الاسرائيليون جميعا يعرفون ماذا يريدون وان اختلفوا نسبيا، والفلسطينيون تائهون لا ادوات تعريف لبرنامجهم وسلوكهم ولا يعلمون إلى أين سيذهبون، ولكن ما أستطيع أن أؤكده أن هناك خطأ حدث في إدارة الصراع مع المشروع الصهيوني منذ ما بعد النكبة والإرهاصات السياسية التي رافقت ذلك وما بلورت من وعاء سياسي تمثيلي للشعب الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية وارتكازها إلى برنامج النظام العربي في إدارة الصراع إلى فترة التحول في منظمة التحرير وتولي الفصائل بقيادة حركة فتح قيادة تلك المنظمة التي رفعت شعار الثورة الشعبية وقوة الجماهير في تحقيق غاياتها ولظروف معقدة ذاتية أكثر منها اقليمية وموضوعية حدث تحول في خطابها بتنازلها عن برنامجها وميثاقها الذي كان ينادي بتحرير فلسطين كل فلسطين إلى القبول بدولة بناء على قرار 242 في الضفة وغزة إلى أكثر تنازلًا في أوسلو ومازال الحبل على الجرار. هذا البرنامج وهذه الفراغات والمطبات في حركة التحرر الوطني ولدت مناطق فراغ ملأها الإسلام السياسي بقيادة حماس الذي اتهم قيادة منظمة التحرير بالتنازل عن فلسطين (وهذا واقعًا) وطرحت برنامج المقاومة والدخول في أوسلو لاحباط برنامجها ولكنها تغوطت أيضًا في مسؤوليات السلطة وتحولت الخلاف في برنامج منظمة التحرير وحماس إلى صراع وليس تنافس نتج عنه الانقسام وبقيت منظمة التحرير ترامح مكانها ببرنامجها الفاشل الذي طرحته بحل الدولتين ولم تستطع إلى الآن الخروج منه رغم انه انتهى على الأرض، وانتقلت حماس من خطاب المقاومة الشامل لتحرير كل فلسطين إلى خطاب الدفاع عن النفس والتهدئة وقبول حل الدولتين ووثيقتها التي أعلن عنها في عام 2017 وهي وثيقة معتدلة تحمل ما بين برنامج منظمة التحرير والقليل من هويتها بناء على ميثاقها. المهم هنا أن كلا البرنامجين توقف عند محطة ينتظر الاحداث الاقليمية والدولية والمتغيرات وأصبح الأقرب هو انفصال الضفة عن غزة أمام حكم الواقع وتصرفات الرئيس عباس التي تميزت بالضعف والتردد وأخذ القرارات الغير مسؤولية ضد قطاع غزة بدلًا من احتواء المتغير في هذا القطاع وببرنامج الحد الأدنى الذي وصلت إليه حماس أيضًا، المهم هنا أن الفلسطينيون تائهون وتلويحات بصفقة القرن التي طبقت معظمها على الأرض ولم يبقى إلا الإعلام الرسمي والرتوش الأخيرة والتسويات الأخيرة على الأرض.
تعلّق الفلسطينيون، وأقصد هنا الجمهور السياسي والمهتم سواء في رام الله او في غزة بنتائج الإنتخابات الإسرائيلية المعادة وكانت هناك لقاءات للرئيس عباس مع أحزاب يمين الوسط واليسار الإسرائيلي في ايماءة لدعم هذا المعسكر في الانتخابات القادمة، فمنذ يوم صرح ناتنياهو بأن السلطة تتدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي وكما هو الحال أيضًا فلقد انطلقت عدة دفقات من الصواريخ وعمليات اقتحام للحدود عدة مرات من السياج الفاصل في غزة، وكان آخرها دفقة الصواريخ على اسدود التي هددت حياة ناتنياهو وهددت زوجته بأن تصبح أرملة، كان لهذه الأحداث أن تؤثر على ناتنياهو وعلى الجمهور الإسرائيلي والمتطرفين الاسرائيليين الذين يدعمون ناتنياهو الاستيطان، وبالتالي تؤثر على نتائج الإنتخابات الإسرائيلية أي عمل الطرفين على هزيمة ناتنياهو وان كانت حماس قد لوحت بالضرر عليه في تلك الصواريخ المنطلقة من غزة ولكنها لم تفعل لحسابات دقيقة أيضًا فربما يهرب ناتنياهو من الانتخابات مع اليمين الإسرائيلي لقرار حرب، رغم أنني لم أشجع هذه الفكرة وهذا الطرح لأن قرار الحرب في اسرائيل لا يملكه ناتنياهو بل أن معظم أوراقه خارج اسرائيل من الايباك واميركا ودول أوروبية أخرى.
المهم هنا أن الانتخابات قد حدثت وتوالى فرز النتائج التي قد تستقر على 55 عضوا لليكود والمعسكر المتطرف و56 مقعدًا للمعسكر الآخر أزرق أبيض بقيادة غينيتس يضم أحزاب اليسار واليمين الراديكالي والقائمة العربية الموحدة التي لأول مرة تستطيع أن تحصد13 مقعدًا.
