«التنفيذية» و«الخارجية» مؤسستان عاطلتان عن العمل، تعيشان خارج الزمان والمكان
ندخل هذا الحوار مع اللجنة التنفيذية، وخارجية السلطة الفلسطينية، وقد صدر عن كل منهما بالتتالي في 15 و19/9/2019، بيان، أوضحت أفكاره ومواقفه أن الجهتين وصلتا إلى حالة من الإفلاس السياسي الكامل، وأن الطرفين، بمواقفهما، يعبران بالضرورة عن إفلاس المشروع السياسي الذي مازالت السلطة وقيادتها تتمسكان به، باعتباره خشبة الإنقاذ ( المهترئة والعفنة) التي قد تحميها من خطر الغرق.
ثلاث قضايا رئيسة وردت في بيان «التنفيذية». نعالجها واحدة واحدة.
• «أكدت موقف الرئيس محمود عباس بأن القيادة ستعتبر كل الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي وما ترتب عليها من التزامات قد انتهت».
«التنفيذية» لا تجرؤ على اتخاذ موقف خاص بها، بل تؤكد على موقف الرئيس، وتتحدث عن «القيادة»، وكأن القيادة شيء آخر، غير اللجنة التنفيذية، علماً أن المجلس الوطني لم يعترف سوى بقيادة واحدة هي اللجنة التنفيذية دون غيرها. وبالتالي تعكس صياغة البيان حدود الوعي لدى الذين صاغوه، ومدى إحساسهم بأنهم لا يشكلون قيادة للشعب الفلسطيني (ولعلهم في ذلك كانوا صادقين مع أنفسهم ومعنا دون أن يدروا!).
«التنفيذية» تتجاهل أن المجلس الوطني ألغى اتفاق أوسلو، واتخذ سلسلة قرارات للخروج منه، ولصالح البرنامج الوطني البديل. إما أن ذاكرة التنفيذية باتت شديدة الهشاشة، وإما أنها لم تصلها حتى الآن قرارات المجلس الوطني، وإما أنها تعكس الواقع الحقيقي الذي مازالت تعيشه السلطة الفلسطينية وقيادتها، في ظل أوسلو والتزاماته. التنفيذية تعترف بأنها «الطرف الوحيد الملتزم بهذه الاتفاقيات». وهذا الاعتراف يعفينا من عناء النقاش المطول مع «القيادة» التي انتخبها المجلس الوطني، لكنها تخلت عن واجباتها القيادية، في حالة إفلاس شديدة، حولت كل اجتماعاتها إلى «تشاورية»، لا تملك صلاحية القرار.
التنفيذية تحمل نتنياهو (والحكومات الإسرائيلية) «مسؤولية انهيار مسار السلام»، علماً أن «مسار السلام»، كما يعرف الجميع انتهى مع انهيار مفاوضات كامب ديفيد 2(تموز/يوليو/2000) وأن كل المفاوضات التي تلت، تحولت، باعتراف الجانب الفلسطيني المفاوض إلى «علاقات عامة»، هبطت بحيث «باتت تبحث قضايا صغيرة هي في الأساس من صلاحية ضباط الاتصال».
تمسك اللجنة التنفيذية «بمسار السلام» ، والحديث عنه، يجعلنا نسأل ما هي استراتيجية اللجنة التنفيذية؛ هل هي مفاوضات أوسلو، التي قال المجلس الوطني إنها انتهت، أو هي قرارات المجلس نفسه.
• «التنفيذية» تتحدث عن مواصلة «الإجراءات العملية الملموسة للانتقال من السلطة إلى الدولة». يبدو أن اللجنة التنفيذية، لا تتابع الأوضاع العامة، ولا تقرأ الوقائع، وكيف أن الإدارة المدنية للاحتلال تقوم بتقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية وتهميشها أكثر فأكثر، لصالح توسيع صلاحيات رئيس الإدارة، بما في ذلك إلغاء الفواصل بين المناطق، واجتياح المناطق (أ)، وهدم المنازل، وضم المستوطنات، وبناء الوقائع اليومية بما يحول العاملين في السلطة إلى «موظفين لدى سلطة الاحتلال».
* * *
بالانتقال إلى بيان وزارة الخارجية نلاحظ أن كلمة «السلام» وردت فيه 13 مرة، علماً أنه بيان من 27 سطراً فقط لا غير.
كما نلاحظ أن الخارجية مازالت تتحدث عن «حل الدولتين».
أولاً: المعركة بيننا وبين دولة الاحتلال ليس «حرباً بين طرفين تنتهي بالسلام».
الصورة هي أن الشعب الفلسطيني، يعيش في ظل احتلال عدواني استعماري استيطاني، وأنه يناضل في سبيل «الحرية» ( نرجو من الخارجية أن تدون هذه الكلمة في قاموسها). وأن «السلام» الموعود مات منذ أن انتهكت إسرائيل اتفاق أوسلو الفاسد، الذي أكدت بداياته ومقدماته، أنه لن يكون طريق الشعب إلى الحرية والاستقلال والعودة ( كذلك نرجو أن تدون الخارجية هذه العبارات في قاموسها)، وبالتالي فإن تصوير الأمر للرأي العام، وكأن هناك صراعاً بين طرفين، بحثاً عن السلام، هو تزوير للحقائق والوقائع، وظلم للشعب الفلسطيني، ولغة هجينة، تحاول أن تبدو للمجتمع الدولي، بشكل هزلي، ومثير للسخرية أن من هم في الخارجية «دبلوماسيون حضاريون»، لا همّ لهم سوى الوصول إلى «السلام».
