مفهوم القطاع العام، والقطاع الخاص:.....2
بالنسبة للقطاع الخاص، الذي يدرك، مسبقا، أن من يتحكم فيه، هم من أفسدوا القطاع العام، أو وقفوا وراء إفساد القطاع العام، بالنهب، والإرشاء، والارتشاء، والمحسوبية، والزبونية، والوصولية، والانتهازية، حتى صار القطاع العام مكلفا، أكثر من القطاع الخاص، ولكن ليس عيبا أن يمتلك المغاربة مؤسسات القطاع الخاص، بل إن العيب، كل العيب، أن تصير الأموال المنهوبة، والمستخلصة من الإرشاء، والارتشاء، التي وقفت وراء انتشار الفساد في المؤسسات العمومية. وهي أموال غير مشروعة، ووسيلة لامتلاك المؤسسات الخصوصية، التي توظف في استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى درجة أن كل ما هو خاص، يصير محكوما في معظم الأحيان:
ــ إما بالأموال المنهوبة من المؤسسات العمومية، والتي تقدر، في بعض الأحيان، بعشرات الملايير، التي قد تكون مخصصة لبناء مؤسسات عمومية، في إقليم ما، في زمن ما، أو لمد الطرق بين الأقاليم، أو بين الجماعات الترابية، في إقليم ما، وقد تكون مخصصة لبناء ثانوية، أو مستشفى عمومي، ولكن المسئولين فضلوا النهب، على أن تصير الأموال المنهوبة في خدمة الشعب، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، حتى تصير وسيلة لامتلاك المؤسسة الخصوصية، التي يمارس بها استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بعد أن تم إفساد الإدارة.
ــ وإما من الأموال التي يتم استخلاصها من الإرشاء، والارتشاء، لكنس جيوب المواطنين، والتي تقدر بعشرات الملايين، إن لم تكن عشرات الملايير، حتى يصير المرتشي، الذي لا يستحيي؛ لأنه يفقد، فقدا مطلقا، الحس الإنساني.
وهم المرتشي الذي يمارس الإدارة الفاسدة، في ظل الدولة الفاسدة، أن يكنس جيوب المواطنين، الذين يضطرون إلى تلقي الخدمة الإدارية من إدارة الدولة المغربية الفاسدة، والذين تقدر الأموال التي جمعوها من الإرشاء، والارتشاء، بعشرات الملايير، والتي يعتبرونها رزقا ساقه الله إليهم، ليصير وسيلة لامتلاك العديد من المؤسسات الخصوصية، التي يمارس بها الاستغلال على الشعب المغربي، والتي يذهبون منها إلى السعودية، (لأداء فريضتي الحج والعمرة)، أملا في التخلص من الذنوب العظمى، التي ارتكبوها في ممارسة الإدارة الفاسدة، معتقدين: أن الأموال التي خلفوها، أو جمعوها، أموال مشروعة. وهي، في الواقع، غير مشروعة؛ لأن أصل تكون الثروة، غير مشروع.
ــ وإما من احتكار البضائع الاستهلاكية، التي قد تصير فاسدة، وتباع وهي فاسدة، للمواطنات والمواطنين، لضمان إدرار أموال طائلة، من بيع الأمراض السرطانية للمواطنات، والمواطنين الذين قد يصابون بالأمراض الخبيثة، التي قد تأتي على حياتهم، جراء استهلاك مواد فاسدة، تذهب أموالها الطائلة لشراء المؤسسات الخاصة، التي قد يمارس فيها الغش في الإنتاج، لضمان المزيد من الأرباح، التي توسع ملكيتهم للمؤسسات التي يستغل بواسطتها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
ــ الاتجار في المخدرات، وفي كل الممنوعات، من أجل جمع الملايير كل سنة، وفي كل لحظة، والتي تحتاج إلى عملية تبييض الأموال، من أجل العمل على شراء مؤسسات القطاع الخاص، والتي قد يقدر ثمنها بعشرات الملايير، التي قد لا تتوفر إلا لبارونات الاتجار في الممنوعات.
ومع ذلك، لا أحد يسأل: من أين لمبيض الأموال بكل تلك الملايير، مع العلم أن البارون يوزع الأموال يمينا، وشمالا على المسئولين.
وقد سبق أن نشرت موضوعا عن مصادر أموال البورجوازية المغربية، فوجدت أنها جميعا مصادر فاسدة.
ــ الاتجار بالدين الإسلامي، عن طريق أدلجته، والذي يجمع مؤدلجوه الكثير من الثروات، التي تصير في متناول المؤدلجين، والتي قد تقدر بالملايير، والتي تمكنهم من شراء مؤسسات القطاع الخاص، التي يستغلون بها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باسم الدين الإسلامي.
