ راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
26/8/2019