قراءة في عقلية حماس، ومنهجهم السياسي

بقلم: طارق الصيفي

عنوان عميق ، يتخذ ك دراسة أو بحث في الدراسات العليا ، من حيث المنهجية والبحث الوصفي ، و حتى البحث الوظيفي داخل ايدلولجيات العمق التنظيمي للحركة ، ولكن في هذا المقال ، سنتطرق إلى مفاتيح الأغلبية يعلمها ، لعلها تكن البداية لأي باحث أو مهتم  في هذا العنوان  أن يتخذها دراسة محكمة في مسيرته العلمية والبحثية .

بداية

سؤال يطرح نفسه ، من هي حركة حماس ، الجواب باختصار شديد ، هي حركة ك باقي حركات التحرر في العالم ، خرجت من رحم المعاناة والالم والاضطهاد الذي عاناه الشعب الفلسطيني منذ قدوم الإحتلال البريطاني و اعطائهم أرض فلسطين التي لايملكونها إلى من لا يستحقونها وهم بني صهيون ، وإعلانهم قيام دولة إسرائيل ، متجاهلون قدسية الأرض وحقيقتها على مر التاريخ والشعب الأصلي الذي يسكن على أرضها  ، ويأخذون من اللون الأخضر وهو لون لباس أهل الجنة وكلمة لا إله إلا الله شعارا يدل على تبنيهم العقيدة الإسلامية ك نهج في مجالات حياتهم السياسية منها والاجتماعية .

من هنا نستطيع أن نقول بأن تكوينهم في المجتمع الفلسطيني تكوين طبيعي للغاية ك باقي التكوينات من هالتيارات والتنظيمات والفصائل التي نشاهدها ونسمع عنها في الساحة الفلسطينية ، تكونت من أجل التحرر والاستقلال من الإحتلال الإسرائيلي الغاصب ، ومحاربته بشتى الطرق والامكانيات المتاحة لتحقيق ذلك .

فمنذ إنطلاق الثورة الفلسطينية ونخص الكفاح المسلح بعد عام 1967 ، لم يكن حينها حركة حماس موجودة على الساحة ، بل كانت حركة فتح التي تنتهج السياسة العلمانية ، والجبهة الشعبية التي تنتهج السياسة الشيوعية ، لو قلنا لماذا ؟ الجواب باختصار لأن الممولين والمانحين لهم كانوا أصحاب حركات التحرر في بلدانهم في العالم حينذاك ، لذلك ستجد بأن طبيعة الحياة وخاصة الحياة السياسية تعتمد اعتمادا كليا على التغيرات في سياسات الدول ، وطرق نهجهم واستراتيجياتهم الداخلية منها والخارجية .

فإسرائيل أدركت خطورة هذا الأمر ، فأصبحت تتجه إلى المحافل الدولية لكسب التعاطف الدولي اتجاهها ، وتغير من تفكير بعض الدول باتجاه التنظيمات الفلسطينية لكي يقلصوا من تمويلاتهم ودعمهم لهذه التنظيمات، تزامنا مع ضرب بنيتهم التحتية عسكرياً بكل قوة في جميع أماكن ونقاط تواجدهم ورباطهم على الثغور  وحدود الوطن .

لذلك ستجد بأن ياسر عرفات زعيم حركة فتح اتجه إلى نفس المسار الذي لعبته إسرائيل ، وأصبح يلعب على وترين ، وتر تجديد العلاقات السياسية و تفعيل العمليات الاستشهادية ضد أهداف صهيونية وأماكن تواجدهم  بداخل أراضينا المحتله وخارجها .

ولكن كانت إسرائيل أقوى ، بسبب دعم دولة الولايات المتحدة الأمريكية واعوانهم لهم ، مما جعل ياسر عرفات يتجه إلى طريق المفاوضات مع الكيان الصهيوني ، وكانت إتفاقية اوسلوا عام 1993 ، التي سمحت لقيام كيان فلسطيني مستقل له أنظمته وهياكله ومؤسساته ، مع سماح عودة الآلاف من الفدائيين بعد أن كانوا مشتتين في أرجاء العالم  إلى أرض فلسطين و دمجهم في هذه المنظومة الفلسطينية الجديدة ، فكان هناك سلطة وطنية فلسطينية ومؤسسات وزارية ومجلس تشريعي ورئاسة وغير ذلك ، فكانت الحياة تختلف جذريا من بعد الإتفاقية ، وأصبح للشعب الفلسطيني منظومة سياسية بانتخابات ديمقراطية تحكمه ، ويعيشون تحت ظلها وكنفها بأمن واستقرار ، ولكن هذا كان كله بمقابل أثمان سياسية دفعها قادة النضال الفلسطيني ، مما جعل يظهر ع الساحة الفلسطينية تكوينات وتيارات إسلامية ترفض هذا الإتفاق ، وخاصة بأن ظهورهم كان قبل عقد الإتفاقية بسنوات قليلة عندما انطلقت الانتفاضة الأولى " انتفاضة الحجارة " ، ولعبوا دورا كبيرا فيها .

