دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم البرلمان الفدرالي السويسري إلى عدم الاستجابة لضغوطات إسرائيل الهادفة إلى وقف العمل بالتشريعات الجنائية السويسرية التي تعطي الصلاحية للمحاكم في البلاد بمقاضاة سياسيين وعسكريين إسرائيليين تورطوا بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
وقال المرصد الأورومتوسطي ومقره جنيف في بيان له، إنه ينظر بقلق شديد لزيارة وفد إسرائيلي يترأسه وزير الخارجية يسرائيل كاتس برفقة طاقم قانونيين إلى سويسرا من أجل الضغط على السلطات في سويسرا لوقف العمل بالتشريعات الجنائية الخاصة بإمكانية رفع دعاوى قضائية ضد القادة والجنود الإسرائيليين خلال الحروب المتلاحقة على الأراضي الفلسطينية.
وأشار إلى أن سويسرا من أوائل الدول التي ضمّنت في تشريعاتها الداخلية نصوص مواد قانونية تتيح ملاحقة مرتكبي الجرائم الكبرى في حال عدم محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ويهدف القانون الذي أصدره المجلس الوطني السويسري عام 2009 إلى تعزيز ممارسة الولاية القضائية العالمية في البلاد وذلك بجعل نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بمثابة قانون وطني. واستهدف المشروع تعزيز مكافحة الإفلات من العقاب لكل من مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وذكر المرصد الحقوقي الدولي أنّ القانون السويسري يستند في مباشرته للتحقيق على مبدأ الولاية القضائية العالمية والتي تعد أكثر المبادئ القضائية مرونةً، إذ أنها لا تتطلب توافر وجود "ارتباط وثيق" بين المشتبه به والدولة لكي تقوم البدء في أعمال التحقيق، بل على العكس من ذلك يكفي أن يخالف الشخص القواعد القانونية الواردة في ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية حتى يتم ملاحقته.
ونوّه إلى أن القانون السويسري الخاص يتيح توقيف المشتبه به بمجرد دخوله الأراضي السويسرية دون اشتراط أن يكون مقيمًا أو له أي عقار داخل الدولة.
من جانبه قال الباحث القانوني لدى المرصد الأورومتوسطي "محمد عماد" إنّ زيارة الوفد الإسرائيلي تأتي لمواجهة الأصوات الحقوقية المتصاعدة داخل عدد من الدول الأوروبية لتضمين تشريعاتها نصوصًا قانونية تتيح للمحاكم الداخلية مقاضاة قادة وجنود الجيش الإسرائيلي المتورطين بارتكاب انتهاكات مروّعة قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب خلال الهجمات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وحث "عماد" السلطات السويسرية على التمسك بموقفها القانوني الإنساني تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، ورفض أي ضغوط من شأنها التأثير على مبدأ الملاحقة الجنائية المطبق في البلاد.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى عدة أمثلة باشر بها القضاء السويسري صلاحيته انطلاقًا من قانونه الذي يستند إلى الولاية القضائية العالمية، من ذلك رفع عدة منظمات حقوقية معنية بحقوق الفلسطينيين في سويسرا دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "ايهود أولمرت" بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال عملية الرصاص المصبوب في قطاع عام 2008 و2009.
ونتيجة لهذه الدعوى ألغى "أولمرت" رحلته إلى سويسرا والتي كانت مقررة في يوليو/ تموز الماضي بعد التحذيرات التي تلقاها من المدعي العام الإسرائيلي بنية السلطات السويسرية توقيفه بناءً على الدعاوى القضائية المقامة بحقه.
وفي مثال آخر قررت إحدى المحاكم الجنائية الفدرالية في سويسرا احتجاز وزير الداخلية الغامبي السابق "عثمان سونكو" الذي لجأ إليها عام 2017، إذ يُعتقد أنّه كان يشرف شخصيًا على تعذيب مواطنين أثناء فترة توليه وزارة الداخلية بين عامي 2006 و2016، وقد احتجز على خلفية بلاغ لمنظمة دولية يتهمه بتشكيل فريق لتعذيب المواطنين في غامبيا.
ولا يزال " سونكو" موقوفًا إلى هذه اللحظة داخل السجون السويسرية بعد رفض الاعتراضات التي تقدم بها والتي نفى بها صلته بممارسات التعذيب في غامبيا.
أما عن الانتهاكات الجسيمة التي ترافق العمليات العسكرية في سوريا، فقد فتح النائب العام السويسري عام 2016 تحقيقًا جنائيًا في القضية، وتم نشر أسماء بعض القيادات العسكرية في الجيش السوري على أنهم مطلوبون للسلطات السويسرية فور وصلولهم للبلاد تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قائمة المطلوبين يتم تحديثها وفقًا للدلائل التي تقدمها سلطات التحقيق إلى النائب العام.
وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان السلطات السويسرية بالتمسك بموقفها فيما يخص ملاحقة مرتكبي الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وحثّ السلطات التشريعية في البلاد على عدم الخضوع للضغوطات التي تحاول وقف ذلك.
كما دعا المرصد الحقوقي الدولي الدول الأوروبية كافة للسير على خطى دولة سويسرا، وتضمين تشريعاتهم الداخلية نصوصًا تتيح ملاحقة المتورطين بارتكاب انتهاكات في مناطق النزاع بما يتعارض مع القانون الدولي، وميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.