أنهى جيش الاحتلال الاسرائيلي انسحابه الكامل من قطاع غزة بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر2005، بعد احتلال استيطاني عسكري دام لـمدة 38 عامًا، وأعاد انتشار قواته على الحدود الشرقية والشمالية الفاصلة بين القطاع وأراضي الـ 48. فيما أغلق معبر القرارة "كيسوفيم" الواقع بين جنوب القطاع ووسطه اغلاقاً تاماً، والذي أصبح فيما بعد ممراً عسكرياً لدخول الدبابات والآليات العسكرية في حال توغلت لمسافات محدودة على حدود القطاع.
وجاء الانسحاب الاسرائيلي من غزة، بعد أن أصبح واقعاً أن تصاعد جرائم الاحتلال لن توقف المقاومة الفلسطينية، التي وجهت ضرباتها الموجعة ضد جنود الاحتلال وقطعان مستوطنيه، من خلال عملياتها البطولية التي تنوعت وسائلها بين اقتحامها للمستوطنات وإطلاق قذائفها الصاروخية، وتفجير عبواتها الناسفة بالآليات والمواقع والقوات الاسرائيلية، ما حول حياة الاحتلال إلى جحيم، وعجل من هروبه تحت وطأة ضربات المقاومة الباسلة.
وعٌرف الانسحاب من غزة اسرائيلياً باسم "خطة فك الارتباط أحادي الجانب" التي أعلن عنها أرئيل شارون رئيس حكومة الاحتلال آنذاك. وبحسبها قامت اسرائيل بتفكيك وإخلاء جميع المستوطنات المقامة على أراضي القطاع، والبالغ عددها (21) مستوطنة، بالإضافة إلى (4) مستوطنات في الضفة الفلسطينية.
وأحدثت خطة فك الارتباط جدلاً واسعاً في إسرائيل وكانت مخالفة لوعود أرئيل شارون قبيل انتخابه، مع أنها نجحت بالتصويت عليها بالكنيست بعد القراءة الثالثة في 16 فبراير 2005 بأغلبية 59 مؤيدا أمام 40 معارضا وامتناع 5 عن التصويت.
ورأى عدنان أبو عامر المحلل السياسي في الشأن الإسرائيلي، أنه في الوقت الذي يُحيي فيه الفلسطينيون والإسرائيليون الذكرى الرابعة عشر للانسحاب من غزة، ضمن "خطة فك الارتباط أحادي الجانب"، فإنه يبدو من الإجحاف الحديث عن الانسحاب من غزة دون إلقاء نظرة على حجم الهزيمة التي اعترف بها جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتأكيدهم أن الانسحاب مثل تراجعاً إسرائيلياً حقيقياً أمام المقاومة، وشكل بنظرهم تآكلاً لقوة الردع العسكرية، في الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل أن تردع الجيوش النظامية العربية.
وأضاف أبو عامر، "لا يجد الإسرائيليون حرجاً في التصريح بأن السبب الأساس والدافع الرئيس لانسحابهم من غزة ما وصفوه بـ"العنف المجنون" الموجود بغزة، وكان سيغرق المستوطنين والجنود داخلها في حمام من الدماء، ولذلك أزال الانسحاب من تحت أقدام الغزيين "المجانين" بساط الأهداف العسكرية، وضيق من قدرتهم".
وقال أبو عامر "لم يتوقف الأمر على عتاة الجنرالات برفض الانسحاب، لتآكل قوة الردع لدى الجيش، فقد وافقهم من يقفون على يسار الخارطة السياسية الإسرائيلية، الذين تخوفوا من أن الانسحاب من غزة سيقوي المتطرفين الذين لا يريدون السلام، فقد أثبت أنه يمكن بالعنف الحصول على ما لا يمكن الحصول عليه بالتفاوض".
"في حين يرى معارضو الانسحاب من الإسرائيليين أنه أنشأ استنتاجاً عند كثير من الفلسطينيين بأن الإسرائيليين يفهمون القوة فقط، وأن استعمال القوة فقط، ومزيد منها، سيخرجهم من الضفة الفلسطينية على نفس الصورة التي خرجوا بها من غزة"، على حد قوله.
وأوضح أبو عامر أن هذه الآراء تؤكد أن الساسة والعسكريين الإسرائيليين اقتنعوا أن الانسحاب من غزة تم تحت ضغط المقاومة، مما يعزز قيمتها في معادلة الصراع القائمة، وضرورة النهوض بمستوياتها اللوجستية والتدريبية لمواجهة ساحة الصراع القادمة في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس المحتلة. وهذه الاعترافات الإسرائيلية تؤكد أن الانسحاب تم تحت وقع ضربات المقاومة، صحيح أن الأمر قد يتداخل مع مشاريع إسرائيلية سابقة، لكنه لا ينفي أنه لولا عودة التوابيت السوداء المحملة بجثامين الجنود والمستوطنين القتلى في غزة، لما استعجل "شارون" إخراج قواته من القطاع.
بدوره أكد ابو خالد الناطق العسكري لكتائب المقاومة الوطنية الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة سجل علامة فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، مبيناً أنه حقق نصراً لصمود شعبنا وللانتفاضة والمقاومة.
وقال أبو خالد في تصريح له: إن "المقاومة حققت الانتصار من خلال عملياتها التي اوجعت الاحتلال"، موجهاً التحية للشهداء الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم دفاعاً عن ثرى أرض غزة، في عمليات اقتحام بطولية للمستوطنات التي كانت جاثمة في قطاع غزة. وأشاد أبو خالد بصمود وبسالة الشعب الفلسطيني الذي رفض الخضوع للاحتلال وواصل دعمه واحتضانه للمقاومة الفلسطينية حتى يومنا هذا.
وأوضح أبو خالد أن الاحتلال الاسرائيلي دخل مرحلة جديدة من الصراع حيث أصبح عاجزاً على مواجهة المقاومة التي تواصل الاعداد والتجهيز لمواجهة عدوان الاحتلال، وتمتلك من المقاتلين والعتاد والوسائل والإمكانيات ما سيذهل الاحتلال ويربك صفوفه وكل حساباته الخاسرة.
بعد أقل من عامٍ على انسحاب اسرائيل من غزة، وهي تجر ذيول الهزيمة، فرضت حصاراً مطبقاً على القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلو متر مربع، وشنت عليه ثلاثة حروب عدوانية مدمرة، ما أنهك حال سكانه، واغرقهم في بحر من المعاناة، لكن المقاومة طورت من قدراتها وامكانياتها وتكتيكاتها القتالية التي أربكت حسابات الاحتلال، واستطاعت تلقينه دروساً بليغة بفعل ضرباتها الموجعة وتصديها لكل محاولات الاحتلال لفرض واقع جديد على القطاع، وتغيير قواعد الاشتباك لصالحه والتي كان آخرها تشكيل "الغرفة المشتركة" للأجنحة العسكرية المقاتلة لفصائل المقاومة.