مَن هو اللاجئ الفلسطيني؟. سؤال اضطُررتُ إليه على غِرار سؤال العدو الصهيوني لنفسه: مَن هو اليهودي؟ مع الفارق.
فقد اشتعلت هذه الأيام حُمَّى التنافس بين أعضاء حركة فتح على تشكيل اللجان الشعبية في مخيمات اللاجئين، وأخذ التسابق يتعدى مداه الطبيعي حين وضعت قيادة الحركة المحلية بقطاع غزة حجر عثرة في طريق الاختيار، فاخترعت معياراً للتمييز والتمايز لا يمكن أن يخطر على بال عاقل، ولا يأتي به إلا سكران، حين نصَّبت نفسها شرطيَّ مرور، يسمح بدخول هذا ويمنع ذاك، مخالِفة الأعراف الوطنية التي دأبت عليها استراتيجية م . ت. ف في معالجة ملف اللاجئين في المحافل الدولية، وتجاهلت أن اللاجئ الفلسطيني هو كل مَن هُجِّر من بلاده فلسطين قصراً، وأقام في ديار الغربة إقامة مؤقته، وأن أبناء وأحفاد وحفدة أحفاد هذا اللاجئ الفلسطيني هم أيضاً لاجئون فلسطينيون مهما بَعُدَت ديارهم التي يتواجدون فيها، ومهما كان لون الأرض التي يقيمون عليها. فلا أحد - مهما بلغت سطوته ونفوذه - يمكنه أن يسقط صفة " اللاجئية " عن اللاجئ الفلسطيني الذي خرج من نطاق المخيم وسكن المدينة، أو الذي سافر إلى الخارج ، وأقام في بلاد الشرق العربي أو الشمال الغربي.
سأطرح عليكم أيها السيدات والسادة: قضية فلسطينية وطنية 100% ، تتمثل في اللاجئ الفلسطيني الذي حرمته قيادة حركته من عضوية لجنة اللاجئين بمخيم النصيرات برغم كفاءته، بحجة أنه يسكن خارج حدود المخيم. أنا لم أغضب لشخص معين، فالأمر يتعدى الأشخاص إلى عموم اللاجئين وملفهم السياسي. ولكن الذي أثارني هو المنهجية الخاطئة التي انتهجتها القيادات المحلية، ومَن يقف وراءها من قيادة أعلى في القطاع أو خارجه؛ التي تقرُّ وتدعم فكرة التفريق بين لاجئ ولاجئ بحسب مكان سكناه، وتعيين مَن تهوى من الأشخاص حسب مصالحها الخاصة . فبرغم خطورة إحياء هذه البدعة التي تُشتت الشمل وتُعمِّق الانقسام، فإن فينا ما يكفينا من أوجاع سياسية واجتماعية تزيد عن حاجتنا وننوء بأثقالها، مع أننا كلنا في قطاع غزة صرنا لاجئين بفضل الضربات الموجعة التي تلقاها أهل هذا القطاع الصامد الصابر عبر الحملات الحربية الإسرائيلية - وما تبعها من قتل وتدمير- أدت إلى نزوح ولجوء جديد، وبالتالي تزايد عدد اللاجئين .
أريد أن أسأل أولئك الذين يحجبون اللاجئية عن اللاجئ الذي ابتنى له بيتا على بُعد عشرات أو مئات الأمتار أو ملايين الكيلومترات عن بيت المخيم: ماهي حدود المخيم ؟ ومَن هو اللاجئ ؟. إن هذه القضية مهمة ، يجب أن نثيرها ونناضل من أجلها ضد الإسرائيليين الذين يراوغون في الحدود الدائمة والمؤقتة، وليس محلها بين الفلسطينيين. أفيقوا يا أيها الغافلون: إنكم تصبُّون في كئوسنا السُّم السياسي القاتل الذي اخترعه أعداؤنا وأنتم لا تعلمون. إنكم تنفُون بشروطكم المجحفة صفة لاجئ عن اللاجئين الفلسطينين الذين يعيشون غرباء في أرجاء الكرة الأرضية بقاراتها الست، وتُقلِّلُون من عددهم الذي تكاثر وازداد. فهنيئاً لك يا " ترامب " ! بمَن يؤيدك من قيادات شعبنا، فأنت الذي اختزلت عدد اللاجئين حين أذعت " أن 500 ألف نسمة يمكن تصنيفهم كلاجئين فلسطينيين". مع أن عدد المسجلين في دفاتر الأونروا هو 5,5 مليون لاجئ ، هذا ماعدا مَن فاتهم التسجيل ممن عاشوا غرباء في بلاد العالم. ألا ترى عزيزي القارئ أن قياداتنا المحلية قد تساوقت - من حيث تدري أو لا تدري – مع ترامب وكوشنر ، بتقليص عدد اللاجئين الذين يحملون بطاقة لجوئهم التي يحتفظون بها إلى اليوم كما يحتفظون بهويتهم الوطنية وكواشين أرضهم ومفاتيح دُورهم؟. لقد حُقَّ لكِ يا أونروا أن تقلصي خدماتك وتحصريها في نطاق ضيق. وهنيئاً لكِ بمَن يعطيك المبرر بإلغائك وإغلاق أبوابك ما دام الكثرة من اللاجئين تحوَّلوا إلى مواطنين، وانتقلوا من سُكنى الخيام وبيوت الصفيح وبيوت الطين إلى عمائر الحجر داخل وخارج المخيم، واستبدلوا الكهرباء والغاز بالكاز وخُبز الصاج.