ومع ذلك، فلا بد أن توجد مؤسسات خصوصية، يملكها أشخاص طيبون، بأموالهم الطيبة، يراعون فيها أن تخدم مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين الذين تقدم لهم حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والشغلية، وتحترم ما تنتجه من بضائع استهلاكية، كما تحترم نوعية الخدمات التي تقدمها إلى بنات وأبناء الشعب المغربي.
كما يجب أن نعرف أولا، وأخيرا، أن مصادر الثروات، لا تهمنا، بقدر ما يهمنا احترام المؤسسات الخاصة، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والشغلية.
إلا أننا يجب أن نشير، إلى أن ما بني على باطل، لا يكون إلا باطلا، والأموال التي بني عليها القطاع الخاص، هي في غالب الأحيان، من مصادر فاسدة، وما أتى من مصادر فاسدة، لا يمكن أن يكون إلا فاسدا.
ولهذا، فالمسئولون عن القطاع الخاص الفاسدون، لا يمكن أن يستجيبوا لمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ لأن الفاسدين، والفاسدات أيضا، لا يعرفن، ولا يعرفون شيئا اسمه حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وفي مقابل ذلك، يمارسون، ويمارسن الاستغلال الهمجي على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ويتهربون، ويتهربن من أداء الضرائب للدولة، التي يجري كل شيء أمام أعين مسئوليها.
فماذا نعني بالقطاع الخاص؟
إننا عندما نذكر القطاع الخاص، نذكر المحور الطبقي، ونذكر تركيز الثروات في أيدي فئة قليلة من المنتمين إلى الطبقات المهيمنة، والمسيطرة في المجتمع المغربي، والتي تعرف التهام كل الخيرات المادية، والمعنوية، من أجل الزيادة الصاروخية في ثرواته، التي لا يقابلها إلا التراجع الصاروخي، لما يمكن أن يتبقى في جيوب بنات، وأبناء الشعب المغربي، كما نذكر أن القطاع الخاص، هو مجرد وسيلة لجني المزيد من الثروات، التي تهرب إلى الأبناك الخارجية، ومن أجل شراء العقارات الرفيعة الثمن، في أوروبا، أو أمريكا، أو غيرها، حتى لا تقف وراء استفادة المغاربة من ترويجها بهذا القدر، أو ذاك.
وقديما قالوا: إن السفهاء هم الذين يبذرون الأموال، وفي الأمور التافهة، التي لا يستفيد منها لا السفهاء، ولا غيرهم من أفراد أسرهم، ولا قريب من أقاربهم، لتصير بذلك أموالا طائلة.
ونحن اليوم نقول: إن السفهاء الحقيقيين، هم الذين يصيرون متوفرين على ثروات هائلة، بطرق غير مشروعة، لا يدري أحد من أين لهم بها، ولا ندري: هل من حقهم أن يتصرفوا فيها؟ ولا أحد يسألهم من أين لهم بها؟ يملكون بواسطتها مؤسسات القطاع الخاص المختلفة، كما يملكون، ويملكن بها العقارات المختلفة، والمتنوعة، في الحواضر، وفي البوادي، ودونما حياء من غالبية السكان، والذين لا يملكون إلا، ولا ذمة، بممارستهم للسفاهة، في أبشع صورها، التي لا يسمونها سفاهة، بقدر ما يسمونها أي اسم يجعلها قدوة لمن يمتلكون الثروات، حتى يصيروا مالكين لكل أراضي الوطن، ولكل عقارات المدن، ويصير الشعب في القرى، وفي المدن، تحت رحمتهم، يعيش بإرادتهم، أو يسلطون عليهم عوامل الموت الاختياري، المتمثلة في الجوع، والمرض، والجهل، الذي لا زال يستهدف ما يقرب من خمسين في المائة من السكان، غالبيتهم من النساء القرويات.
والقطاع الخاص، الذي يعتبر ملكا للخواص، وليس للشعب، يصير وسيلة لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: هو تعميق الاستغلال الهمجي على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبدون حدود؛ لأن تعميق الاستغلال، يضاعف فائض القيمة. أما الجزء الذي يذهب كأجور للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فيبقى ثابتا، لا يزيد، إذا لم ينقص بفعل الاقتطاعات الطارئة.
الهدف الثاني: هو مضاعفة الرأسمال، الذي لا يعرف التوقف أبدا، ليصير رأسمالا لا يعد بالملايير، بل بالبلايير، التي تصير وسيلة لإلغاء الإنسان، الذي يتحول، بالفعل، إلى وسيلة لخدمة مضاعفة نماء الرأسمال، ولا قيمة إنسانية له، إلا من خلال مساهمته في بناء الرأسمال.
