استنكر مركز الميزان لحقوق الإنسان وبشدة قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بهيئتها الموسعة والمكونة من (7) قضاه، والتي انعقدت بتاريخ 17/7/2018، للنظر في قانونية احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، والتي أقرت - بعد نحو عامين من المماطلة والتسويف- يوم الاثنين الموافق 9/9/2019 بغالبية (4) قضاه ضد (3) صلاحية القائد العسكري لاحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتا لأغراض استعمالهم كأوراق تفاوض مستقبلية.
وبذلك تكون المحكمة نقضت قرارها الأصلي الصادر عن هيئة عادية (3) قضاه، بتاريخ 14/12/2017، والقاضي ببطلان قرارات الاحتجاز الصادرة عن كل من جيش الاحتلال وشرطة الاحتلال حيث لا يملكان اختصاص أو صلاحية تفوضهم احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، لغرض المساومة عليها في مفاوضات تبادل الأسرى، بموجب التشريعات القانونية السارية في دولة الاحتلال.
يذكر بأن المحكمة العليا بهيئتها العادية قررت ضم جميع الالتماسات المقدمة لاسترداد جثامين الفلسطينيين وإصدار قرار موحد فيها جميعا حيث صدر قرار بتاريخ 14/12/2017، قضي بأن احتجاز الجثامين ليس له مسوغ قانوني في القانون المحلي الإسرائيلي أو القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني، غير أن المحكمة وضعت استدراكاً وقررت أن يتم تأجيل قرار البطلان إلى ست شهور حتي تتمكن الحكومة من سن تشريع جديد واضح وصريح يجيز احتجاز الجثامين لغرض المساومة عليها، إلا أن الحكومة ردت في حينه بأنه لا تقبل بقرار المحكمة وتطلب مناقشة القضية في هيئة قضائية موسعة من (7) قضاه بدل (3) وهذا ما تم ، ليأتي هذا القرار من ضمن قرارات كثيرة صدرت عن السلطة القضائية الإسرائيلية تتماهي مع رغبات الحكومة والجيش وتوفر الغطاء القانوني للانتهاكات الجسيمة والمنظمة التي ترتكب بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة .
تجدر الإشارة إلى أن قوات الاحتلال تواصل احتجاز جثامين (304) شهداء، منهم (253) دفنتهم سلطات الاحتلال فيما يعرف بمقابر الأرقام، بعض هذه الجثامين دفن منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم وترفض الإفراج عن جثامينهم وتسليمها لعوائلهم كشكل من أشكال العقاب الجماعي وكحلقة في سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة والمنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولاسيما وأن عمليات الاحتجاز تأتي كعقاب وفي الوقت نفسه تتخذ الجثامين كرهائن ولا يوجد ما يعوّق تسليمهم لذويهم، لدفنهم وفق ثقافتهم ومعتقداتهم الدينية.
هذا وتمتنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن منح شهادات وفاة لذوي الضحايا، وترفض الإفصاح عن قوائم أسماء من تحتجز جثامينهم وأماكن وظروف احتجازهم، في مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني ولاسيما ما نصت عليه اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع.
ويوماً بعد يوم تكّرس سلطات الاحتلال ممارسات قضائية وتعديلات قانونية تنتهك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن مركز الميزان لحقوق الإنسان تقدم بالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية في شهر ديسمبر من العام 2004م، لاسترداد (12) جثماناً من قطاع غزة، ووقتئذٍ تعهدت قوات الاحتلال بتأسيس بنك للحمض النووي تمهيداً لتحرير الجثامين المحتجزة.، إلا أن سلطات الاحتلال لم تلتزم بقرار المحكمة.
كما تقدم المركز بتاريخ 18/12/2016 للمحكمة العليا الإسرائيلية، بالشراكة مع الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء ومركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، للمطالبة بتسليم (10) جثامين تحتجزها سلطات الاحتلال في مقابر الأرقام ولم تبت المحكمة في القضية.
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يعبر عن استنكاره الشديد لهذا القرار، وإذ يجدد استنكاره لاستمرار سياسة احتجاز سلطات الاحتلال لجثامين الشهداء الفلسطينيين، ومنع إجراء التشريح لاستصدار التقارير، وفرضها شروطاً مهينة لدفنهم، باعتبارها تشكل مخالفة للقانون الدولي الإنساني. وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة تمارس بشكل منظم قبل أن تشهد الأراضي الفلسطينية احتجاز فصائل المقاومة لأي جندي أو جثة، وأن محاولة تبرير هذا السلوك الذي ينتهك قواعد القانون الدولي بربطه في عمليات تبادل الأسرى مع فصائل المقاومة هي محاولة لتضليل المجتمع الدولي.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يطالب المجتمع الدولي ولاسيما الأطراف السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف بالضغط على سلطات الاحتلال لإجبارها على الالتزام بالمبادئ والقواعد التي تحمي المدنيين في النزاعات المسلحة بما في ذلك التوقف عن انتهاك الكرامة الانسانية للضحايا وعائلاتهم، ويطالب بتسليم كافة الجثامين الى عائلاتهم دون شروط مسبقة حتى يتسنى لعائلاتهم تشييعهم ودفنهم بما يليق بكرامة الإنسان.