حتى اليوم لم يأذن السيد محمود عباس للقائد العربي " أبي عبد الله الزغل" بزيارته، والجلوس معه لدقائق، وسماع حديثه، رغم تجربة الرجل المخزنة بالحكمة والعظة، وقديماً قالت العرب: إن العاقل من يتعلم من تجارب الآخرين، لهذا جاء اليوم "أبو عبد الله الزغل" إلى رام الله ليقول للقيادة الفلسطينية:
كنت أميراً في بلاد الأندلس، أقاتل الفرنجة، وأطاردهم في الجبال، رفضت كل دعوات وقف إطلاق النار، والتفاوض مع الأعداء، وظللت خنجراً مغروزاً في خاصرة تقدمهم في بلاد الأندلس، وظل جيشي يقاتل مفتخراً بعروبته وإسلامه، وظل شعبي موحداً من خلفي، حتى إذا جاء يوم ووقعت بالخطأ، وصدقت وعود الفرنجة، ودخلت في مفاوضات معهم، ومن ثم اعترفت بهم بعد أن سلمتهم مدينة "مالقة"، ووافقت على التنسيق الأمني معهم، وحرّمت على جيشي القتال، ومنعت شعبي من المقاومة، وكان شرطي هو أن أتسلم رواتب لعدد خمسة آلاف رجل من أتباعي، وأن أتسلم معاشا ًكبيراً، وأن أغدق المال على المرافقين، وأن استقر في مدينة "أندرش" وضواحيها بلا إزعاج، مع حرية تنقلي بين مدن الأندلس.
ما لم أكن أدركه، وما فاجأني فيه أعدائي، أنهم بعد أن استسلمت لهم "غرناطة" سنة 1492 واستتب لهم الأمن، وتمكنوا من عنق المقاومة، وبعد أن تركوا قادة جيشي يلهثون خلف الأموال، وتفكك شمل شعبي الذي انفض من حولي: أوقف الفرنجة دفع المال لي، وطلبوا مني مغادرة بلاد الأندلس، وهددوني بالقتل أو الاعتقال لو تباطأت، ومن حسن تدبيري أنني كنت واعياً لخداعهم، وأعددت نفسي جيداً لمثل هذا اليوم، فقررت أن أركب البحر، وأن آخذ أولادي، ونسائي، وحاشيتي، وكل أموالي، وأغادر بلاد الأندلس إلى المغرب العربي، وأعيش هنالك أميراً، بعيداً عن الفرنجة الذين غدروا، ونكثوا اتفاقياتهم معي.
لم أكن أعرف أن ملك المغرب كان يتابع أخباري، وعرف أنني توقفت عن حرب الفرنجة، نسقت معهم أمنياً، وأنني تلقيت منهم راتباًً، لذا ألقى القبض عليّ مجرد وصولي إلى الشاطئ، وصادر كل أموالي: وبعد أن فقأ عينيّ، أصدر أمراً بأن أبقى حياً أتوسل لقمتي على قارعة الطريق، وأتقبل الصدقات، أنا "الزغل" الذي كنت أميراً مقاوماً ملقباً بالباسل، صرت أعمى متسولاً، أتمنى الموت ولا أصل إليه!.
جئت اليوم لمقابلة السيد محمود عباس في رام لله، ولقاء أعضاء اللجنة المركزية، وأعضاء اللجنة التنفيذية، جئت كي أحذرهم من المصير الذي يلحق بكل من يثق بالفرنجة، ومن يقابلهم، ويفاوضهم، وينسق معهم، ويتسلم رواتب موظفيه من خزائنهم.
تنويه: مأساة "الزغل" التي حصلت سنة 1490، وانقلها عن كتاب "العرب والمسلمون في الأندلس" للكاتب محمد عبد الله عنان، صفحه 227، أتمنى ألا تتكرر في فلسطين، في القرن الحادي والعشرين.
نشرت هذا المقال بتاريخ 28/8/2010، تحت عنوان "الزغل" يزور رام الله،
وأعاود نشر المقال بعد تسع سنوات ليتعرف القارئ على خطيئة القيادة الفلسطينية التي تغرق في وحل التعاون مع الفرنجة.
يا ويلكم إذا سقطت غزة "غرناطة" هذا الزمان.
بقلم/ د. فايز أبو شمالة