تتزايد المخاوف الفلسطينية من تنفيذ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهده بفرض اسرائيل سيادتها على غور الأردن ومناطق أخرى مهمة في الضفة الغربية في حال فوزه في الانتخابات المقرر اجراؤها الثلاثاء المقبل.
ويرى مراقبون فلسطينيون في تصريحات لوكالة أنباء "شينخوا"، أن إقدام نتنياهو على تنفيذ تعهده يمثل "نسفا للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني خاصة (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 وإطلاق رصاص الرحمة" على حل الدولتين على حدود 1967.
وقوبلت تصريحات نتنياهو بتنديد فلسطيني رسمي شديد، واعتبرها الفلسطينيون "تغييرا لكل قواعد اللعبة وخروجا على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية".
وحذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، من أن الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ستنتهي حال فرضت سيادتها على أي جزء من الأرض الفلسطينية.
وقال الرئيس عباس، إن "جميع الاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي وما ترتب عليها من التزامات تكون قد انتهت، إذا نفذ الجانب الإسرائيلي فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت وأي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967".
ويقول المحلل السياسي من رام الله أحمد رفيق عوض، إن "إعلان نتنياهو بضم مناطق الغور وشمال البحر الميت يمثل رأي الأغلبية في اسرائيل وهو أمر متفق عليه من جميع الأحزاب لاعتبارات كثيرة أبرزها الأمنية".
ويرى عوض، أن "نتنياهو اختار اللحظة المناسبة لاعلان ذلك لتحقيق مكاسب انتخابية خاصة أنها جاءت قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية (الكنيست) الإسرائيلية بأسبوع، ولإجهاض أي إمكانية لخيار حل الدولتين".
ويعتبر عوض، أن "إعلان نتنياهو جاء بموافقة أمريكية غير معلنة وفي ظل تفكك فلسطيني داخلي وإنشغال عربي ودولي عن القضية الفلسطينية والمخاطر التي تواجهها من قبل إسرائيل المدعومة بشكل مطلق من الإدارة الأمريكية".
ويتابع عوض، "إذا ما فاز نتنياهو في الانتخابات المقبلة وحصل على الموافقات من الحكومة والكنيست والإدارة الأمريكية بفرض السيادة على تلك المناطق فهذا يعني إنهاء اتفاق أوسلو وإجهاض حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية المتواصلة جغرافيا على حدود 67".
ويوضح، أن "فرض إسرائيل سيادتها على مناطق الغور والمستوطنات في الضفة الغربية يعني دخول مرحلة جديدة ليست مرجعيتها اتفاق أوسلو ويعود بنا إلى المربع الأول القائم على الاحتلال والاستيطان والتهويد وقانون القوة وفرض الواقع على الأرض".
وأعلن نتنياهو نيته فرض السيادة على غور الأردن ومناطق أخرى في الضفة الغربية خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي أي قبل أسبوع من إجراء الانتخابات في إسرائيل، في خطوة اعتبرتها أحزاب المعارضة أنها جزء من الدعاية الانتخابات لحزب الليكود الذي يترأسه.
ويخشى المسؤولون الفلسطينيون إقدام نتنياهو على تنفيذ هذه التعهدات في ظل توتر علاقاتهم بشدة مع الإدارة الأمريكية ورفض خطتها المرتقبة للسلام ردا على اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية 2017.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة (بيرزيت) في رام الله علي الجرباوي، إن "نتنياهو يحاول حصد أكبر كمية من الأصوات لكنه يعبر أيضا عن استراتيجية ومنهجية لها أعوام تسير باتجاه الضم والتهويد".
ويرى الجرباوي، أن "اليمين الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية تريد الضفة الغربية كأرض وليس من عليها من سكان فلسطينيين" ، لافتا إلى أنه "منذ تقسيمات اتفاق أوسلو الموقع مع منظمة التحرير الفلسطينية 1993 للضفة، هناك محاولات ضم انتقائي بمعنى ضم الأراضي قليلة السكان الفلسطينيين وترك مناطق كثيفة السكان".
ويوضح، أن ما قاله "نتنياهو ليس سرا مخفيا وإنما يتردد في كل وقت بين أوساط اليمين الإسرائيلي بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وأن مناطق الأغوار منطقة أمنية لا يمكن التخلي عنها للفلسطينيين".