فكان من ضمن هذه الأثمان أن يتم ملاحقة المقاومين والفدائيين  و كل من يخالف هذه الإتفاقية ويخرج عن سياقها ، فكانت المطاردات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية  تطال جميع قادة وأبناء التيارات الإسلامية وعلى رأسهم حركة حماس ، وحبسهم وتعذيبهم في المعتقلات والسجون التابعة لهذه الأجهزة الأمنية .

كل هذا  لم يمنعهم من ممارسة نشاطهم في العمل العسكري المقاوم  ، وكانت عملياتهم الاستشهادية تضرب في جميع مناطقنا المحتله ، واشتدت وتطورت مع دخول جولة صراع جديدة مع الكيان الصهيوني تمثلت في انتفاضة ثانية ، أو ما يطلق عليها بانتفاضة الأقصى في عام 2000 ، التي إستمرت خمس سنوات ، وانتهت بخروج وانسحاب إسرائيل من جميع مستوطنات قطاع غزة ، وبعدها بسنة تقريبا حدثت إنتخابات تشريعية شاركت فيها حماس والجهاد الإسلامي لأول مرة ، وكانت المفاجأة بفوز حركة حماس بأغلبية ساحقة في الإنتخابات ، مما جعلها تكون من ضمن المنظومة السياسية التي تم الإتفاق عليها في إتفاقية اوسلوا .

فهنا ستجد عقلية حماس تغيرت ، وأصبحت من عقلية جهادية خالصة ، اعتمدت اعتمادا كليا على أمور الدين والعقيدة في تربية أبنائها على الجهاد في سبيل الله ومقارعة المحتل الصهيوني ، إلى عقلية تجمع بين التربية الجهادية ، و الخوض في مسار السياسة وتبعاتها ، وهذا ما جعلها أن تكون على دراية تامة بالسياسة الغربية والأوروبية إتجاه القضية الفلسطينية ، ورغم ذلك لم تستطع التأقلم مع هذه العقلية المزدوجة ، في إدارة شؤونها على المستويين العسكري والسياسي مع السياسات الخارجية ، وحتى على المستويين الإقتصادي والأمني فشلوا في إدارة قطاع غزة التي سيطروا عليها بعد فوزهم في الإنتخابات التشريعية ، و جائت سيطرتهم الكاملة على قطاع غزة بالقوة العسكرية إزاء ما كانت تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ضد أبنائهم وقياداتهم ، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة التي كانوا يتعرضون لها .

ورغم ذلك يعتبر ما قاموا به هو إختراق للقانون الفلسطيني وعدم احترامه ، ومن هنا نجد بأن عقلية حماس أصبحت متقلبه ، بسبب كل ما مرت به وما تزال تمر به من معيقات وعقبات أمام مسيرتها السياسية ، التي كان الصف الأول من قياداتها ك المؤسس الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وابراهيم المقادمة وغيرهم الكثير رحمة الله عليهم جميعا يعلموا علم اليقين تبعات الدخول في السياسة ، و رفضوا الدخول فيها منذ الإنتخابات الأولى التي حصلت في عام 1996 م .