هنيئاً للعدو الصهيوني بكم يا قادة جماهير اللاجئين! على هذه المزاعم التي تتماهى مع سياساته ومخططاته التصفوية لملف اللاجئين. ويا لخيبتنا فيكم يا قادة! فإنه بحسب تفكيركم الأعوج؛ لا يحق لأي إنسان من خارج حدود المخيم - كما رسمتموها- أن يكون عضواً في الهيأة الإدارية في نادي خدمات النصيرات أو أي نادٍ آخر مما أقامته وكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين سنة 1951. ولا يحق له أن يعمل في إحدى مؤسسات الوكالة التي أُنشئت للاجئين، ولا لأبنائه الحق في أن يتعلموا في مدارس اللاجئين، ولا أن تستفيد أسرته من خدمات الصحة والنظافة العامة والتموين ومياه الشرب وغيرها، لماذا ؟. ألأنهم يسكنون خارج الحدود المصطنعة للمخيم؟!. فما قولكم في لاجئية السيد الرئيس ابن " صفد " الذي أُخرِج من مدينته، وجال في أرجاء الأرض، وطاف في أجواز السماء، وانتهى به المُقام خارج حدود المخيم؟ . وماذا تقولون في لاجئية مسئول ملف اللاجئي في م . ت . ف الذي ترك مخيم المغازي وحطَّ رِحاله في رام الله خارج حدود المخيم؟. ماذا تقولون في لاجئية بعض الوزراء والسفراء والنبلاء واللوردات والجنرالات الذين تركوا المخيمات ، واستقروا في أماكن بعيداً عنها؟. أيها القادة: لقد غاب عن بالكم أن اللاجئ الفلسطيني هو مَن اقتلعته عصابات الصهيونية من أرضه وطردته منها، فالتمس اللجوء في ديار ليست دياره ، وسيظل هو ونسلُه من بعده لاجئين مهما بَعُدَت المسافات بينهم وبين المخيم الذي زعمتم حدوده. وإني أُذكِّركم أن كل فلسطين محتلة، وأن كل الفلسطينيين اليوم لاجئون ينتظرون العودة، وأن بطاقة اللاجئ التي يحملها كلٌّ منَّا ليست كالبطاقة الممغنطة يمكن إلغاؤها أو تعديل بياناتها، إنها الوجه الثاني للشخصية الوطنية بعد الهوية الفلسطينية. واعلموا أن من يهمل حقاً من حقوقه ويتجرد منه وهو غافل عنه يضيِّع كل حقوقه، و " مَن يفرِّط في الوتد يفرُّ منه الجمل ". حينها لا يغضب إن لم يعترف به أحد حتى ولو ضرب رأسه في حائط سميك، فأفيقوا من غفلتكم أيها الغافلون. وإني لأخشى على قضيتنا منكم – إن بقيتم في مواقعكم القيادية - أن تخرجوا علينا بشرط آخر جديد مفاده: أن لا يكون اللاجئ لاجئاً إلا إذا كان مولوداً في داخل (حدود!) أحد مخيمات اللاجئين بفلسطين وليس خارجها، ومن أبويين لاجئين لديهما شهادة (حُسن سير وسلوك) من جهة أمنية تثبت خلوهما من مرض اللاسامية .
وبعد أيها السادة ، فإنني أدعو السيد الرئيس بصفته لاجئاً أولاً، وبصفته رئيس حركة فتح ورئيس م . ت . ف ثانياً؛ إلى محاكمة أولئك النفر، وإبطال دعواهم الهدَّامة، وتصويب أخطائهم، والتأكيد على حصانة مفردات القضية الوطنية. وأدعو سيادته إلى إقصائهم وتجريدهم من صلاحياتهم الحركية مهما كانوا كباراً أو صغاراً في فتح، ومهما كان موقعهم في م . ت . ف ، بيتنا الفلسطيني الكبير، وأن نستبدل بهم وجوهاً جديدة من القيادات الشابة؛ المفعمة بالحيوية والوطنية، صوناً للثوابت الوطنية، وإحياء للقضية الكلية، مع الشكر لمَن أعطى سابقاً العطاء الأوفى. فهيَّا يا شعبنا العظيم نكيد الأعادي بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، إرضاءً لأرواح الشهداء، وترضية لخواطر المعتقلين في سجون الاحتلال، ولترسيم البسمة على شفاه القدس الحزينة، حينها نثبت بالأدلة الدامغة أننا شعب مناضل ضد المحتل، وضد صفقة العصر، وضد ما يدعو إليه ترامب وكوشنر ونتنياهو، و ..... ، وزبائنهم !!!.*
بقلم/ عبدالحليم أبوحجاج