وأهم ما يميز القطاع الخاص، يتمثل في:
1) في رسومات بيع الخدمات، مما يثقل كاهل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
2) هضم حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين تضاف حقوقهم إلى مجمل الرأسمال، الذي يضر، ولا ينفع.
3) التهرب الضريبي، بحيث يقوم بإعداد تقارير كاذبة، تضاعف فيها المصاريف، والمداخيل، وبفواتير مزورة.
4) التمتع بامتيازات الريع المخزني / الدولتي، على شكل الدعم، الذي الذي يقدم عادة إلى القطاع الخاص.
5) التصرف في العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وكأنهم مجرد قطيع حيواني، يقرب من يشاء منهم، ويبعد من يشاء، ويرسم من يشاء، ويحرم من يشاء من الترسيم، ويوقف من يشاء، ويطرد من يشاء، بل ويتسبب في الكوارث لمن يشاء.
6) الرفع المستمر لقيمة البضائع الاستهلاكية، الذي يساهم في امتصاص جزء مهم، مما يمكن أن يتبقى في جيوب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
والقطاع الخاص، بالنسبة للشعب المغربي، ليس هو منتج البضائع، أو مقدم الخدمات، بمقابل تحدده المؤسسة؛ بل هو وسيلة السيطرة على المؤسسات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بواسطة الملكية الخاصة، ووسيلة أيضا للسيطرة على العقارات الحضرية، والقروية، وعلى وسائل النقل، وعلى الضيعات الزراعية، وعلى مؤسسات تربية المواشي، والدواجن،، لتتمكن في طريق تلك الملكية، من السيطرة على البشر، الذي يشغل القطاع الخاص، لخدمة مصالحها، ومضاعفة مداخيلها، حتى لا تتراجع إلى الوراء، ومن أجل أن تستمر في نهب الثروات، وفي تكريس حرمان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من كل الحقوق الإنسانية، والشغلية.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن القطاع، يتم استغلاله من قبل مالكيه، من أجل السيطرة على الجماعات الترابية: الحضرية، والقروية، من أجل إيجاد مصدر لنهب الثروات، التي تعد بعشرات الملايير، التي تحول إلى الحسابات الخاصة داخل المغرب، وخارجه ،كما يتم استغلال القطاع الخاص، من أجل السيطرة على البرلمان بغرفتيه: (مجلس النواب، ومجلس المستشارين)، الذي يستغل لحماية المصالح الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بواسطة التشريعات، التي تتم المصادقة عليها في إطار البرلمان.
وفي العلاقة بين القطاع الخاص، والقطاع العام، فإننا نجد أن هذه العلاقة، وانطلاقا من الامتيازات الرأسمالية التبعية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية، تسير في اتجاه جعل القطاع العام، في جميع المجالات، في خدمة القطاع الخاص، وليس العكس؛ لأن توجه الاختيارات القائمة، وفي ظل سيادة الفساد، على جميع المستويات، هو العمل على خوصصة القطاع العام، حتى لا يتبقى إلا القطاع الخاص، في السماء، وفي الأرض، وفي عمق السماء، وفي عمق الأرض، وما بينهما، حتى نقول: فأينما تولوا فتمة القطاع الخاص.
وما يميز القطاع الخاص، في بلد كالمغرب، هو أنه نما، وترعرع، في ظل سيادة الفساد، وتحت إشراف الدولة الفاسدة أصلا، وعن طريق مؤسسات فاسدة، وعلى أساس تشريعات، تتم المصادقة عليها، في إطار برلمان فاسد. ومعلوم أن الفساد، لا ينتج إلا الفساد.
وبناء عليه، فإن القطاع العام، يتكون من مؤسسات فاسدة، وقفت، ولا زالت، تنتج لنا قطاعا خاصا فاسدا، يستغل لجمع الثروات الهائلة، التي تهرب إلى أوروبا، وإلى أمريكا، لاستثمارها في شراء العقارات، أو لإقامة مشاريع اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ولكن من أموال آتية من القطاع الخاص، في المغرب القائم على أساس الفساد.
فهل نستطيع، مستقبلا، التخلص من الفساد؟
وهل يتحول في بلادنا القطاع الخاص، إلى وسيلة لتمتيع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالحقوق الإنسانية، والحقوق الشغلية؟
وهل نعتبر أن الحرص على تمتيع جميع الأفراد، بجميع الحقوق الإنسانية، وسيلة لتحقيق مجتمع خال من الفساد؟.
بقلم/ محمد الحنفي