أي انسان يموت لا ينتهي بنظر الذين يحبونه إلاَّ اذا غسلوه بالدموع، والدموع هي ذرات التراب الأخيرة التي تُجلّل الميت وتقول انه انتهى، الا جثامين الشهداء الفلسطينيين المحتجزين لدى الاحتلال الاسرائيلي فهم ينتظروا دموع اهاليهم لتُجلل جثامينهم وتقول انهم انتهوا.
يموت الشهيد الفلسطيني في مقابر الارقام الاسرائيلية وذويهم يموتون الف مرة، ينتظرون رفات اولادهم الشهداء لتكفينهم بالكفن الذي ينتظرهم عشرات السنين، يحتجُ الاهالي على امل عودتهم وفتح باب العزاء لهم واستقبال المُعزيين ورصد لحظات وطنية داخل منازل ذوي اسر الشهداء والشعور بالفخر بابنائهم، آملين بتحول مساكنهم الى مزارات لاستقبال الجثامين وبناء قبور لوضع رفات الرموز المناضلة.
رغم العزاء لذويهم الا ان تَسلُم رفات الشهداء ستتحول المنازل الحزينة الى طقوس فرح فلسطيني وتهليل ببركة اجساد الشهداء والالاف ينتظرهم وسط الدموع والزغاريد امام الكشف عن مصيرهم ودفنهم بعزة وكرامة.
ينتهك الاحتلال الاسرائيلي الخصوصية الآدمية حول دفن الشهداء عبر احتجاز جثامينهم في مقابر الارقام والثلاجات المبردة، حيث تهدف من ذلك اذلال الروح الفلسطينية عبر وضع الجثمان في ثلاجة الموت وحجز الرفات في مقابر الارقام، وهذا انتهاك لابسط القوانين الدولية والانسانية، حيث تنص اتفاقية جنيف الأولى في المادة 17 بإلزام الدول المتعاقدة باحترام جثامين ضحايا الحرب من الاقليم المحتل وتمكين ذويهم من دفنهم وفقا لتقاليدهم الدينية والوطنية.
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثامين الشهداء كآلية عقاب وردع كل من تسول لنفسه الدفاع عن الارض والوطن والكرامة، والاستخفاف بالجسد الفلسطيني واذلال ذويهم واقاربهم.
مقابر الاحياء:
تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي فيما تعرف بـ"مقابر الأرقام" 253 جثمانا، إلى جانب اعداد كبيرة من الشهداء الآخرين المحتجزين منذ قرار الاحتلال العودة لاحتجاز الجثامين في أكتوبر من العام 2015 وترفض اسرائيل تسليمهم لذويهم.
ويقيم الاحتلال الإسرائيلي مقابر سرية عرفت باسم مقابر الأرقام، وهي عبارة عن مدافن بسيطة، محاطة بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولهذا سميت بمقابر الأرقام لأنها تتخذ الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء.
ويعلن الاحتلال هذه المقابر مناطق عسكرية مغلقة، وهي غير ثابتة وتتكشف معطيات متضاربة بين فترة وأخرى حولها، ترفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي إعطاء شهادات وفاة لذوي الشهداء أو تقديم قوائم بأسماء من تحتجز جثامينهم وأماكن وظروف احتجازهم.
حقل تجارب:
تتهم دوماً عائلات الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال سلطات الاحتلال بمعاملة الجثامين كحقل تجارب علمية، فلم تقتصر اسرائيل فقط على احتجاز الجثامين بل بجعل اجسادهم كحقل اختبارات لتجاربهم العلمية والطبية والكيماوية.
حملات وطنية لاسترداد جثامين الشهداء:
بين الفينة والاخرى يتم اطلاق حملات وطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين، منصاتها على شبكات التواصل الاجتماعي، والمسيرات التي تجوب المحافظات الفلسطينية والمؤتمرات التي تُنظم من اجل ذلك.
تهدف الحملات إلى زيادة حجم الضغط الشعبي والرسمي، والتذكير بالمعاناة التي تعيشها عشرات العائلات الفلسطينية والعربية المحرومة من إلقاء نظرة الوداع على رفات ذويهم ودفنهم؛ بسبب تعنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ورفضها الافراج عن جثامينهم، وترمي الحملة إلى إجبار الاحتلال الإسرائيلي على الإفراج عن جثامين "مقبرة الأرقام"، وكشف مصير المفقودين، وتعتمد على وسائل قانونية وسياسية لتحقيق أهدافها.
المطلوب:
1. تكثيف الفعاليات الشعبية والجماهيرية وتشكيل رأي عام وطني ضاغط لاسترداد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال الاسرائيلي.
2. يجب ان يكون هناك دور فاعل للمؤسسات الحقوقية من اجل الدفاع عن هذه القضية الانسانية.
3. يجب تفعيل ادوار القوى والاحزاب الوطنية والفصائلية للضغط من اجل استرجاع الجثامين.
4. تفعيل وسائل الإعلام المحلية و الفضائيات ووكالات الأنباء لايصال صوت ذوي الشهداء.
5. تبني الحكومة للحملة الوطنية ووضع أهدافها على سلم الأوليات و المطالب الوطنية الفلسطينية.
6. تكليف وزارة الشؤون الخارجية بالعمل على إثارة قضية جثامين الشهداء المحتجزة لدى الحكومة الإسرائيلية مع الحكومات و الهيئات المعتمدة لديها و الأمم المتحدة، و العمل مع المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام بهدف فضح السياسة العنصرية لحكومة إسرائيل و الضغط عليها لتنفيذ إلتزاماتها حسب القانون الدولي الإنساني و اتفاقيات جنيف بهذا الخصوص.
7. بناء نواة لشبكة إقليمية دولية ضاغطة على حكومة دولة الإحتلال الإسرائيلي.
8. المتابعة القانونية حول استرداد الجثامين واللجوء للقضاء، حيث تؤكد أن من بين وسائلها إثارة مطالبها أمام المحاكم الإسرائيلية والاستعانة بمحامين وهيئات استشارية قانونية في هذا الإطار.
9. مواصلة الحملة الوطنية لنشاطاتها الجماهيرية و السياسية و الدبلوماسية و القانونية محلياً واقليمياً ودولياً للعمل في إطار الجهد الوطني لتدويل قضية الجثامين المتحجزة لدى الاحتلال.
ختاماً:
قضية جثامين الشهداء الفلسطينيين المتحجزين لدى الاحتلال الاسرائيلي فاقت الخطوط الحمراء لانتهاك الاحتلال الانسانية وعدم احترام القوانين الدولية والاممية بارجاع الجثامين الى ذويهم ودفنهم حسب الشرائع الدينية، وهذا الامر يحتاج من الجميع رفع الصوت عاليا للدفاع عن حق طبيعي من حقوق الانسان وهو حق دفن الميت في الموقع المناسب وفي ارضه ووطنه وبين عائلته.
بقلم :الكاتبة الفلسطينية: تمارا حداد.