الخارجية تتناسى ملايين اللاجئين، ولا تأتي على ذكرهم وكأن «معركتها» هي في حدود الضفة الفلسطينية.
ثانياً: مازالت الخارجية تتحدث عن «حل الدولتين»، علماً أن هذا «الحل» الأميركي المشبوه قد نفق منذ زمن، وان أصحابه (أي واشنطن) قد تخلت عنه. لم تأتِ الخارجية على ذكر الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67، ولم تأتِ على ذكر قضية اللاجئين. لا لشيء سوى لأن الخارجية هي خير من يدرك أن «حل الدولتين» لا يضمن الصيغة الوطنية للدولية الفلسطينية، بل صيغة لدولة منزوعة السيادة، لصالح الهيمنة الإسرائيلية وأطراف ثالثة. كذلك تدرك الخارجية أن «حل الدولتين» يتجاوز حق العودة لصالح الحلول البديلة بين تهجير وتوطين وغيره.
في السياق نفسه، تنتقد الخارجية صفقة القرن لأنها تنقلب على «الاتفاقيات الموقعة» في إصرار عنيد على أن «الاتفاقات الموقعة» لو لم تنقلب عليها صفقة القرن، لشكلت طريقاً إلى «حل الدولتين»، وإلى قيام «السلام»، متجاهلة أن المجلس الوطني في دورته الأخيرة (والذي تمثلت فيه الخارجية بأكثر من عضو) تجاوز «الاتفاقيات الموقعة»، وأعلن وفاتها، وأهال عليها التراب. فلمصلحة من نبش قبر أوسلو، والإصرار على استعادة جثته العفنة، وإعادة تقديمها إلى الرأي العام، باعتبار اتفاقياته هي السبيل إلى «السلام» وإلى «حل الدولتين» المزعوم، الذي ترى فيه الخارجية سبيلاً إلى تمكين الشعب الفلسطيني من «حقه في تقرير مصيره»؟
أخيراً، وليس آخراً، في موقف مذل ومهين، تتوجه الخارجية إلى الناخب الإسرائيلي تدعوه إلى انتخاب «شريك سلام إسرائيلي قادر على الوفاء بمتطلبات السلام».
ترى هل بعد هذه المهانة، مهانة. ترى ألا تقرأ الخارجية استطلاعات الرأي والمزاج العام الإسرائيلي، وطبيعة الأحزاب المتصارعة وماهي برامجها؟.
إذا كانت لم تطل على هذا، فتلك مصيبة وإذا كانت قد أطلت عليها، ومع ذلك تراهن على الناخب الإسرائيلي، فالمصيبة أعظم، كما يقولون!
* * *
واضح تماماً أننا أمام مؤسستين وصلتا إلى حد الإفلاس، مفصولتين عن الزمان، وتعيشان خارج المكان.
«التنفيذية» المجردة من الصلاحيات، لا تملك ما تقدمه إلى الشعب الفلسطيني. تعيش حالة من العطالة والبطالة. يلتقي أعضاؤه كلما دعاهم أمين السر. يسبق الاجتماعات تمهيد إعلامي بأنها مقبلة على مواقف حاسمة. ثم يكون الفراغ هو سيد الموقف. حتى أن الذين يعدون بأن الاجتماع سيكون «مصيرياً» و «خطيراً» وسيتخذ قرارات مهمة، لا يعتذرون لشعبهم عن أكاذيبهم وعن تزويرهم للواقع.
حتى أن البيان الأخير للتنفيذية، كان هزيلاً، مفككاً، افتقر إلى الترابط في تسلسل أفكاره، كانت وظيفته أن يتزلف إلى «القيادة»، وليس أكثر.
أما الخارجية فقد تحولت من مؤسسة معنية بحمل الرسالة الفلسطينية إلى العالم، إلى مرتع للموظفين الكسالى، والعاطلين عن العمل، ولولا بياناتها التي تصدر بين يوم وآخر، فارغة من أي مضمون سياسي ذي معنى، لما شعر الفلسطينيون بوجودها.
الخارجية التي تباهت في المجلس الوطني ووزعت علينا مجلداً، يستعرض بالصورة، مباني سفارات فلسطين وأماكن سكن سفراء فلسطين. بحيث تضاهي مباني دولة نفطية! أما أماكن سكن سفراء فلسطين فلا تقل فخامة عن مباني سكن السفراء العرب.
ظاهرة أخرى من ظواهر الفساد السياسي والإداري، مصدره الأول والأخير، فساد برنامج أوسلو، وحل الدولتين الذي مازالت الخارجية تتمسك ببقاياه المهترئة والنتنة.
بقلم/ معتصم حمادة