وتشكل منطقة الأغوار التي تبلغ مساحتها قرابة 720 ألف دونم، 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية، ويعيش فيها حوالي 50 ألف فلسطيني بما فيها مدينة أريحا، وهو ما نسبته 2 في المائة من مجموع السكان الفلسطينيين في الضفة، بحسب إحصائيات فلسطينية رسمية.
وتقسم مناطق الأغوار إلى ثلاث مناطق (ايه) وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية ونسبتها 7.4 في المائة من مساحتها الكلية، ومناطق (بي) وهي منطقة تقاسم مشتركة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل ونسبتها 4.3 في المائة، ومناطق (سي) وتخضع لسيطرة اسرائيلية كاملة وتشكل أكثر من 88 في المائة من المساحة الكلية.
وتقام على مناطق الأغوار الفلسطينية 31 مستوطنة إسرائيلية غالبيتها زراعية ويسكنها أكثر من 8 آلاف مستوطن، بينما أنشأت إسرائيل في تلك المناطق 90 موقعا عسكريا منذ احتلالها عام 1967 وهجرت أكثر من 50 ألف فلسطيني منذ نفس العام.
ويعتبر الفلسطينيون، أن غور الأردن يمثل جزءا حيويا من الدولة الفلسطينية المستقبلية باعتباره سلة غذاء الضفة الغربية وحدودها الخارجية مع الأردن.
ويقول المحلل السياسي من رام الله عبد الناصر النجار، إن "مخطط إسرائيل منذ اليوم لاحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 67 يهدف للسيطرة على منطقة الأغوار باعتبارها حدود إسرائيل الشرقية بعمق يتراوح بين15-20 كيلومترا".
ويضيف النجار، أن "سلطات الاحتلال على مدار العقود الخمسة الماضية لم توقف تهويد الأغوار من خلال اعتبار معظم الأراضي بمثابة أراضي دولة، والاستيلاء المطلق على خزان المياه الشرقي وإقامة المستوطنات الزراعية، والمعسكرات على مساحات واسعة، وإجراء تدريبات عسكرية معظم أيام السنة".
ويشير، إلى أن "خطوة ضم الأغوار يعني أن نسبة الـ 28 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية التي كان يراهن البعض على إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية عليها ستتراجع إلى أقل من 20 في المائة، وإذا ما أضيفت مساحة المستوطنات في حال ضمها فإن ما يتبقى من الضفة هو 10 في المائة تقريباً".
ويتابع النجار متسائلا "أي دولة هذه التي ستكون محاصرة من جهاتها الأربع بالاحتلال، فهذا يعني سجنا لا دولة وأكثر من ذلك فإن فتات ما سيتبقى سيكون على شكل غيتوهات يحاصرها الاستيطان والطرق الالتفافية والجدران".
ويعتبر النجار أن "إعلان نتنياهو هو إشعال حريق في كومة قش سياسية جافة، وهو اختبار أخير للفلسطينيين، وكيف ستكون ردة فعلهم وفي جميع الأحوال، فوز نتنياهو في الانتخابات يؤكد الضم، ولن تجدي كل بيانات الشجب والاستنكار والاجتماعات الطارئة ما لم يكن هناك تحرك حقيقي على الأرض".
وتوقفت مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل نهاية مارس عام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية دون تحقيق تقدم لحل الصراع الممتد بين الجانبين منذ عدة عقود.
ويعتبر الفلسطينيون، أن زعماء إسرائيل يتبنون استراتيجية واحدة لا تتضمن الاعتراف بحقوقهم بل السعي إلى إنهاء قضيتهم من الخارطة السياسية والتمدد في أراضيهم بدلا من الانسحاب منها والتوجه لإحلال السلام.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة أن " تنفيذ نتنياهو تعهداته بضم الغور ومستوطنات في الضفة الغربية مخالف لاتفاق أوسلو الذي ينص على منع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من القيام بأية خطوات أحادية الجانب حول الأراضي الفلسطينية".
ويضيف أبو سعدة، أن مستقبل الأراضي الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية يتقرر من خلال طاولة المفاوضات بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر في ديسمبر 2016 ويطالب بوقف بناء المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية.
ويشير أبو سعدة، إلى أن السلطة الفلسطينية لن تقف مكتوفة الأيدي في حال قام نتنياهو بتنفيذ تعهده إذا ما فاز بالانتخابات المقبلة عبر استخدام "السلاح القانوني والدبلوماسي بالتوجه إلى المؤسسات والمنظمات الدولية وإلا ستعلن وقف الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل منذ عام 1993".