ولكن الغريب في الأمر  في وقتنا الراهن ، أصبحت حماس تعي تماما السياسة الخارجية التي تمر بها القضية الفلسطينية والمؤامرات التي تحاك ضدها ، إلا أن عقليتهم لا تختلف عن سابقها ، بل استمروا في عنادهم مع القيادة الفلسطينية الممثلة بالرئيس محمود عباس وزمرته السياسية على إثر الأحداث التي حدثت بعد انتخابات 2005-2006 ، أما عن منهجيتهم فحاولوا مرارا وتكرارا في تغيير بعض بنودها وبالفعل حدث ذلك ، في إحدى السنوات بخروجهم بوثيقة وضحت من خلالها بعض الأمور التي يمكن أن يجمعها مع عقلية السلطة الحاكمة في رام الله ، ك الإعتراف بدولة فلسطينية على أراضي 1967 ، و تفعيل المقاومة الشعبية ، والممثلة حالياً بمسيرات العودة ، كما أعلنوا رسمياً بعدم ارتباطهم بحركة الإخوان المسلمين ، إلا أنهم متمسكون بعقليتهم ومنهجهم القديم ، والغريب كذلك بأن منهجية حماس كما قولنا سابقاً تعتمد على العقيدة الإسلامية ، والتي من أركانها الرئيسية إقامة الخلافة الإسلامية على أي بقعة جغرافية من العالم الإسلامي ، هذا ما يدرس لأبنائهم فعليا في جلساتهم الدينية ، ويربونهم على ذلك ، ومن يجلس مع أبنائهم أصحاب العقلية الحمساوية البحته ، ستجده يعترف لك فعليا بذلك ، ويقول لك بصريح العباره نحن لا نؤمن بوطن ولكن نؤمن بالجهاد في سبيل الله .

وبالفعل من يجد السياسة التي تتبعها حماس على أرض الواقع ، سيجد هذا الكلام ماثل أمامه ، من خلال عدم إهتمامهم مطلقاً بالمؤامرات التي تحاك ضد القضية الفلسطينية وتوحيد الصف الفلسطيني ، أكثر من اهتمامهم بالخطابات والشعارات الدينية التي تحث على الجهاد والموت في سبيل الله .

إذن منهجيتهم النابعة من العقيدة كما يقولون ، تترجم على أرض الواقع على حسب عقليتهم التي تناقض نفسها بنفسها في تعاملهم مع أبناء شعبهم وسياستهم الداخلية والخارجية ، القائمة على المراهنات و الواسطات والمعونات الخارجية ، بعيدا عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني .

لذلك ستجد ما تطرقت إليه في بداية حديثي من خلال تسلسل الأحداث التاريخية ، ستجد بين طيات الأسطر عقلية وسياسة الأحزاب العلمانية والشيوعية الممثلة في حركتي فتح والجبهة الشعبية متوافقة على مبدأ الكفاح المسلح في بدايات العمل النضالي انتهاءا بالعمل السياسي والدبلوماسي والخوض في مسار المفاوضات ، وهذا بالطبع لم يأتي هذا التغيير المفاجئ بيوم وليلة ، وانما جاء بعد سنوات كفاح طويلة امتدت لأكثر من ثلاثون عاماً ، وتخاذل الأنظمة العربية لقضيتهم العادلة .

فهنا نجد حماس للأسف ، دخلت إلى الواقع السياسي و الحكم بدون دراية تامة بسياسة وعقلية وماضي من سبقها بالكفاح والنضال المسلح .

وهذا للأسف ما نعانيه في يومنا هذا ، بأن هذه الحركة الإسلامية المستجدة على السياسة الفلسطينية ، ذات العقلية المتشددة والمنهج الإخواني ، لا يعون تاريخ النضال الفلسطيني والعمل السياسي وعيا تاما ، لكي يتماشوا معها في إصلاح ما دمره الإنقسام الفلسطيني ، وهذا ما تستغله إسرائيل فعليا لصالحها ، في جعل كلا من الطرفين مختلفين في العقلية والمنهج ، لاستمرار الإنقسام بين الشعب وشقي الوطن الضفة الغربية وقطاع غزة .

فلذلك نجد بأن حكومة نتنياهو في وقتنا الراهن ، تلعب بورقة السياسة وورقة التفريق والتمييز والتشديد الخناق على الفلسطينيين بدون الانجرار إلى تصعيد عسكري موسع ، وهذا يعتبر إستراتيجية محكمة و مدروسه جيداً للواقع الفلسطيني المزدري بشقيه السياسي والاقتصادي ، التي تعلمها حكومة الإحتلال جيدا .

فمن الأفضل لحماس ، أن تتماشى مع عقلية من سبقها في العمل السياسي ، وخاصة بأنهم أصبحوا من ضمن المنظومة السياسية الفلسطينية ، وتغير من منهجيتها فيما يتوافق مع التغيرات والتطورات السياسية في العالم الخارجي ، فعلا وليس قولا كما في ميثاقهم الأخير ، لكي نستطيع توحيد الصف الفلسطيني من جديد ، ونسقط جميع المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا الفلسطينية ، و نرد كيد المحتل وكيد الظالمين والغاصبين و المتربصون بنا  إلى نحورهم .

بقلم/ طارق الصيفي