بالنظر إلى معادلة القوى في إسرائيل وحزب الجنرالات وحزب الليكود، من القفز على الحقائق أن نسمي حزب أزرق أبيض حزب تقدمي أو يمين وسط، فهو لا يختلف عن منطلقات حزب الليكود بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي وبرنامج الليكود في عمليات الضم والقدس ومستقبل الوجود الفلسطيني على الأرض ولكن هناك عدة خلافات قد تكون ثانوية في السياسة الداخلية لقيادة المجتمع الإسرائيلي وقضايا الفساد التي اتهم فيها ناتنياهو ورجال أعمال آخرين في حزب الليكود. قد نستطيع القول أن فكرة انتظار من سيشكل الوزارة في دوائر الاختصاص الفلسطينية فكرة رديئة بقدر ما هو مطلوب هو وضع خطة استراتيجية فالاسرائيليين يتفقون ولا يختلفون على ما ينظرون له على أنه مستقبلهم على الأرض، أما الفلسطينيون فهم مختلفون دائمًا.
المفاجئ في تلك الانتخابات هو القائمة العربية الموحدة التي استطاعت كما قلت أن تحصد 13 مقعدًا وحزب ليبرمان اسرائيل بيتنا الذي دائمًا وبعدد أعضاءه الذين فازوا وهم قليل إلا أنهم هم المؤثرون في تشكيل أي حكومة سواء مع يمين الوسط أزرق أبيض أو مع الليكود بقيادة ناتنياهو ومن هنا تبقى شخصية ليبرمان شخصية ابتزازية لكلا الطرفين وهنا لا نريد أن نذكر بمنطلقات هذا الرجل الذي يتميز بالزعرنة الكلامية فهو هدد بقصف الأهرامات سابقًا والسد العالي وهو أيضًا الذي مازال يطالب بحل قاسي تجاه غزة.
المهم هنا من سيشكل الحكومة في إسرائيل أهو يمين الوسط مع اليسار أم الليكود ومن حوله من يمين متطرف، كلاهما لا يستطيع تشكيل حكومة، والمجتمع الإسرائيلي غير قابل لطرح انتخابات ثالثة إذا ما هي إحتمالات الخيارات الإسرائيلية أعتقد أن الموضوع يكمن الآن في دراسة دقيقة للرئيس الفلسطيني بمن يكلف، هل يكلف غينيتس؟ أم يكلف ناتنياهو؟ أو كما يطالب يمين الوسط بأن يكلف إذا كان هناك تكليف شخص آخر في الليكود غير ناتنياهو. الأمور من نتائجها معقدة جدا لدى الإسرائيليين والخيارات محددة بحيث لا خروج عنها فجميع الآراء تقول أن حكومة الوحدة هي الخلاص من هذا المأزق، ولكن ليمين الوسط شروطه واليمين المتطرف وأقصى اليمين لهم شروطهم أيضًا، ومن هو الذي سيشكل الحكومة مرة أخرى؟ وما هو برنامجها بالنسبة للضفة وغزة والجبهة الشمالية والسلاح النووي الإيراني وكيف يمكن أن تتعامل مع صفقة القرن التي قيل أنه إذا سقط ناتنياهو فإن الصفقة ستسقط، وأنا لا أعتقد ذلك، فالصفقة ستعرض مهما كان من يقود الحكومة الاسرائيلية ولأن ترامب يعول عليها كمكاسب في حملته الإنتخابية الجديدة كما عول على الكم الذي جمعه من الخارج لحل الأزمات الداخلية الأمريكية، ولكن تبقى الامور هنا متوقفة على حنكة ناتنياهو بحيث يمكن اختراق تجمع يمين الوسط والحصول على انتزاع حزب العمل من قائمة غينيتس لصالح الليكود مع ليبرمان لتشكيل حكومة جديدة ومن هنا يستطيع ناتنياهو حسم الأمر وباستثناء أحزاب اليمين المتطرف جدًا.
مرة أخرى القائمة العربية الموحدة، وهي قد تكون من أهم القوى التمثيلية في الكنيست الإسرائيلي بعد المعسكرين غينيتس-ناتنياهو من هنا عودة للخطأ الكبير الذي ارتكبه الفلسطينيون والنظام السياسي الفلسطيني عندما استثنى فلسطينيي الداخل من برنامجهم تمامًا في حين أن حركة التاريخ تقول أن الفلسطينيين داخل فلسطين هم اللبنة الأساسية لاحداث التغيير الفعلي والأساسي في القضية الفلسطينية وفلسطينيو الخارج والضفة وغزة هم عمليات تكميلية والمتوازية والمتكاملة مع برنامج مشترك يقوده فلسطينيو الداخل، فلا أمل لحل الدولتين ويجب أن يكون هناك الخيار الثالث، وهو فكرة التغيير على الأرض من خلال برنامج موحد يحسم كثيرًا من قضايا الصراع وأزماته ولذلك قد تنبهت إسرائيل ومراكز أبحاثها لعملية الديموغرافيا وما يمكن أن تفعله من تهديد للدولة اليهودية من طرح عدة نظريات من ترانسفير وتبادلية الأراضي والسكان بين مناطق في الضفة ومناطق في شمال فلسطين تصل إلى 6% ومقايضة بعض المستوطنات في الضفة الغربية بمناطق في التجمعات السكانية في الشمال.
إذًا مازال أمام الفلسطينيين وقت لكي يعيدوا حساباتهم ويخرجوا من دائرة المنظور التقليدي للصراع، فالواقع أصبح يتجاوز كلاسيكية التفكير والطرح فكل شيء قد يتغير ولنعيد النظر لنشاط الكتلة العربية الفلسطينية في داخل فلسطين لكي نأخذ أملا من جديد على أن ما على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
بقلم/ سميح خلف